تقرير الجودة الصحية_إعداد: أسماء الحامد

 

الإجهاد النفسي يُلحق أضرارًا بصحتنا، ويُقلّص ذكاءنا العاطفي، ويُخفض مستويات أدائنا لأعمالنا، كما يَحُدّ من إمكانيات نجاحنا. لكن الدراسات التي أُجريت تُظهر أن ما يزيد عن 80 بالمائة من الناس لا يفعلون أي شيء لحل هذه المشكلة.

 وإذا كنتَ من ضمن نسبة الثمانين بالمائة هذه، فلا شيء يمنعك من التأكد من خطورة الإجهاد النفسي الذي يؤدي إلى تقليص عمر الإنسان بمقدار 10 سنوات .

 

هذا يعني ذلك أن الإجهاد النفسي ليس بالأمر الذي يمكنك معالجته لاحقًا، أي يجب عليكَ الإسراع في معالجته اليوم قبل الغد.

 

ماهو الإجهاد النفسي ..؟

هو حالة إعياء بدني أو إرهاق يصيب الفرد كرد فعل لضغوط نفسية حقيقية أو متوقعة في الحياة، وكثيراً ما يعاني الناس من الإجهاد نتيجة لأحداث مفاجئة في حياتهم، كما في حالات الوفاة، أو الطلاق أو مشاكل في العمل، أو لدى الإصابة بالمرض وقد يحدث الإجهاد أيضاً كرد فعل للمشاكل اليومية، بالإضافة إلى ذلك فقد يعاني الناس من الإجهاد فيما يواجهون تهديداً لحياتهم مثلا، وقد يصاب بالإجهاد أي إنسان يشعر بأنه لا يستطيع الخروج من مأزق ما.

يحدث الإجهاد نتاج ضغوط خارجية تلقي على جسم الإنسان أمورا ليست في حدود قدرته، وهناك عدة أنواع من دواعي الإجهاد الرئيسية هي: التغيرات الحيوية (البيولوجية)، الظروف البيئية، الأوضاع الأسرية، النشاطات الحسية. تؤثر التغيرات الحيوية على حالة الإنسان البدنية، وتشمل المرض والإرهاق البدني، أما الظروف البيئية فهي ضغوط تأتي من محيط الإنسان كالضجيج وشدة الزحام والفقر والكوارث الطبيعية، وتشمل الأوضاع المعيشية، الأحداث المرهقة، كوفاة صديق حميم أو العيش بين الغرباء، ومن التصرفات التي قد تؤدي إلى الإجهاد النفسي عادة التدخين، وسوء التغذية، وتشمل النشاطات الحسية والفكرية التي قد تحدث الإجهاد الخضوع لاختبار أو التركيز الشديد على إحراز سبق كبير في أي من مجالات الحياة.

الضغوط النفسية يمكن أن تكون بسيطة أو متوسطة أو شديدة، وهذا يمكن أن يكون له تأثير على الشخص بصورٍ مختلفة؛ فالضغوط النفسية البسيطة قد تكون مفيدة، ومطلوبة لأن قليلا من الضغوط النفسية تجعل الشخص يقلق بصورة بسيطة وبالتالي ينعكس ذلك على الشخص حيث يُحسّن من أداء الشخص في أي عمل يقوم به , كن إذا تجاوزت الضغوط النفسية الحد وأصبحت متوسطة أو بالذات إذا كانت شديدة فإنها تؤثر سلباً على حياة الشخص وتجعله يُعاني من مشاكل صحية كثيرة نفسية وجسدية.

ولا يؤثر الإجهاد النفسي على كل شخص بالطريقة نفسها، ففي موقف معين قد يظل شخص هادئاً على حين تبدو على شخص آخر علامات الإجهاد بوضوح، وقد يكون الاختلاف بين الاثنين أن الأول يشعر بأنه يسيطر على الموقف، ويرى فيه تحدياً يتعين التغلب عليه، أما الثاني فلا يشعر بأنه يسيطر على الموقف وانه يواجه فيه تهديداً له، ولا يريد إلا الهروب من مواجهته.

