مع انطلاقة عام 2019م، ما زالت الأزمات تعصف بكل مكونات وأروقة العمل العربي، بما في ذلك التعليم العالي، ولعل استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي ووجود مشكلات حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع والخروج من كل الأزمات على المستويات كافة، فمراكز ومؤسسات البحث العلمي تكتسب أهمية قصوى في تنمية الدول العربية والخروج من الأزمات كافة بأيسر الطرق وأسهلها، والعمل على النهوض بقوة وتنمية الاقتصادات الوطنية وتطوير الصناعات وابتكار التقنيات والاختراعات.

المتأمل في مجالات البحث العلمي في مؤسسات البحث العلمي يرى الكثير من الشجون، مختلط بالكثير من التطلعات والآمال، ولا يمكن تحقيق تلك التطلعات والآمال والخروج من الشجون إلا من خلال رؤى حقيقية وخطط مبرمجة فعالة من قيادة القرار على كافة مستويات المؤسسات البحثية وقيادة الدول العربية، بل العمل المشترك لمؤسسة بحثية علمية رصينة تجمع أساتذة البحث العلمي في الوطن العربي من الموهوبين وأصحاب الرؤى لتحقيق تطلعات الأمة العربية وريادة التقدم والخروج من جحيم التخلف والأمراض والأزمات التي تطال كل أروقة العمل العربي.

من خلال خبرتي بمجالات البحث العلمي مضافًا إليها مخرجات حديثة للعديد من الدراسات البحثية التي وجدت أن النسبة الغالبة من الأساتذة في جامعاتنا العربية يقومون بإعداد أبحاثهم فقط للحصول على الترقية؛ دون النظر لمعالجة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية.

كما أن الدول العربية ممثلة بمؤسسات التعليم العالي مطالبة بالاهتمام بمخرجات البحث العلمي التي يجريها الأكاديميون، والعمل على تكريم وتقدير الباحثين، والاستعانة بهم في حل مشاكل البلاد وهموم المواطنين.

إن الباحثين المبدعين المتفوقين في عالمنا العربي يعانون التجاهل من الجهات الحكومية أو القطاع الخاص، وغالبا ما يكون مصير أبحاثهم الركن في الأدراج بلا تنفيذ، كما أن مؤسساتنا الأكاديمية لا تشجع على البحث العلمي ورعاية الشباب الباحثين كذلك. وهذه من أعظم كوارث الأمة العربية في العصر الراهن، وهذا منبع الألم الذي تعاني منه الأمة العربية من تراكم للأزمات والكوارث.

يجب تدعيم ثقافة البحث العلمي وعدم الاكتفاء بمخرجات البحث العلمي ورسائل الدراسات العليا لتكون موضعها النهائي في المكتبات الجامعية والعامة، كما أن غالبية طلبة البكالوريوس وطلبة الدراسات العليا مغيبة لديهم فكرة البحث العلمي، كما لوحظ أن الطلبة غالبيتهم لا يريدون السؤال عن المصادر والبحث ويريدون الأمور السهلة ويفكرون في التخرج دون التفكير في المعدل وطموحهم الحصول على الماجستير والدكتوراه ومعدلهم منخفض، فأصبحت الحصول على الشهادة الجامعية مجرد «برستيج» ومكانة اجتماعية وليس تطوير التعليم وهذا الفكر والثقافة خاطئة لا تخدم المجتمع فأصبحت الشهادات كثيرة في المجتمع بلا هدف.

لا بد من التعب والعمل المشترك من خلال توحيد الرؤى والتواصل والشراكة مع الجامعات العالمية والمختبرات لإخراج بحث علمي مميز فشهادة الدكتوراه ليس لمجرد التدريس المكرر وإنما يجب أن يكون الدكتور باحثًا مميزًا كما أنه من الإحباط الذي يصيب الباحث عدم وجود تفرقة بين الباحث المميز والباحث الذي جاء ببحث «أي كلام» ويقوم بنشره في مجلة علمية ليست متقدمة وزميله ينشر في مجلات عالمية ولا توجد مفارقة فيما بينهم والترقية تكون واحدة ومن المعيب أن تقوم نخبة من الأساتذة بعمل البحوث بهدف الترقية!

ختامًا لا بد من رؤية عربية مشتركة للاهتمام بالبحث العلمي واقعًا ملموسًا وخاصة في ظل تسارع الزمن وتقدم الأمم لمجالات وصلت لأبعد مسافات عبر الفضاء؛ فيما جامعاتنا العربية ومراكز البحث العلمي ما زالت تقبع في مراتب متأخرة ولا تعالج حتى الأزمات التي تعصف بمكونات الأمة العربية وهموم المواطنين، لا بد من تضافر الجهود من قيادة الدولة ومشاركة المؤسسات الحكومية والخاصة في البحث العلمي بحيث تقدم مقترحات للمؤسسات الأكاديمية بالآفاق المستقبلية والحلول والرؤى المقترحة.

 

 

أخوكم. فادي محمد الدحدوح

خبير في البحث العلمي والدراسات العليا.