اسمح لي عزيزي القارئ أن أؤخر إجابة هذا السؤال المهم لنهاية هذه المقالة. وبداية دعني أروي لك قصة حقيقية تعبر عن روح هذه المقالة. قبل بضع سنين قابلت في أحد المستشفيات العامة الكبرى بالسعودية شاباً اسمه عبدالله وكان حينها في منتصف الثلاثينات من عمره وفي تلك المقابلة طلب مني عبدالله بكل جرأة أن يتم تنويمه مؤقتاً بجناح الطب النفسي لكي يحمي نفسه من الانتحار. سيزداد عجبك أخي القارئ لو علمت أن عبدالله كان متزوجاً وذو أطفال ويعمل في وظيفة مرموقة وأكثر من ذلك أنه كان يسافر سنوياً للإغاثة والدعوة خارج المملكة. لماذا يفكرعبدالله بالانتحار؟ الجواب باختصار أن عبدالله كان مصاباً بمرض الاكتئاب الحاد المتكرر النوبات والذي ينتشر وراثياً في عائلته (بعض إخوته وأقاربه من جهة الأب مصابون بالإكتئاب). وعندما تأتيه نوبة الاكتئاب الحادة مرة كل ثلاث إلى خمس سنوات تقريباً فإنه يصاب رغماً عنه وكعرض من أعراض الاكتئاب باليأس والقنوط والأفكار الانتحارية. ولذا فإنه يحتاج غالباً للتنويم بضعة أسابيع يتلقى فيها أدوية الاكتئاب وأحياناً جلسات العلاج الكهربائي ثم بعدها يستأنف حياته الاجتماعية والعملية والدعوية بكل حيوية ولولا أنه يتسرع بإيقاف أدوية الاكتئاب لقلّ تكرار نوبات الاكتئاب عليه.

لاشك أخي القارئ أن الانتحار بحد ذاته ظاهرة معقدة حار فيها العلماء قديماً وحديثاً فكيف بالحديث عن الانتحار في السعودية حيث تكاد تنعدم الدراسات المحلية الكبرى حول هذا الأمر.ونظراً لأهمية هذا الموضوع فسأحاول في هذا البحث المختصرمقاربة موضوع الانتحار بالحديث عن تعريفه ثم عن مدى انتشاره وأسبابه ثم علاجه. وفي البداية دعني أتحدث عن تعريف الانتحار المقصود بهذه المقالة فأقول أن هناك تفاوتاً بين مجرد التفكير بالانتحار إلى تنفيذه فعلاً.ولا أقصد بالانتحار هنا ما تقوم به بعض المراهقات أحيانا من محاولات لإيذاء النفس هدفها ليس الرغبة بالموت وإنما جذب الانتباه أو تخفيف الألم أو الهرب من مواجهة ضغط اجتماعي معين وهي أوسع انتشاراً مما سأفرد الحديث عنه في هذه المقالة. ما أقصده في مقالتي هذه هو محاولات الانتحار الجادة التي قد تفشل أو تنجح وتتفاوت في نوعيتها بين من تراوده الأفكار الانتحارية لسنوات ثم يقدم عليه بعد طول تخطيط وآخرون ربما أقدموا على الانتحار كردة فعل مفاجئة بلا تفكير مسبق . وبدلاً من التخرص وإطلاق الأراء الخاصة بلا دليل دعونا نستعرض ظاهرة الانتحار معتمدين على نتائج الدراسات العالمية الكبرى. ما مدى انتشار ظاهرة الانتحار في العالم ؟ وما مدى انتشاره في السعودية؟ سأجيب عن هذه الأسئلة وغيرها عبر النقاط التالية:

v     تؤكد منظمة الصحة العالمية أن هناك شخص واحد على الأقل ينتحر كل 40 ثانية في العالم.

v     نسبة الانتحار تتراوح بين  10 حالات انتحار لكل 100 ألف شخص في مصر وإيطاليا وأسبانيا وهولندا..الخ  إلى 25 حالة انتحار لكل 100 الف شخص في الدول الاسكندنافية وسويسرا و ألمانيا …الخ

v     يشكل الانتحار السبب الثامن للوفاة لدى عامة الناس والسبب الثالث للوفاة لدى الشباب الأمريكيين من 15-24 سنة

v     نسب الانتحار شبه ثابتة خلال العقود الماضية و لكن نسبتها تزيد انتشاراً لدى صغار السن من 15-24 سنة رغم ندرتها في الماضي لديهم مقارنة بكبار السن. وكذلك تزيد نسبة الانتحار لدى النساءعما كانت من قبل (وربما يعود السبب لتزايد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية وضغوط العمل على كاهل النساء عما كانت عليه من قبل).

