الجودة الصحية ( متابعات ) غدير باعمر 

 

بالرغم من أن النظام يجرمها ويعاقب عليها، وأن «نزاهة» تعتبرها «فسادًا إداريًّا» إلاَّ أن ظاهرة الإجازات المرضية الوهمية لازالت تتّسع في ظل عدم تطبيق هذه العقوبات على أرض الواقع.
وقد اعتبرت هيئة مكافحة الفساد الحصول على تقارير طبية وهمية لغرض التقاعس عن العمل والغياب فسادًا إداريًّا يجب القضاء عليه، كما يجب العمل على وضع إطار ونظام واضح لآلية وكيفية إصدار الإجازات المرضية، وخاصة تلك التي تمتد لأسابيع وأشهر طويلة.
وفي بيان سابق أصدرته «نزاهة» أنه تم تكليف فريق من منسوبيها بالوقوف على 130 مستشفى، ومركزًا صحيًّا تم اختيارها عشوائيًّا في مناطق مختلفة من المملكة كشفت أن ما نسبته 42% من مجموع المستشفيات والمراكز الصحية وخاصةً الأهلية منها تقوم بمنح الموظفين تقارير طبية مزوّرة، وغير صحيحة لتبرير الغياب عن العمل.
وقالت «نزاهة» إن تلك التقارير يتم منحها بمجرد مراجعة الشخص للاستقبال، وإبداء رغبته في الحصول على تقرير وقيامه بتسديد أجرة الكشف الطبي، ودون قيام الأطباء بإجراء الكشف في كثير من الحالات، أو إجرائه صوريًّا في حالات أخرى.
وفي الجانب القانوني أكد خبراء القانون أن منح الإجازة المرضية لأناس لا يستحقونها يُعدُّ جريمة تعاقب عليها الأنظمة بعقوبات إمّا السجن لمدة لا تتجاوز سنة، وبغرامة مالية لا تتجاوز ١٠٠ ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين عند ثبوت تزوير إجازة مرضية.
فيما طالب خبراء بوضع آلية وأنظمة واضحة لتحديد كيفية إصدار الإجازات المرضية والأسس المحددة لأسباب إصدار كل إجازة، ومبررات المدة التي تم تحديدها بالإجازة.

«نزاهة»: وجود آلية واضحة تمنع تزوير الإجازات
قال عبدالرحمن العجلان المتحدث الرسمي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» إنه تم رصد إصدار إجازات مرضية بشكل لافت لموظفين غير مستحقين لها، وهذا يُعدُّ نوعًا من أنواع الفساد الذي يجب القضاء عليه.
وأضاف إن الخلل يبدأ من الجهات المانحة التي تتساهل، بل تتنافس في عملية منح المراجع الإجازة وحتى وإن لم يكن يستحق، والسبب في ذلك عدم وجود آلية أو لائحة تحدد كيفية إصدار تلك الإجازات من خلال إطار ثابت وواضح لا يمكن التجاوز أو الحياد عنه.
وقال إن «نزاهة» سبق وأصدرت عدة بيانات حول تجريم هذه الممارسات من البعض، وتم تجريمها، والعمل على محاربة انتشارها والقضاء على هذا النوع من الفساد.

