الجودة الصحية (متابعات)  ايلاف المسعودي

بعد تسببها في بتر أطراف البعض، وإصابة آخرين بالشلل، تعمد بعض مراكز وعيادات التجميل الخاصة، إخفاء ملفات وتقارير مراجعيها، وذلك بعد تعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة عقب إجراء عمليات تجميلية باستخدام مواد طبية مغشوشة، وبمعرفة أطباء زائرين، لتكون المحصلة كارثة طبية تؤدي إلى الوفاة.
وحول ذلك أوضح لـ “الاقتصادية” استشاري جراحة التجميل، مشرف على علاج بعض ضحايا مراكز وعيادات تجميل، في أحد أكبر المستشفيات الحكومية في الرياض – فضل عدم نشر اسمه – أن كثيرا من عيادات التجميل يعتمد أطباء غير متخصصين، يكون أغلبهم أطباء جلدية، ويستخدمون مواد طبية مغشوشة أو منتهية الصلاحية، وذلك لرخص ثمنها، الأمر الذي أسهم في وقوع مخاطر جسيمة ومضاعفات قاتلة لبعض المراجعين.
وأضاف أن “بعض العيادات تدعي عدم معرفة نوع المواد المستخدمة في عمليات التجميل لمرضاهم”، مبررة ذلك بسفر طبيبها الزائر، الذي نفذ العملية، إلى خارج السعودية، كما يتم فقد السجلات الطبية عمدا لإخفاء أي آثار توقعهم تحت طائلة القانون، ولا يسمح للمريض بأخذ تقرير طبي مفصل عن العملية، بهدف التنصل من المسؤولية.
وأشار إلى أن بعض المواد المستخدمة المحظورة طبيا، دخلت إلى السعودية عن طريقة التهريب، وتستخدم بسبب ارتفاع ربحيتها، مؤكدا إشرافه على بعض المرضى الذين كانوا ضحايا تلك المواد المحظورة، التي تسببت في وفاة بعضهم، ودخول البعض الآخر في غيبوبة، وآخرها بتر أطراف شابة في العشرينات من العمر بعد إجراء عملية تجميل فاشلة في إحدى العيادات، مشيرا إلى أن ما يحدث حاليا في قطاع التجميل جاء بسبب ضعف الرقابة والأنظمة من قبل الجهات ذات العلاقة.
وحول إمكانية معرفة الآلية والطريقة التي يعمل بها الأطباء الزائرون في السعودية أفاد الاستشاري، أن نحو 80 في المائة من الأطباء الزائرين خاصة من حاملي الجنسية اللبنانية، يرفضون ترك عياداتهم التجميلية في لبنان والعمل في العيادات الخاصة في السعودية بشكل مقيم، ما أسهم في عمل هؤلاء الأطباء الزائرين لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع فقط في الرياض وغيرها من مدن المملكة، في حين يعمل نحو 4 في المائة من الأطباء السعوديين المختصين في القطاع الخاص.
وأضاف، أن “أغلب المرضى المتضررين تعرضوا لمشكلات صحية خطيرة، لجأوا بعدها إلى المستشفيات الحكومية بعد عدم قدرتهم على التواصل مع الطبيب الذي أجرى لهم العملية”، لافتا إلى استخدام بعض المستشفيات الحكومية أدوية نقص المناعة لبعض الحالات المتضررة من عمليات التجميل، وذلك لعدم معرفة المستشفيات بنوع المادة التي حقن بها المريض في عيادات التجميل الخاصة.
وحول أحد ضحايا تلك المراكز أكد أنه يشرف على حالة لمواطنة تبلغ من العمر 22 عاما، زارت إحدى العيادات وتم حقنها بمادة دهون في رقبتها، سببت لها شللا نصفيا، واضطر المستشفى إلى إجراء عملية لها استغرقت 19 ساعة بدأت من 9 صباحا وانتهت 4 فجرا.
وأشار إلى أن 90 في المائة من خبرة أطباء الجلدية الممارسين لتخصص التجميل، وأطباء التجميل المتخصصين، جاءت خبراتهم من ورش العمل التي تعقدها شركات التجميل، في بعض العيادات الخاصة التي يوجد فيها أطباء أجانب، لافتا إلى أن نحو 4 في المائة فقط من الأطباء الدارسين لتخصص التجميل أو الجلدية درسوا تخصص الجراحة التجميلية.
وأبان استشاري التجميل، أن الممارسات الخاطئة لا تقتصر فقط على مراكز التجميل الخاصة، وأن هناك قطاعات تجارية أخرى تقوم بامتهان مهنة التجميل مثل قيام بعض المشاغل النسائية بامتهان مهنة إخصائي التجميل، ويتم ذلك من خلال ذهاب العاملات في تلك المشاغل “الكوافيرات” إلى المنازل تحت مسمى إخصائية تجميل واستخدام حقن مادة الكولاجين للمواطنين في منازلهم وبأسعار رخيصة، الأمر الذي تسبب في حدوث وفيات وحالات غيبوبة وفقدان بعضهم أطرافا من جسمه مثل اليدين والقدمين.
وبعد تقديم المتضررين شكاوى لدى الجهة المختصة في هؤلاء العاملات، عوقبن بشهر سجن لعدم التخصص، في حين لم يشاهدوا الآثار التي تسببت فيها العاملات للمرضى، مؤكدا أن العقوبات في مثل هذه القضايا ضعيفة جدا وليست كافية لردع الممارسين بشكل خاطئ لهذه الأمور.
وطالب استشاري التجميل الجهات ذات العلاقة بضرورة إيجاد حلول قبل تفاقم ضحايا مراكز التجميل الخاصة والأطباء الزائرين، مثل عدم منح تراخيص المراكز الطبية لغير الأطباء، وإيجاد منصة إلكترونية تقوم من خلالها المستشفيات والمراكز التجميلية والصحية الخاصة بتسجيل أسماء وأرقام المواد التجميلية والأدوية العلاجية التي منحت للمريض حتى يتم معرفة الجهة المستخدمة لهذه المنتجات والطبيب الذي أوصى المريض بأخذها.
كما أكد ضرورة إيقاف تراخيص الأطباء الزائرين لتخصص التجميل، وذلك لما لها من آثار سلبية في المواطنين والمقيمين الذين أجروا عمليات تجميل، وإلغاء تصاريح الأطباء الدائمين الذين يقومون بالسفر أسبوعيا خارج المملكة، مشددا على ضرورة تأكد الراغبين في مراجعة مراكز التجميل من نظامية تلك المراكز والعيادات واحترافية القائمين عليها.
من جهته أكد الدكتور ماجد قاروب المختص في قضايا الأخطاء الطبية والغذاء والدواء ومستشار رئيس الاتحاد الدولي للمحامين، أن العدد الكبير من قضايا الأخطاء والتجاوزات الطبية في مجال الجراحات التجميلية بجميع أنواعها، تسبب فيه ضعف التشريعات المتعلقة بصناعة الطب وما تحتويه من العمليات الجراحية والتكميلية، إضافة إلى صعوبات إجراءات التقاضي ضد المتسببين في هذه الأخطاء، سواء كانت من خلال التعويض المالي المباشر أو التعويض الطبي بإجراء التعديلات والتصحيحات الممكنة وغير الممكنة.
ودعا قاروب المجلس الصحي ووزارة الصحة إلى أجراء تعديلات تشريعية لتعزز إمكانيات أعمال اللجان القضائية، بما في ذلك تعديل العلاقة بشركات التأمين لدورها الكبير والمهم في مسألة تعويض المتضررين من ناحية ووضع مزيد من الشروط التأمينية التي تؤدي إلى تطوير مستوى الاحترافية للعمل الطبي، موضحا أن معظم الأخطاء تحمل القصد الجنائي الخطير لما تحتويه من أضرار جسيمة، خاصة عندما يقوم أطباء الجلدية وعاملون داخل مشاغل نسائية بمهنة إخصائي تجميل، الأمر الذي يعد غشا وخداعا، ومخالفة تستوجب العقوبات.
من جانبه قال المحامي إبراهيم عبدالله البراهيم، “إن الجانب القانوني في مثل هذه الحالات ضعيف، حيث إن المسؤولية تقع على عاتق المراكز الطبية التي قامت باستقطاب هؤلاء الأطباء الزائرين من الناحية القانونية، كما أن إخفاء الملفات والتقارير الطبية للمرضى، وممارسة أطباء الجلدية مهنة إخصائي التجميل تعد من الجرائم وتصنف من القضايا الجنائية المستوجبة للعقوبة”.
وأفاد أنه على وزارة الصحة التدخل والتفتيش الدائم على مراكز وعيادات التجميل، والكشف عن كافة المواد المستخدمة في العمليات التي تنفذ للمرضى، مطالبا بعدم استقطاب الأطباء الزائرين إلا بعد التأكد من موافقة تخصصهم لهذا المجال، وفقا لأنظمة العمل في السعودية.
وأكد البراهيم أن قيام أطباء أو مراكز صحية وعيادات تجميل بإجراء عمليات دون الحصول على ترخيص من الجهات المعنية يعد جريمة، ويفترض أن يعاقب القائمون على تلك المراكز والعيادات بعقوبة التعزير لقيامهم بامتهان تخصصات لا ينتمون إليها وإحداث مشكلات صحية بالأشخاص قد تؤدي إلى الوفاة.
بدورها تواصلت “الاقتصادية” بشكل رسمي مع وزارة الصحة بتاريخ 7 مارس الماضي للرد على هذه المخالفات، إلا أن الوزارة لم تعلق حتى وقت كتابة هذا التقرير.