v     أكثر الفئات قابلية للانتحار هم من اجتمعت لديهم الصفات التالية : (رجال ،عزاب أو مطلقين ،تجاوزوا ال45 عاماً من العمر ،عاطلون عن العمل ، مصابون بمرض الاكتئاب الحاد الذي استلزم لشدته تنويماً في أجنحة نفسية في الماضي ، مدمنون للكحول ، وجود تاريخ سابق لمحاولات انتحار فاشلة أو سلوك عدواني).

v     أكثر وسيلة استخداماً للانتحار هي الشنق.

v     يقل الانتحار لدى المسلمين والنصارى الكاثوليك ويزيد لدى النصارى البروتستانت واليهود (وقد يعود السبب لوجود العقيدة والبيئة الرافضة والمجرمة للانتحار وكذلك لوجود التلاحم الأسري والاجتماعي لدى المسلمين والنصارى الكاثوليك).

v     أما في السعودية فلا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة المنتحرين بسبب حساسية الموضوع لدى المجتمع ، وغالباً ما تبتعد الجهات المعنية عن كتابة السبب الحقيقي للوفاة المفاجئة وتستبدل كلمة (انتحار)  بكلمة (سبب غير محدد أو تسمم دوائي). لكن حسب الإحصائيات الرسمية المتوفرة لدينا فقد تضاعفت أعداد المنتحرين سنوياً من 440 شخص عام 1999 إلى 787 شخص عام 2010..  أما عدد محاولات الانتحارالفاشلة فقد يصل إلى 15 ألف حالة سنوياً لأن الدراسات العالمية تؤكد وجود 10-20 محاولة انتحار فاشلة مقابل كل حالة انتحار ناجحة.

هل هناك سبب وحيد للانتحار؟ الجواب ببساطة لا. وإنما هناك مجموعة من العوامل تتضافر فيما بينها وقد يطغى بعض هذه العوامل لدى بعض المنتحرين ويقل لدى آخرين. ويمكن تقسيمها إلى العوامل التالية:

أولاً : العوامل الاجتماعية ومنها: الطلاق والعنوسة لكلا الجنسين والتنافس الشديد في ميدان العمل والحياة ووجود الضغوط الاقتصادية والاجتماعية وضعف الدعم الاجتماعي والانعزال ( وخصوصاً في ظل انتشار الأحياء المكبوتة والمليئة بكتل إسمنتية خالية من مساحات خضراء يلتقي ويتنفس فيها أصحاب هذه الأحياء).

أما بالنسبة للبطالة فإنها تعد عالمياً أحد أسباب الانتحار. وكذلك تزيد المهن ذات الضغوط الشديدة من نسبة الانتحار ويأتي في مقدمتها الطب البشري وخصوصاً لدى النساء وطب الأسنان والمحاماة..الخ. وتزيد نسبة الانتحار لدى أفراد الطبقات الاقتصادية والاجتماعية العالية،وكذلك لدى من افتقر بعد غنى.

وقد أوضحت دراسة سعودية أجراها أستاذ الاجتماع د. صالح الرميح في الرياض عام 2007 أن (غالبية من قاموا بمحاولة انتحار فاشلة كانوا من فئة الرجال ذوي الدخل المحدود ومن العاطلين عن العمل ومن الحاصلين على مؤهلات متوسطة وثانوية والذين لم يمكنهم الوصول لمراكز مهنية عليا في المجتمع، وهم ليسوا كذلك من الأميين الذين لا يعلقون على أوضاعهم التعليمية آمالاً عريضة. وغالبيتهم أيضاً يؤمنون بحرمة الانتحار ورغم ذلك أقدموا عليه . وأغلبهم كذلك لا يتعاطى أي مخدرات لكنهم تعرضوا لسوء معاملة من والديهم في مرحلة الطفولة ويفتقدون أيضاًً لدعم الأهل والمجتمع).

ثانياُ : العوامل النفسية وأكثر العوامل النفسية دفعاً للانتحارهو فقدان الأمل. ومن العوامل الأخرى: الحزن على فقدان عزيز والتأنيب القاسي للذات ، وكذلك الرغبة بالانتقام من المجتمع وإظهار القوة وتوجيه الغضب المكبوت للذات.وأحياناً يدفع المنتحر للانتحار إحساسه بالمهانة وحقارة النفس والرفض من الآخرين  فيتنحر رغبة في عقاب الذات أو التضحية بالنفس أو الهروب من مشاكله والانتقال كما يعتقد لحياة أفضل في الآخرة . وأحياناً يندفع الشاب للانتحار محاكاة لحالات انتحار متفشية في ذلك الوقت ( كالذي حدث ومازال يحدث في زمن الربيع العربي حيث هناك نوع من الاحتفاء والترميز للمنتحرين وحالة بوعزيزي تونس خير مثال. وكما يحدث حالياً في السعودية حيث هناك تغطية إعلامية وإلكترونية كبيرة لحالات الانتحار ولأماكن تنفيذه كالجسر المعلق في الرياض).

ثالثاً: العوامل البيولوجية والوراثية : فقد أكدت بعض الدراسات وجود خلل في نسبة مادة السيريتونين ومادة النورأدرينالين في الدماغ لدى بعض المنتحرين .وكذلك أكدت دراسات أخرى أن نسبة السلوك الانتحاري تزيد لمن كان لديهم خلل جيني في تصنيع إنزيم تربتوفان هيدروكسيلاز المسئول عن تصنيع مادة السيرتونين. وكذلك فقد أظهرت دراسات التوائم وغيرها أن الانتحار ربما ينتقل وراثياًً.وتفسير ذلك بأن ينتقل وراثياُ لبعض الناس من أحد والديه أو كليهما خلل في القدرة على كبح نزوة الانتحارعندما تراوده. ولذا فربما أدى هذا الخلل الجيني لمحاولة الانتحار في مرحلة عمرية ما وذلك عندما يداهم المصاب به مرض اكتئاب حاد أو يمر بضغط نفسي واجتماعي شديد.

رابعاً : الأمراض النفسية والباطنية:

أهم أسباب الانتحار والذي لحسن الحظ يمكن علاجه بفعالية هو وجود الأمراض النفسية وخصوصاً مرض الاكتئاب. وتؤكد الدراسات أن قرابة 95% من المنتحرين أو ممن حاولوا الانتحار قد تم تشخيصهم بأمراض نفسية (80% مرض الاكتئاب و10% مرض الفصام و5% مرض الهذيان أوالخرف و25% من المنتحرين مدمنون للخمر كذلك). وتزيد احتمالية حدوث محاولة انتحار أخرى لدى من قد كسر الحاجز وحاول الانتحار سابقاً في حياته. وقد تابع باحثون نفسيون البيانات الصحية لقرابة مليون شخص في الدانمرك وذلك لمدة 36 عاماً ونشروا نتائج بحثهم في دراسة شهيرة نشرت بمجلة أركايف للطب النفسي العام  بنهاية عام 2011 . وقد أكدت هذه الدراسة ( أن نسبة الانتحار تصل لقرابة 7-8% لدى المصابين بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو الاكتئاب أو الفصام مقارنة بنسبة  0.72% لدى عامة الرجال ، وتصل لقرابة 4-5% لدى المصابات بالفصام أو الاضطراب الوجداني مقارنة بنسبة 0.26% لدى عامة النساء).

وتزيد نسبة الانتحار لدى المصابن بأمراض باطنية مزمنة وخصوصاً إذا ما كانت مصحوبة بفقدان للحركة أو القدرة على العمل أو التواصل الاجتماعي أو سببت آلاماً شديدة أو تشوهات وخصوصاً لدى النساء. و بعض أدوية هذه الأمراض كالأنترفيرون والأدوية الكيميائية والكورتيزون قد تؤدي للإصابة بمرض الاكتئاب الذي ربما يؤدي بدوره للانتحار إذا ما تم تجاهل علاجه.

ودعوني أسترسل قليلاً للحديث عن مسبب الانتحار الرئيسي وهو مرض الاكتئاب. فهذا المرض يصيب قرابة 10% من الناس وخصوصاً النساء. وأثبتت دراسات متعددة أن الاكتئاب عامل رئيسي للإصابة بالنوبات القلبية القاتلة والجلطات الدماغية ومرض السكري..الخ. وتخسر أمريكا قرابة 40 مليار دولار سنوياً كخسائر مباشرة بسبب مرض الاكتئاب. ولذا فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض الاكتئاب سيتبوأ قريباً المرتبة الثانية عالمياً في مصاف الأمراض المؤدية للعجز بعد أمراض شرايين القلب التاجية. ورغم توفر علاجات فعالة جداً لمرض الاكتئاب إلا أن نصف مرضى الاكتئاب لا يتلقون أي علاج و 20% منهم فقط ممن يتلقون العلاج الكافي المتسق مع التوصيات العلمية. هذه احصائيات دول العالم الأول…فيا ترى ما هو حال دول العالم الثالث؟!!!

ماذا عن السعودية؟ كيف هو حال الرعاية الطبية النفسية في السعودية؟ الحال بكل صراحة مؤلم جداً ، ويكشفه تصريحان متناقضان لأصحاب القرار الصحي لم يفصل بينهما سوى بضع سنوات. فقد أكد مسئول صحي كبير في السعودية قبل عقد من الزمان أن مجتمعنا محصن من الأمراض النفسية وذلك بحكم تمسكه بالشريعة الإسلامية ثم أتى مسئول صحي آخر بعده ببضع سنوات ليؤكد وجود 15 ألف مريض بالفصام في مدينة الرياض وحدها. ولذا لا تستغرب عزيزي القارئ تضاعف نسبة الانتحار 100% في السعودية خلال العشر سنوات الماضية حسب الإحصائيات الرسمية. ولست متشائماً عندما أعتقد أن نسبة الانتحار ستستمر بالارتفاع الملحوظ إذا ما استمرت أوضاع الصحة النفسية لدينا كما هي  حالياً. فمن الملاحظ توجه وزارة الصحة لبناء مصحات نفسية معزولة وقلة أو انعدام وجود الأقسام والأجنحة النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة والتخصصية وهذا التوجه يشبه ما كان سائداً في العالم قبل قرن من الزمان ومعاكس لما عليه التوجه الصحي العالمي الحالي من دمج الرعاية النفسية ضمن مرافق المستشفيات العامة. وذلك لأن تشخيص المرض النفسي مثله كمثل الأمراض الأخرى يحتاج للأقسام المساندة من مختبر وأشعة، ولأن مرضى المستشفيات العامة من مرضى القلب والكبد والكلى والسرطان..الخ هم أكثر الناس عرضة للاضطرابات النفسية فلا بد من تواجد أقسام نفسية متكاملة لرعاية هؤلاء المرضى. ورغم الميزانية الهائلة التي تصرف على الخدمات الصحية في بلدي إلا أن نسبة ما يصرف منها على الصحة النفسية يقل بكثير جداً عن النسبة المقبولة عالمياً وهي 15% من ميزانية الصحة العامة.وقد أكدت دراسة للدكتور خالد الزيد أن عدد الأطباء النفسيين وعدد الأسرة النفسية مقابل عدد السكان ومقدار ما يصرف على  الصحة النفسية بالنسبة للإنفاق الصحي العام في السعودية قليل جداً بل يقل عن بعض دول العالم الثالث كسيرلانكا مثلاً. ومن المفارقات المؤلمة أن غالب بوليصات التأمين العلاجي لدينا لا تشمل علاج الأمراض النفسية وترفض تغطيتها أسوة برفضها لتغطية عمليات التجميل ؟!! وهذا الصنيع بكل صراحة يعد عملاً لا أخلاقي ينبغي أن يحاسب عليه من سمح لهذه الشركات أن تضع هذا الشرط الجائر الذي يتيح لها أن ترفض دفع علاج الأمراض النفسية المتعددة التي تصيب قرابة 33% من عامة الناس و تتطلب علاجاً عاجلاً ومكثفاً قد لا يستطيع المريض العادي أن يدفع تكاليفه الباهظة من حسابه الخاص.

وأخيراً لضيق المساحة لا أستطيع عزيزي القارئ أن أبسط الحديث عن كل وسائل علاج ظاهرة الانتحار ولكن سأتحدث عن أهمها:

1) المستوى الطبي الإكلينيكي: فأدعو كل الأطباء على اختلاف تخصصاتهم للكشف المبدئي عن أعراض مرض الإكتئاب وذلك بالسؤال عن أهم أعراضه وهما : الشعور بالحزن الشديد المستمر بالإضافة لفقدان الاستمتاع بمباهج الحياة لأكثر من أسبوعين متواصلين. علماً أن الدراسات العلمية قد أكدت أن سؤال المريض عن مدى وجود الأفكار الانتحارية لديه لا يزيد من نسبة الانتحار كما قد يتوهم بعض الناس بل يساهم في الوقاية منه لو تم اكتشاف وجود الأفكار الانتحارية وتحويل المريض لأقرب مركز إسعاف طبي نفسي.

2) خدمات الصحة النفسية : وفي هذا السياق أثني على اقتراح رائع طرحه د.يوسف الصمعان في أحد مقالاته قبل بضع سنوات وذلك بإنشاء معهد وطني للصحة النفسية يكون من مهامه  إجراء الدراسات المستفيضة للقضايا النفسية الملحة كهذه الظاهرة التي تناقشها هذه المقالة. وكذلك رسم الخطط وتنسيق خدمات الصحة النفسية على مستوى المملكة. و أقترح هنا البدء بإجبار جميع المستشفيات العامة الكبرى والتخصصية على تخصيص 10% من أسرتها على الأقل لتكون أجنحة نفسية ، ودمج العيادات النفسية ضمن عيادات المستشفى العامة. وكذلك التوقف عن إنشاء المصحات النفسية المعزولة إلأ ما كان منها معداً كمراكز تأهيلية للمدمنين مثلاً أو لمرضى الطب النفسي الشرعي فقط. وأيضاً لابد من تشجيع القطاع الصحي الخاص على تطوير خدماته النفسية مع إجبار شركات التأمين الصحي على إدراج علاج الأمراض النفسية ضمن الأمراض المكفول علاجها في بوليصة التأمين العلاجية.

وبلاشك فمع ازدياد التفكك العائلي في زمن العولمة فإن أعباء وزارة الشئون الإجتماعية ستكبر مع الأيام ومنها تقديم الدعم الاجتماعي لأسر المنتحرين.وأقترح هنا كذلك إنشاء خط ساخن على مدار ال24 ساعة يتولى فيه مستشارون مدربون الرد على اتصالات المحتاجين والمكروبين وخصوصاً ممن ضاقت بهم السبل وداهمتهم الأفكار الانتحارية حيث يتم توجيههم للحصول على أفضل الخدمات النفسية والاجتماعية المتاحة. ويمكن هنا الاستفادة من إمكانيات وخبرات مراكز الاستشارات والتنمية الأسرية التطوعية المنتشرة في مناطق مختلفة في المملكة والتي قد حققت نجاحاً ملحوظاً.

3) الإعلام : مما يلاحظ الحماس الغير منضبط لبعض من كتب عن هذه الظاهرة. وبعض الكتاب يختزل مسببات ظاهرة الانتحار بسبب واحد. وهنا أؤكد على أهمية استكتاب المختصين للحديث بواقعية عن الجوانب المعقدة والمتشابكة لمثل هذه الظواهر الاجتماعية. و أدعو كذلك  للتوازن في تغطية حوادث الانتحار مع تجنب تلميع أو ترميز أصحابها والتذكير دوماً بالخدمات النفسية والاجتماعية التي يمكن الاستفادة منها لمن احتاج إليها ومنها خدمة الخط الساخن الذي تم ذكره آنفاً.

وختاماً عزيزي القارئ كما وعدتك سأجيب على السؤال الذي عنونت به هذه المقالة وهو: لماذا ينتحر السعوديون؟ باختصار أقول: للأسف بسبب سوء وضعف تخطيط خدمات الصحة النفسية في بلادنا الحبيبة حرسها الله من كل سوء.

اعداد :

د.فهد بن دخيل العصيمي

استشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي

أستاذ مساعد- كلية الطب- جامعة الملك سعود- الرياض