الجودة الصحية (متابعات) حنين المحمود

 طالب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في كلمتة الأخيرة الناس بالبقاء في المنزل وتدابير المباعدة الاجتماعية الأخرى هي وسيلة هامة لإبطاء وتيرة تفشي الفيروس وكسب بعض الوقت، ولكنها تظل تدابير دفاعية.

أما الفوز فيقتضي منا أن نهاجم الفيروس بتكتيكات شرسة وهدافة، تتمثل في فحص كل حالة مشتبه فيها، وعزل كل حالة مؤكدة ورعايتها، وتتبع كل المخالطين القريبين وتطبيق الحجر الصحي عليهم.

ونحن مدركون لما تواجهه بعض البلدان من صعوبة في تنفيذ هذه التدابير الشرسة بسبب قدراتها المحدودة.

غير أن العديد من البلدان أثبتت أن تعبئة الموارد محلياً من المناطق الأقل تأثراً هي إحدى الطرق الجيدة لرفع الطاقة الاستيعابية.

ونحن ممتنون كذلك للعديد من البلدان التي أوفدت أفرقة طوارئ طبية لرعاية المرضى وتدريب العاملين الصحيين في البلدان المحتاجة إلى الدعم.

ففي ذلك مثال رائع على التضامن الدولي، وهو ليس وليد الصدفة.

فقد دأبت المنظمة على العمل مع البلدان على مر الأعوام لبناء شبكة من أفرقة الطوارئ الطبية تأهباً لهذا الاحتمال تحديداً، أي حين تستدعي الحاجة إتاحة أخصائيين صحيين رفيعي المستوى لتلبية مثل هذه الطفرة المفاجئة في الاحتياجات والمساعدة على رعاية المرضى وإنقاذ الأرواح.

ولكن ليس بمقدور العاملين الصحيين أداء عملهم بفعالية عندما لا يتسنى لهم أداؤه على نحو مأمون.

فما زالت تصلنا تقارير مفزعة من مختلف أنحاء العالم عن العدد الكبير من حالات العدوى بين العاملين الصحيين.

وحتى لو كنا نفعل كل شيء آخر كما ينبغي، فإننا ما لم نعط الأولوية للعاملين الصحيين، سيظل الكثير من الناس يلقون حتفهم لأن العامل الصحي الذي بإمكانه أن ينقذ حياتهم مريضٌ هو الآخر.

وكما تعلمون، فإن المنظمة تبذل قصارى جهدها مع العديد من الشركاء من أجل ترشيد استخدام معدات الحماية الشخصية وتحديد الأولويات في هذا المجال.

فالتصدي للنقص العالمي في هذه المعدات المنقذة للأرواح يستوجب معالجة كل حلقة في سلسلة الإمداد، من المواد الخام إلى المنتج النهائي.

ولعل التدابير التي وُضعت لإبطاء وتيرة تفشي الفيروس قد أدّت دون قصدٍ إلى تفاقم نقص معدات الحماية الأساسية والمواد الخام اللازمة لصنعها.

ومعالجة هذه المشكلة تقتضي الالتزام والتنسيق السياسيين على الصعيد العالمي. وسأتحدث، هذا الأسبوع، مع رؤساء الدول والحكومات من بلدان مجموعة العشرين. ومن بين القضايا التي سأتطرق إليها، سأطلب منهم العمل معاً من أجل زيادة الإنتاج وتفادي حظر الصادرات وضمان التوزيع المنصف على أساس الاحتياجات.

نحن بحاجة إلى وحدة الصف بين بلدان مجموعة العشرين التي تستأثر بأكثر من 80 في المائة من المجموع العالمي للناتج المحلي الإجمالي. وما يجسد هذا الالتزام السياسي هو التضامن الراسخ الذي من شأنه أن يساعدنا على المضي قدماً في مكافحة هذه الجائحة بأقوى ما لدينا من أسلحة.

لذلك فإن أهم طلب أوجهه إلى قادة مجموعة العشرين هو التضامن، والتصرف كجسد واحد، لأن عليهم الرهان الأكبر في العالم، على جميع الأصعدة. 

ونحن مدركون أيضا للحاجة الماسّة إلى علاجات ناجعة. فليس لدينا اليوم علاج ذو فعالية مثبتة ضد كوفيد-19.

ومن الرائع أن نرى مستوى الطاقة الجبارة الموجهة نحو الأبحاث الرامية إلى مكافحة كوفيد-19.

غير أن الدراسات الصغيرة غير العشوائية والقائمة على الملاحظة لن تقدّم لنا ما نحتاجه من أجوبة. واستخدام أدوية غير خاضعة للاختبار وغير قائمة على بيّنات صحيحة قد يعطينا أملاً زائفاً، وقد يضرّ أكثر مما ينفع ويسبب نقصاً في الأدوية الأساسية اللازمة لمعالجة أمراض أخرى.

ولذلك أطلقت المنظمة تجربة “التضامن”، من أجل التوصل إلى بيّنات محكمة عالية الجودة في أسرع وقت ممكن. ويسرّنى أن عدداً كبيراً من البلدان قد انضمت إلى هذه التجربة، مما سيساعدنا على التحرك سريعاً وعلى نطاق واسع.

وكلما شاركت بلدان أكثر في هذه التجربة وغيرها من الدراسات الكبرى، كلما حصلنا على نتائج أسرع عن الأدوية الأنجع وتمكنا من إنقاذ المزيد من الأرواح.

وأودّ أن أنهي ملاحظاتي بتذكير الجميع بأنه في حين يستحوذ كوفيد-19 على انتباه العالم، فإن ثمة مرضاً تنفسياً آخر يمكن توقيه ومعالجته معاً، وهو مرض يقتل 1.5 مليون شخص كل عام، وليس سوى مرض السلّ القديم.

ويصادف يوم غدٍ اليوم العالمي للسل، وهو فرصة لتذكير قادة العالم بالالتزامات التي قطعوها على أنفسهم بوضع حدٍ لما يسببه هذا المرض القديم والفظيع من معاناة ووفيات.

والعالم محقٌ في تفرغه للاستجابة لكوفيد-19 بهمّة وبصورة عاجلة. ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى التصدي بنفس العجلة والهمة لمكافحة السل وتهيئة عالم أوفر صحة وأكثر أمناً وعدلاً للجميع.

ويظل محك الفوز في تسديد الركلة القاضية لفيروس كورونا.