قبل عدة سنوات كنت في رحلة استجمام الي جورجيا .. لن اتحدث عن الرحلة وتفاصيلها .. سوف أقتصر الحديث عن سيدة في الثمانينات من العمر غيرت السنين ملامح وجهها الحسن .. الذي تلون بالتجاعيد وشعرها الذي اكتساه البياض كلياّ .. إلتقيتها بالصدفة في الريف الجورجي في أحد القرى الصغيرة تدير منشأة صحية تطوعية صغيرة .. بعد أن أكرمتني بفنجان الشاي التقليدي .. تحدثت لي بإسهاب عن تجربتها في الإدارة الصحية .. بدأت حديثها قائلة أنها كانت تعمل موظفة إدارية في الخدمات الطبية في الجيش الجورجي وأثناء فترة عملها إلتحقت بالعديد من الدورات في التخطيط والتنظيم في المنشآت الصحية وعند بلوغها السن التقاعدي انضمت الى فرق تطوعية في الخدمات الصحية في العاصمة تبليسي واكتسبت العديد من المهارات وبنت علاقات وثيقة مع مجموعة كبيرة من الأطباء المهتمين في العمل التطوعي مما جعلها تفكر في افتتاح عيادات طبية في قريتها الصغيرة التي تقع في الريف جنوب شرق العاصمة من خلال إستثمار جزءً من منزلها .. بدأت المشوار بوضع خطة عمل متواضعة اطلعتني عليها وهي عبارة عن خطوط عريضة لتنفيذ المشروع .. وعند الإنتهاء من تجهيز المكان تواصلت مع أحد الجمعيات الخيرية التي ساهمت بما يقارب 60% من التجهيزات الأساسية .. رغم جاهزية المكان في وقت قياسي إلا أن التشغيل إستغرق وقت طويل جدا بسبب الإجراءات الخاصة بالتراخيص الحكومية .. واصلت الحديث والدموع تمليءعينيها قائلة لا أستطيع أن أوصف لك مدى فرحتي ومشاعري الجياشة عند إستلام أوراق التراخيص فقد شعرت انني حققت جزء من هدفي الوطني والإنساني النبيل بخدمة أبناء قريتي في الحصول على الخدمات الصحية بعد اجراء إتصالات مكثفة مع مجموعه من الأطباء المتطوعين حصلت على موافقات عديدة للمساهمة في المشروع وأعدت جدول زمني لتوزيع الأطباء وتحديد تواريخ عملهم لمدة ستة أشهر قادمة وفي خلال أقل من شهر من العمل المتواصل فتحت العيادات أبوابها لاستقبال المراجعين .. بعد مرور عام تقريباً بدأت المصروفات اليومية للمواد الاستهلاكية ترهق كاهل هذه السيدة الفاضلة فلم يعد راتبها التقاعدي يغطي مصروفاتها وتخلت الجمعيات الخيرية عن الدعم الشهري للعيادات .. فاضطرت الي فرض رسوم رمزية على الخدمات التي تقدمها العيادات لتغطيها مصروفاتها واستخدام الفائض في أعمال تطويرية … نجحت بمفردها في إدارة العيادات (إداريا و ماليا ) وكسب ثقة العملاء والمحافظة على مستوى الجودة وحصدت العديد من الجوائز في التميز والجودة وحظيت بحب وتقدير سكان الريف الذين احتفلوا مؤخرا بعيد ميلادها الخامس والسبعون في العيادات … بعد أن أوجزت لي قصة مشروعها الجميل .. طلبت مني مرافقتها الى منزلها المجاور لزيارة مكتبتها الخاصة وهناك اطلعتني على إهتماماتها المتنوعة ولفت إنتباهي عدد من الصور الجميلة التي وثقتها عدسة كامرتها العتيقة لبدايات مشروعها والى اين وصل الآن .. إنها سيدة مناضلة تستحق الشكر والتكريم من الجميع ..عملت بإخلاص وتجاوزت الكثير من العقبات لتحقيق أهدافها .. وبما أن هدفها إنساني ووطني نبيل حققت هدف لم تخطط له في حياتها وهو حب الناس والأجر والثواب .. تحياتي لكل المخلصين لوطنهم ودينهم وولاة امرهم .

 

 

 

د. عادي ماجد الزبني
@ amalzabne