تقرير الجودة الصحية_إعداد: عبدالرحمن حمد المزروع

 

أصبح الإستثمار في القطاع الصحي من أهم ركائز الإقتصاد الوطني في العديد من دول العالم، إذ لم يعد تقديم الخدمات الصحية بمختلف مجالاتها مقصورا على القطاع الحكومي فحسب، بل أصبح للقطاع الخاص مشاركة فعّالة فيه، وفي المملكة العربية السعودية، ومع النمو السكاني الذي تجاوز حاليا 31 مليون نسمة من مواطنين ومقيمين حسب موقع الهيئة العامة للإحصاء، وما يرافق ذلك من زيادة مستمرة في الإنفاق على الخدمات الصحية، وبهدف الإرتقاء بجودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة، وتماشيا مع الرؤية المستقبلية للمملكة، فقد أكدت وزارة الصحة في أكثر من مناسبة دعمها للإستثمار في القطاع الصحي وخصخصة الخدمات، وتم مؤخرا إسناد خمسة مستشفيات من وزارة  الصحة للقطاع الخاص، ثلاثة منها في مدينة الرياض بالإضافة إلى مستشفى في المدينة المنورة وآخر في مدينة الطائف، وتعد هذه المستشفيات الدفعة الأولى التي يتم إسنادها للقطاع الخاص، كما يتم في هذا الشهر يناير 2017م عدة لقاءات من قبل وفد قطاع الأعمال السعودي المشارك في قمة غوجارات الحيوية في الهند مع العديد من الشركات الهندية التي تعمل في مجال الرعاية الصحية، ويتم البحث من خلال هذه اللقاءات في فرص الشراكة والإستثمار، والموضوعات المتعلقة بالخدمات والخبرات الصحية في مجال البحوث والمختبرات والعقاقير الطبية، وذلك بهدف الإستفادة من خبرات هذه الشركات وفتح المجال أمام الإستثمارات المناسبة منها، وفي منتدى الأحساء للإسثمار 2016م، صرح معالي نائب وزير الصحة الأستاذ حمد بن محمد الضويلع: “أن الوزارة تعمل ضمن برنامج التحول الوطني على توفير فرص محفزة للمستثمرين في مجال الصحة وتذليل الصعوبات والمعوقات، مشددا أن الوزارة تفتح أبوابها بكل شفافية أمام المستثمرين والراغبين في الاستثمار في القطاعات الصحية في إطار دعمها لمشاريع القطاع الخاص الصحي، باعتبارها من المشاريع الرائدة لتعزيز قدرات الاقتصاد السعودي وتنويع روافده، لافتا إلى أن تقديم خدمات الرعاية الصحية في المملكة يقوم على محورين أساسيين هما: تعزيز إسهامات القطاع الخاص، وتفعيل الشراكة بين جميع الشركاء المتعاونين، كما أفاد معاليه بأنه سيتم توسيع مظلة الضمان الصحي وخدمات التأمين لتشمل جميع المواطنين والمقيمين في المملكة، ودعم خطط خصخصة خدمات الرعاية الصحية من خلال شركات مؤهلة وقادرة على تقديم الخدمات الصحية بأفضل المعايير والمواصفات وفق استراتيجية تهدف إلى تقديم أفضل خدمات الرعاية الصحية ضمن مسؤوليات الوزارة، وبما يتواكب مع برنامج التحول الوطني لتحقيق التنمية الشاملة في جميع القطاعات”.

لذلك يرى معظم المستثمرين أن المملكة العربية السعودية تعتبر بيئة مثالية للإستثمار الصحي، ويؤكد ذلك الدكتور هيلموت شويسلر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـشركة «تي في إم كابيتال هيلثكير بارتنرز» حيث ذكر أن سوق الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية، هو الآن محط أنظار المستثمرين الأجانب، وأن المستثمرين الأجانب يرون في قطاع الرعاية الصحية بالمملكة سوقا ينطوي على آفاق استثمارية واعدة، لاسيما وأنه يعتبر أكبر سوق رعاية صحية في المنطقة.

 

 

الفرص الإستثمارية في القطاع الصحي

في هذه المجلة الرائدة، نشرت الزميلة القديرة الأستاذة: منال باسنبل بتاريخ فبراير 2016م عن رئيسة قطاع الصحة وعلوم الحياة في الهيئة العامة للاستثمار الدكتورة بسمة بنت صالح البحيران: “بأن الهيئة تعمل مع وزارة الصحة على تطوير نظام الرعاية الصحية في المملكة، وبإن خطة الاستثمار في القطاع الصحي التي أعدت بالتعاون بين وزارة الصحة والهيئة العامة للاستثمار تم فيها تحديد أكثر من 40 فرصة للاستثمار في القطاع الصحي وتُقدّر قيمة تلك الفرص بحوالي 41 مليار ريال خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وتضمنت القطاعات الفرعية المحددة تصنيع المنتجات الطبية وتقديم الخدمات والتعليم والتدريب وتصنيع الأدوية والمستحضرات الطبية والوقاية وخدمات الدعم والاستثمارات الدولية، وقد تم تحديد الفرص التالية كأولوية: الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية، مبادرة توطين صناعة الأسرة الطبية، ومبادرة توطين صناعة أجهزة التصوير الطبية، بالإضافة إلى توطين صناعة اللقاحات، وصناعة تجزئة البلازما”.

لذا فإن الإستثمار في القطاع الصحي لا يشمل إنشاء المرافق الطبية وتشغيلها وتقديم الخدمات الطبية المباشرة فقط، بل يشمل أيضا إعداد الكوادر الطبية والمختبرات المتخصصة وصناعة المستلزمات الطبية كالأدوية التي يعاني سوقها في المملكة ضعفا وتحديات، فبالرغم من وجود أكثر من عشرين مصنعا للأدوية حاليا في المملكة وآخرها إفتتاحا مصنع فايزر في مدينة الملك عبد الله الإقتصادية، حيث تم إفتتاحه في هذا الشهر يناير 2017م، إلا أن إنتاجها من الأدوية لا يغطي تقريبا إلا 25% من احتياجات السوق، والباقي يتم إستيراده، وذلك حسب ما أفاد به سعادة مساعد المدير العام للمنشآت الصغيرة والناشئة ببنك التنمية الإجتماعية المهندس غازي الشهراني، علاوة على أنه يتم إستيراد معظم المستلزمات الطبية الأخرى والتي يعتبر الإستثمار فيها داخليا فرصة للشركات الطبية والمستثمرين، كما أن الإستثمار في مجال مراكز العناية بمرضى السكر والأورام ومراكز العناية بكبار السن ومراكز علاج مصابي الحوادث المرورية وإعادة تأهيلهم يعتبر مشروعا إستثماريا ناجحا في الوقت الحالي لحاجة المملكة لمثل هذه الخدمات، بالإضافة إلى الإستثمار في مجال التأمين الطبي والذي يستحق إفراده في تقرير منفصل نظرا لأهميته والتقدم الملحوظ في مجاله.

 

 

تحديات الإستثمار في القطاع الصحي

كأي مجال إستثماري آخر، يواجه الإستثمار في القطاع الصحي العديد من التحديات والعقبات، فعلاوة على أن مجال القطاع الصحي يعتبر إنسانيا بالدرجة الأولى، وليس إستثماريا بحتا يهدف إلى الربح المادي فقط، إلا أن التحدي الذي يواجه المستثمر في هذا المجال هو الموازنة بين تقديم رعاية صحية بجودة عالية مع مراعاة الأرباح في الإستثمار، وفي اللقاء المفتوح مع شباب وشابات الأعمال الذي نظمته لجنة شباب الأعمال بالغرفة التجارية بالرياض ونشر في صحيفة الرياض عدد رقم (17320)، أشاد الدكتور سامي العبدالكريم الرئيس التنفيذي لشركة العناية الطبية ونائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس لجنة المنشآت الطبية بغرفة الرياض بالإسثمار في القطاع الصحي، وأفاد بأنه يحتاج إلى نفس طويل وتمويل كبير وإدارة واعية، لكنه أشتكى من التعقيدات البيروقراطية التي تواجه المستثمرين في القطاع الصحي، وأشار بأن المستثمر يحتاج مراجعة 14 جهة حكومية حتى يحصل على الموافقات النظامية، علاوة على كثرة تغير الأنظمة والقوانين المنظمة للاستثمار الصحي.

لذا فإن المأمول أن تبادر وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة بدراسة العقبات التي تواجه المستثمرين في القطاع الصحي، والعمل على تذليلها، وتسهيل الإجراءات وتقديم الحوافز والتسهيلات، وأن يتم تزويد المستثمرين بالمعلومات والإحصائيات اللازمة، وفي المقابل، التشديد على ضمان جودة الخدمة المقدمة ومراعاة التكاليف، وتكثيف إجراءات المتابعة والرقابة، حيث أن هذا المجال يمس أغلى ما يملك الإنسان في حياته، وهو صحة الفرد ومن ثم المجتمع.

 

 

المصادر: