الجودة الصحية -العنود الحديثي (الرياض)

العم صالح رجل في الثمانين من عمره يعاني من ضعف النظر ومصاب بضعف عضلة القلب وهو يأخذ أدوية فشل القلب بانتظام وحالته مستقرة خلال الثلاث سنوات الماضية ولكن خلال الستة أشهر الماضية لاحظ الطبيب عليه كثرة شكواه من ضيق التنفس وتورم القدمين وتقطع النوم أثناء الليل مع ضيق التنفس وكثرة التبول والذهاب الى دورة المياه اثناء فترة النوم.. وكل هذه العلامات مع فحص المريض تدل على تدهور حالة القلب وازدياد ضعفه.. لكن السؤال الأهم ما هو السبب في تدهور حالته لأن المريض يؤكد انه منتظم على تناول علاجاته ولم يغير نمطه الغذائي ولكن تقييمه الطبي يقول ان عضلة القلب تدهورت من 40% الى 10% وتدهورت وظائف الكلى وارتفع الضغط مع استقرار وظيفة الغده الدرقية وعدم وجود انسداد في الشرايين التاجية وعدم تضيق الصمامات وعدم وجود التهابات فيروسيه او بكتيرية حديثه في الجسم!!؟؟ ولكن الطبيب طلب من ابن المريض ان يحضر أدوية المريض؟ فقال انها نفس الأدوية التي موجودة عندكم يادكتور في الملف!! فأعاد الطبيب نفس الطلب عليه أننا نريد ان نتأكد!! وفي اليوم التالي عندما احضر ابن المريض الأدوية وتم مقارنتها بماهو موجود في الملف وجد انه تم استبدال أحد الأدوية المهمة لعضلة القلب من مجموعة مضادات الانجوتنسين بدواء آخر يشابهه كثيرا في شكل الحبة ولون الكرتون من مضادات الالتهاب الحديثة “مثبطات كوكس2” التي تستخدم في التحكم بألآم احتكاك المفاصل ولكن مشكلتها انها تسبب من الاعراض الجانبية تدهور وظائف الكلى وتدهور عضلة القلب وتجمع السوائل في الرئتين.. ولكن السؤال الأهم من أين أتى هذا الدواء؟؟ فقال الابن ان هذا من أدوية أمي كبيرة السن وتعاني من احتكاك المفاصل ولعل الأدوية تشابهت على الوالد فأخذ من أدوية أمي وهو لا يدري وأعطى أمي دواء القلب وهي لا تحتاجه!!

قصة العم صالح توضح عدة مفاهيم مهمة يجب ان نسلط عليه الضوء لفائدة مرضى القلب وأهليهم:

أولا: تكثر امراض القلب في كبار السن وكذلك يزداد حدوث الامراض الأخرى مثل احتكاك المفاصل والسكري والضغط وهذا يزيد من عدد الأدوية التي قد يحتاجها مريض القلب في كبره.

ثانيا: تزداد مع كبر السن ضعف الذاكرة وحدوث ضعف البصر وحدوث الماء الأبيض “الكاتاراكت” بسبب الامراض المزمنة التي يعانون منها وكذلك في الشبكية عمى الالوان الوراثي. وكل ذلك عوامل تحد من قدرة الشخص في التركيز على أنواع الأدوية وألوانها وأشكالها وأحجامها والتمييز بينها ومعرفة مواعيدها.

ثالثا: لكبار السن فوق ستين سنة يجب على الأسرة ان يخصصوا شخصا واحد في المنزل يكون مسؤولا عن تنظيم الأدوية وترتيبها ووضعها في علب خاصة ومراقبة انتهاء صلاحيتها وحفظها في درجة حرارة مناسبة واعطائها في مواعيد محددة ووضع ملف فيه ادوية المريض وعلاماته الحيوية ومراجعاته المستقبلية في المستشفيات المختلفة ومواعيد التحاليل ويجب ان يكون هناك من ينوب عنه في حال غيابه وهو على علم بتفاصيل حالة المريض.

رابعا: إذا كانت حالة المريض المادية تسمح فمن الأفضل وجود ممرضه متخصصة لحالته وان لم تسمح فأبناء المريض او اقاربه يقومون بترتيب معين يقومون فيه بالتناوب على هذه المهمة وان لم يستطيعوا فالدولة حفظها الله ممثلة في الرعاية المنزلية تقوم بتقديم مثل هذه رعاية لكبار السن في منازلهم بالإضافة الى دور رعاية المسنين المخففة التي خصصت لمن ليس له أبناء او أقارب يستطيعون القيام به.

خامسا: لا ترتكب الخطأ الشائع بترك الادوية عند رأس السرير حتى ولو كنت منظماً لها.. فتترك المريض يأخذ منها حسب المواعيد لأنه “بعقله” وفاهم لأدويته!!.. فبعض كبار السن تعتريهم ظروف كثيرة مثل النسيان او الاكتئاب او الانفعال من حالته التي اصبح عليها فينكر حاجته للدواء ويأخذه فقط اذا أحس انه تعبان او معه صداع او ضيق في التنفس ولسان حاله يقول “انا ابخص بجسمي” وقد رأيت احد المرضى يخبئ حبوب الضغط تحت فراش سريره ليقنع ابناءه انه تناول الدواء ورأيت بعض مرضى القلب الآخرين يمانع ان يكون أحد مسؤول عن ادويته ويصر على انه مازال بصحته وعافيته وكامل قوته العقلية.. ولكن ضعف الذاكرة والنسيان قد يكون بسيطا ولايمكن ملاحظته الا بمشكله كما حدث لعم صالح أعلاه!! ولكن الثمن في ذلك الوقت قد يكون غاليا جدا!! ولذلك يجب ان يتلطف المريض والطبيب في إيجاد الطريقة التي يمكن بها مساعدة كبير السن دون جرح مشاعره.

الخلاصة:

ارجو من جميع افراد الاسرة الاهتمام بمرضى القلب لديهم من آبائهم وامهاتهم والقيام على متابعة ادويتهم ومواعيدهم وفحوصاتهم وفي الحدود التي اوصى بها الطبيب من دون زيادة او نقص وان يكون ذلك عن قناعة من المريض نفسه وبما يناسب عاداته وتقاليده والبيئة التي نشأ فيها، فتعاملنا معهم يجب ان يكون فيه كثير من الرحمة والخضوع والتذلل قولا وفعلا قال الله تعالى: “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة”.