من طبيعة الحياة التبدّل بين الرخاء والأزمات، والتحوّل بين السكينة والمِحن، والتقلّب بين الخير والشر، وهذه سنّة الله في خلقه، يقول الله عز وجل في الآية الثانية من سورة العنكبوت: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)، فجعل الله سبحانه وتعالى الابتلاء سنّة في الحياة وبه يختبر ويميّز عباده، ففي الأزمات تظهر معادن البشر وحقيقتهم، وصِدق ما يملكون من أخلاق وشيم، لذلك يقول ابن خلدون: (الناس في السكينة سواء، فإذا جاءت المِحن تباينوا)، ويقول الشافعي: (جزى الله الشدائد كل خير ،، وإن كانت تغصصني بريقي ،، وما شكري لها حمدا ولكن ،، عرفت بها عدوي من صديقي)، وفي أزمة فايروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) والذي نسأل الله أن يرفعه ويحفظ الجميع منه، نلاحظ التباين والاختلاف سواء على مستوى الدول والحكومات أو المنظمات والأفراد، فكثيرا ما كنّا نسمع التنظير المثالي والشعارات البرّاقة والظهور الإعلامي المكثف والتضخيم في الإنجازات مما يجعل المتلقي يشعر بأنه أمام حالات مثالية استثنائية، لكن عندما اشتدت العواصف وازدادت الخطوب وتفشى الفايروس في المجتمعات تلاشت معظم هذه المثاليات لدى البعض، وثبت البعض الآخر وأكدّ سلامة مبادئه وصحة مواقفه، وأتضح للجميع بأن أقدر الناس على التنظير في وقت الرخاء هم أعجز الناس على العمل في وقت الأزمات، يقول نجيب محفوظ: (المواقف تكشف الناس، فلا تحكم على أحد من كلامه، الناس مثاليون حين يتحدثون)، فعلى مستوى الدول والحكومات نجد أن البعض منها للأسف تخلّت عن مواطنيها في الداخل وعن رعاياها في الخارج وتأخرت في الاحترازات أو البدء في الإجراءات مما تسبب بعد قضاء الله وقدره في اصابة العديد من مجتمعاتهم بهذا الوباء، بينما نجد دولا أخرى قد وضعت أولى اهتماماتها سلامة وصحة مواطنيها ومن يعيش في أرضها، وهذا ما فعلته حكومتنا الرشيدة وفقها الله، فقد تعاملت مع الأزمة بكل شفافية ومسؤولية واحترافية وبذلت الغالي والنفيس من أجل صحة وسلامة المواطن والمقيم، بل وقدّمت الدعم للعديد من الأشقاء والأصدقاء في الدول الأخرى، وحتى تاريخ كتابة هذا المقال نوجز بعضا مما قامت المملكة العربية السعودية من جهود ومبادرات مباركة منذ بدء تفشي فايروس كورونا المستجد:

  • تقديم الدعم لحكومة الصين بإرسال مواد طبية عن طريق مركز الملك سلمان للخدمات الإنسانية.
  • إنشاء مركز القيادة والتحكم لرصد ومتابعة الحالات.
  • دعم منظمة الصحة العالمية بمبلغ 10 ملايين دولار لمواجهة كورونا.
  • استضافة السعوديين خارج المملكة وعزلهم في أرقى الأماكن وترتيب عودتهم للمملكة.
  • تعليق الدخول مؤقتا للحرمين الشريفين لإداء العمرة أو الزيارة.
  • تعليق الدخول لجميع التأشيرات للقادمين من الخارج.
  • تعليق السفر للخارج وتعليق الرحلات الداخلية.
  • تعليق الدراسة.
  • منع إقامة المناسبات.
  • عزل جميع العملات السعودية القادمة من الخارج.
  • تعليق النشاط الرياضي وإغلاق المراكز الرياضية الخاصة.
  • تعليق الحضور لمقرات العمل الحكومي والخاص بإستثناء القطاعات الأمنية والصحية والقطاعات الحساسة.
  • إغلاق الأسواق التجارية بإستثناء الأنشطة الضرورية.
  • منع التجمعات في الأماكن العامة.
  • تقديم الدعم بملغ 120 مليار ريال لتخفيف الآثار الاقتصادية.
  • عقد قمة استثنائية افتراضية لقادة العشرين حول كورونا.
  • منع التجول.
  • تقديم الرعاية الصحية المجانية للمواطنين والمقيمين ومخالفي الإقامة.
  • تمكين بعض الوافدين من العودة إلى بلدانهم بشكل استثنائي.
  • تحمّل الدولة 60% من رواتب موظفي القطاع الخاص السعوديين في المنشآت المتأثرة من تداعيات كورونا.

بالإضافة إلى العديد من الإعفاءات المالية والإدارية في العديد من قطاعات هذا الوطن المعطاء، وبالنظر إلى بيئات العمل في المملكة العربية السعودية نجد معظمها ولله الحمد تفاعلت إيجابيا مع الإجراءات والاحترازات الحكومية وقامت بالمبادرة ودعم الجهود الحكومية والمساهمة في الأنشطة الصحية وابتعدت عن البيروقراطية والروتين وقدّمت التسهيلات والمزايا لمنسوبيها وللمستفيدين منها، أمّا على مستوى الأفراد فقد أثبتت الشريحة الكبرى من المجتمع ارتفاع مستوى الوعي لديهم حيث تم الالتزام بالإرشادات والتعليمات الصادرة من الجهات المختصة والابتعاد عن الشائعات وعن التهويل بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة التي تقدمت للتطوع في المبادرات المتاحة، ولأنه لا يوجد في العالم مجتمع كامل ومثالي فقد ظهرت حالات استثنائية قليلة حاولت تجاوز التعليمات والأنظمة وقد تعاملت معها الجهات المعنية بكل حزم واحترافية، وفي مثل هذه الظروف ينبغي لنا أن نتمسك بما يأمرنا به الشرع الحنيف من طاعة لولي الأمر والامتثال لما يصدر من الجهات المختصة والتثبت عند سماع الأخبار وعدم المسارعة في نقلها تلافيا لنشر المعلومات الخاطئة، يقول الله عز وجل في الآية رقم (83) من سورة النساء يذم بها من يسارع في نقل الأخبار بلا تثبت وبلا تأكد: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ)، وفي ذلك توجيه من رب العالمين لعباده بأنه ينبغي لهم إذا سمعوا الخبر أن يتثبتوا ويتحققوا من صحته ويردوا ذلك إلى أصحاب الشأن والجهات المختصة وأخذ المعلومات منهم، كما يجب على الشخص أن يتأمل النتائج والعواقب في كل ما يعمله أو يقوله، فلا يتسبب بانتشار الإشاعات أو المعلومات المغلوطة في المجتمع، وألا يكون سببا في إثارة الهلع أو الخوف في مجتمعه، بل يتبع خلق الأنبياء عليهم السلام الذين كان نهجهم نشر الطمأنينة والسكينة في أوقات الفزع، نسأل الله عز وجل أن يرفع عنا وعن جميع عباده هذا الوباء وأن يكشف البلاء ويحفظ الجميع…