«كبار العلماء»: كذب وتزوير واحتيال بتعطيل الأعمال
في وقت سابق تلقى رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» ردًّا على خطابه الذي بعثه لسماحة المفتي العام للمملكة بهدف معرفة حكم إصدار الإجازات المرضية لغير مستحقيها، والذي أحاله سماحة المفتي إلى هيئة كبار العلماء حيث سأل رئيس «نزاهة» سؤالاً تحدّث فيه عن شيوع ظاهرة استخراج بعض موظفي الدولة، وكذلك بعض موظفي القطاع الخاص، لتقارير طبية لا تبرئ الذمة تجاه من منحت إليه، لاتجاه من قام بمنحها في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية منها والأهلية، ذلك أن الغرض منها هو إضفاء الصبغة النظامية على غياب الموظف عن العمل؛ ادعاءً بأن ذلك بسبب المرض، بعيدًا عن الحقيقة.
ومع استسهال الناس لذلك، غدا الأمر ظاهرة لا تكاد تخفى على العيان، ووسيلة سهلة لتبرير تخلف الموظف عمّا أوكل إليه من أعمال.
لذا ولأهمية هذا الموضوع، ولكونه يتعلق بذمم الناس ومصالحهم، وشؤون دنياهم وآخرتهم على حد سواء، فإنني آمل تفضل سماحتكم بإصدار فتوى زاجرةٍ تجاه هذه الممارسات، وما ينتظر مصدريها والساعين إليها والمتعاملين بها من عقوبات أخروية، وما فيه تبصرة وتوعية للكافة، وموافاة الهيئة بنسخة من ذلك.
بعدها أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى أكدت فيها بأنه لا يجوز منح التقرير الطبي بالإجازة المرضية إذا كان يخالف الواقع، بأن لم يكن المستفيد مريضًا، أو كان مرضه لا يستحق إجازة مرضية، أو يستحق بعض المدة لا كلها، فكل ذلك حرام لا يجوز للطبيب فعله، ولا للموظف طلبه، والرضا به، والاستفادة منه، لأن هذا كذب وتزوير واحتيال بتعطيل الأعمال، وأكل الأموال بغير حق، وشهادة زور هي من أكبر الكبائر، وقد قال الله عز وجل: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ سورة الحج الآية:30. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئًا فجلس فقال: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتّى قلنا: ليته سكت) متفق عليه. وبالله التوفيق.

سجن سنة وغرامة 100 ألف ريال عقوبة التقارير المزوّرة
قال الدكتور عبدالله بن عبيد النفيعي أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف إن لائحة الإجازات الصادرة بقرار مجلس الخدمة المدنية نظمت الأمور المتعلقة بالإجازات المرضية في استحقاق الموظف لها، وأنه يجوز للموظف الحصول على إجازة مرضية في مدة 4 سنوات لا تتجاوز سنتين، وفق ترتيب موضح في اللائحة، كما أنه يستحق الموظف الذي يتعرض لإصابة، أو مرض يمنعه عن العمل بصفة مؤقتة، وتكون الإصابة غير متعمّدة، وبسبب العمل إجازة مرضية لا تتجاوز سنة ونصف براتب كامل، وإذا لم يبرأ يعرض على الهيئة الطبية لتقرر.
وتحدّث عن ضرر الإجازات الوهمية المبنية على الفساد، المخالفة لمبدأ الأمانة والأخلاق ضرر كبير لأصحاب العمل، من خلال إرباك منظومة العمل، والتسبب في قلة الإنتاج، والتأثير السلبي على الاقتصاد، والخسارة المادية. خصوصًا للمؤسسات والشركات التي تعتمد على العنصر البشري في مواردها، وفي المؤسسات الحكومية تؤدّي هذه الإجازات الوهمية لتعطيل معاملات ومصالح المواطنين، وإحداث خلل في العمل الإداري، وتراكم العمل على بعض الموظفين، وإعطاء انطباع سيئ لتلك المؤسسة، إضافة لتقاضي راتب بدون وجه حق بالظلم والباطل والسحت.
واضاف إن العقوبات للموظف والطبيب في إصدار واستغلال الإجازة المرضية غير الصحيحة هذه الإجازات الوهمية التي تعيق عمل الأجهزة الإدارية والرقابية ليس من السهل كشف تزييفها؛ لأنها في غالبها تحمل الصورة والشكل الرسمي من ناحية الإمضاءات والأختام، لكن إذا ثبت أنها غير صحيحة، فهنا تعتبر جريمة جنائية من الجرائم المتعلقة بالتزوير. فنصّت المادة على أن كلَّ مَن زوَّر أو منح بحسب اختصاصه تقريرًا، أو شهادة طبية على خلاف الحقيقة مع علمه بذلك يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز سنة وبغرامة مالية لا تتجاوز 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.