 

ماهو تاثير الاجهاد النفسي ..؟

أولا: تتلقى مساحة صغيرة في قاع الدماغ تعرف بتحت المهاد، إشارات من أجزاء الدماغ الأخرى، وتزيد الإشارات من إفراز هرمون الغدة الكظرية (الغدة فوق الكلوية) التي توفر طاقة فورية للجسم وتوقف نشاط الجهاز المناعي بالجسم. وفي نفس الوقت، يفرز الجسم هورمون الأدرينالين الذي يزيد من معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم.

وفي حال طال الضغط النفسي، تبدأ مرحلة المقاومة في الجسم فتصل المقاومة البدنية إلى قمتها أثناء هذه الفترة، وهذا يفسر لماذا يصبح الناس الذين يعانون من ضغط في العمل، أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد والانفلونزا، وإذا استمر التعرض للإجهاد النفسي يفقد الجسم قدرته على التلاؤم مع الحياة، فيدخل مرحلة الإنهاك، وأثناء هذه الفترة تتدنى المقاومة للضغوط إلى حد بعيد.

وهناك أعراضا جسدية تُصاحب الضغوط النفسية، حيث أن الشخص الذي يُعاني من ضغوط نفسية قد يُصاب بارتفاع ضغط الدم أو انخفاض ضغط الدم، وهذا قد يُسبب مشاكل صحية للمرء لا يُحمد عقباها إذا لم يتنبه الشخص للتعامل مع حلول لهذه المضاعفات الصحية السيئة. الأكزيما والمشاكل الجلدية قد تكون ردة فعل تجاه الضغوط النفسية، فيُصاب الشخص بحساسية في الجلد أو حبوب أو بثور وطفح على الجلد بدون وجود التهابات أو أي مُسبّب آخر لهذه المشاكل الجلدية سوى الضغوط النفسية التي يُعاني منها الشخص، ويصعُب أحياناً علاج مثل هذه الاضطرابات الجلدية إلا إذا تمت مُعالجة الضغوط النفسية التي يُعاني منها الشخص.

 اضطرابات النوم أيضاً من الأمور التي يُعاني منها الشخص الذي، وهذه المشكلة يُعاني منها كثير من الأشخاص الذين لديهم مشاكل مع الضغوط النفسية، فكثير ممن يُعانون من هذه المشاكل لا يستطيعون النوم بسهولة، فتجدهم يؤون إلى الفراش، ويبقون ساعات يتقلّبون فيه والنوم بعيدٌ عن اجفانهم، وبعضهم يتقلّب أربع أو خمس ساعات قبل أن يُداعب النوم عينيه وأحياناً يذهب الى العمل دون أن ينام، فيذهب وهو مُجهد، غير قادر على التركيز ولا يستطيع أن يُنتج، بل انه ربما قام بارتكاب أخطاء نتيجة عدم قدرته على التركيز، وهذا يدّل على صعوبة التغلّب على الضغوط النفسية.

وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن التوتر النفسي والضغوط والغضب تعتبر عوامل مدمرة لصحة الإنسان وقلبه وقد تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل السرطان .  و كما يعتقد الأطباء والباحثون أن أنواعا عديدة من الأمراض المختلفة قد تنتج عن الإجهاد النفسي الطويل المدى، وكثيراً ما تعلل أمراض المعدة والأمعاء مثل قرحة المعدة والاثني عشر، والتهاب غشاء القولون بالإجهاد والقلق النفسي، وتحدث أحياناً اضطرابات ضربات القلب، كما يعوق الإجهاد النفسي أيضا قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، فأمراض مثل الرشح (الانفلونزا) والحمى والهربس وهو ما يظهر على الشفة من بثور بعد المرض، ثبت أنها قد تحدث بسبب الإجهاد النفسي.

كما ان مُضاعفات الضغوط النفسية أن يُعاني الشخص من الصُداع المستمر وكذلك الصُداع النصفي. اضطرابات الجهاز الهضمي هي أيضاً أحد مضاعفات الشخص الذي يُعاني من الاضطرابات التي تنتج عن الضغوط النفسية، وغالباً ما تكون هذه الاضطرابات عبارة عن معاناة من الإمساك أو الإسهال أو أي اضطرابات في الجهاز الهضمي كالقولون العصبي مثلاً وتؤثر سلباً على صحة الشخص بصورةٍ سلبية. السيدات اللاتي يُعانين من ضغوط نفسية قد تحدث لديهن مشاكل واضطرابات في الدورة الشهرية وهذا قد يؤثر على الحمل وكذلك على الإخصاب، فتجعل المرأة التي تُعاني من ضغوطات نفسية لديها مشاكل عائلية في زواجها، وربما يجعلها تعيش غير سعيدة في حياتها الزوجية بسبب هذه الضغوطات النفسية، وهي لا تشعر بأن سبب مشاكلها أنه هو الضغوط النفسية.

كشف بحث أمريكي أن الإجهاد والضغوط النفسية التي يتعرض لها الأفراد بشكل يومي يمكن أن تسبب بعض أنواع السرطان، في حين وجدت دراسة أوروبية مشابهة أن الإجهاد مضر لصحة القلب. وأظهرت الدراسة التي نفذها باحثون من جامعة “ييل” الأمريكية، أن الضغوط النفسية اليومية قد تحفز نمو الأورام، وأن أي صدمة، عاطفية أو جسدية،  يمكن أن تكون بمثابة “ممر” بين الطفرات السرطانية التي تؤدي في النهاية إلى الإصابة بأورام خطيرة.

وتبين نتائج الدراسة، التي نشرت في دورية الطبيعة”، أن الظروف اللازمة للإصابة بهذا المرض يمكن أن تتأثر بالبيئة العاطفية بما في ذلك كل المهام اليومية التي نقوم بها سواء في العمل أو في نطاق العائلة.

يقول البروفسور تيان إكسو، المختص في علم الوراثة من جامعة ييل: “هناك الكثير من الظروف المختلفة يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد، والحد منه أو تجنب الظروف المسببة له دائماً نصيحة جيدة..”

 

وصايا النبي صلي الله عليه و سلم و الاجهاد النفسي :

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لأمر من أمور الدنيا إلا أن تُنتهك حرمة من حرمات الله تعالى! فكان رضاه من أجل الله وغضبه من أجل الله، فكان بذلك أسعد الناس وأكثرهم استقراراً وطمأنينة، وضرب لنا أروع الأمثلة في ذلك.

ولم يكد يمرّ يوم على رسول الله إلا وتحدث معه أحداث تدعو للغضب والانفعال والتوتر النفسي، ولكننا لم نعلم أنه غضب مرة واحدة إلا عندما يتعدى أحد على حدّ من حدود الله. فقد كان النبي الكريم يعالج أي مشكلة بهدوء وأناة وهذا ما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

بل إن النبي الكريم كان يأمر أصحابه أن يرددوا عبارة مهمة تعبر عن الرضا،  صباحاً ومساءً وهو هذا الذكر: (رضيت بالله تعالى رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، وكان يقول: من قال ذلك عشر مرات صباحاً ومساءً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة.

كما يؤكد الباحثون أن الرضا يعتبر من أهم الوسائل العلاجية لأي مرض نفسي، فمعظم الاضطرابات النفسية ناتجة عن عدم الرضا، ويعتبر الغضب على رأس العوامل القاتلة للإنسان، ويسبب الموت المفاجئ والجلطة الدماغية واحتشاء العضلة القلبية وضغط الدم.

ويعتقد الباحثون أنه على الرغم من أن ممارسة التمارين الرياضية وإتباع حمية غذائية جيدة وغيرها من العوامل ذات أهمية حيوية لصحة القلب، إلا أن للعوامل الاجتماعية والسعادة والإحساس بالرضا والكمال والعمل من أجل هدف في الحياة، تأثير بدورها.

 

التعامل مع الإجهاد النفسي :

الأبحاث أثبتت أن نسبة 10% فقط من سعادتنا تأتي من تغيرات في ظروف حياتنا، يعني أننا نحصل على دَفعة بمقدار 10% إذا ما انتقلنا من حالة الفقر إلى حالة الغِنى، أو إذا انتقلنا من منزل صغير إلى منزل أكبر، أو إذا حصلنا على ترقية، أو حتى إذا ما حصلنا على الشريك المناسب لحياتنا.

لكن ماذا يحدث إذا فقدنا السيطرة على وضع ما تؤثر نتائجه علينا. إننا نفكر في هذه الحالة فيما يمكن أن يحدث، ولا نعرف ما يجب علينا فعله لاستعادة التحكم في ذلك الظرف. لكن عامل الموقف الذهني الذي يُعزز فقدان السيطرة هو أسوأ من ذلك. يُحتمل أن يأخذ هذا الموقف شكل هزيمة الذات التي تنبع من التشاؤم المخيف.

 

كتبَ إيكهارت تول في كتابه (The Power Of Now)  بأن الناس تمتلك ثلاثة خيارات فقط عند مواجهتهم موقفًا لا يُحتمل:

الخيار رقم 1:

يمكنك أن تقرر تغيير الموقف: ويتطلّب هذا الأمر استعدادًا للنظر في المشكلة بعيون منفتحة على المعلومات الجديدة. يُحتمل أن يتضمن ذلك الاستعداد للنظر في ما يحتاج إلى التغيير في داخلك فيما يتعلق بموقفك ونهجك لتأمين حصولك على ما تريده.

 

الخيار رقم 2:

يمكنك أن تُقرر تجنّب مواجهة الموقف: الخيار الثاني هو تجنب مواجهة الموقف الذي وصل إلى طريق مسدود أو لا رجعة منه، وذلك من أجل استرداد وضوح الرؤية عندك وتوازنك العاطفي.

 

الخيار رقم 3:

قبول الموقف تمامًا كما هو: يُحتمل أن الإذعان يعني أنك لا تملك حلًا أفضل للمشكلة، أو أن الموقف ليس سيئًا إلي هذه الدرجة، أو بأنك على استعداد للاعتراف بما هو الأفضل بالنسبة إلى الشخص الآخر.

 

وهناك تقنيات كثيرة تخفف الضغوط النفسية، مثل الصلاة وقراءة القرآن وتعلّم طرق الاسترخاء وكذلك ممارسة الرياضة وبالذات اليوغا والمشي وتنظيم الوقت والبعد عن تناول المنبهات مثل الشاي والقهوة والتدخين، الحديث مع الآخرين المقربين من الشخص وهو ما يُعرف بالعلاج بالكلام (وهذا غير العلاج النفسي مع شخص متخصص)، أخذ حمام دافئ والاسترخاء في مغطس وكذلك الجلوس في الجاكوزي والجلوس في أماكن مفتوحة مثل الحدائق والاستيقاظ مبكراً وممارسة رياضة بسيطة في الصباح.

كما ان هناك تقنيات اخرى لكنها تحتاج إلى شخص متخصص في علاج مثل هذه الضغوط النفسية، حيث أن هناك علاجات نفسية محددة يقوم بها الأشخاص المتخصصون تساعد كثيراً على المساعدة في تخفيف الضغوط النفسية، خاصةً إذا كانت شديدة. الأدوية ربما تساعد في بعض الأوقات لعلاج مضاعفات الضغوط النفسية ويجب عدم أخذها إلا عن طريق طبيب متخصص.

بوجهٍ عام التعامل مع الضغوط النفسية أمرٌ في غاية الأهمية ويجب على الشخص الذي يُعاني من ضغوط نفسية ألا يُهمل علاج هذه الضغوط والتخّلص منها حتى لا يحدث له مضاعفات مثل التي ذكرناها في مقدمة هذا التقرير

 

 

المصادر: