الجودة الصحية ( متابعات ) غدير باعمر

يعد المركز الوطني للعلوم العصبية في مدينة الملك فهد الطبية في مقدمة الكيانات الطبية المهمة التي يدشنها القطاع الصحي، حيث بات هذا المركز وبعد سنوات من تشغيله تطبيقا نموذجيا في مجاله وعنصرا رئيسيا من عناصر التطور الذي تتجه إليه الخطة الاستراتيجية في المدينة الطبية بعد أن أصبح مرجعية محلية وعالمية في مجال طب وعلوم الأعصاب، حيث تجاوز الآن المراحل التأسيسية والأولية إلى خطط توسعية ونوعية على مستوى الخدمة الطبية والتشخيصية والإمكانات الحديثة والتدريب والبحث العلمي، وذلك ضمن توجه استراتيجي يهدف إلى الوصول به إلى المعايير العالمية كواحد من أهم المراكز المتخصصة في العلوم العصبية، مع التدشين لمبنى المركز وتوسعته الحديثة والمرتقبة في عام 2018 م .

وقال الدكتور خالد المسرع مدير المركز الوطني للعلوم العصبية، أن المركز استطاع خلال عام 2015 ـ 2016 م معاينة 28534 مريضا في العيادات الخارجية التي تحوي 70 عيادة ويشغلها 42 طبيبا متخصصا في العلوم العصبية، فيما كا عدد العمليات الجراحية 1752 عملية ، في حين حظي قسم التنويم في المركز على معالجة 3497 مريضا في العام ذاته.

وأكد المسرع ان المركز يستعد لتطوير وتأهيل كوادره الطبية لتدشين المبنى الحديث والذي سيكون بإذن الله في عام 2018 م حيث سيضم المركز في توسعته 316 سريرا وبتغطية 106 استشاريين في كامل التخصصات الدقيقة وباستقلالية تامة لغرف المرضى المفردة، مشيرا إلى الدعم الكبير والتوجيه السديد من معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة الذي يولي كل الاهتمام لكافة المشاريع الصحية التي توفر الخدمات العلاجية للمرضى والتي تأتي ضمن جهود الوزارة لتوفير الرعاية الصحية للمواطنين.

تأسيس .. وتطور

الدكتور خالد المسرع مدير المركز الوطني للعلوم العصبية ، تحدث متناولا تأسيس المركز وتصاعده الزمني خلال السنوات الماضية، فقال « بدأ قسم العلوم العصبية عام 2004م مع بداية مدينة الملك فهد الطبية كقسم تحت إدارة المستشفى الرئيسي ، ثم تطور فأصبح مركز العلوم العصبية برئاسة الدكتور محمود بن عبدالجبار اليماني المدير العام التنفيذي لمدينة الملك فهد الطبية وتحته أقسام متعددة وذلك في عام 2005 م، وقد شهد مراحل التطور والتأسيس آنذاك.

وفي 2006 م خرج المركز من إدارة المستشفى الرئيسي إلى الإدارة التنفيذية للشؤون الطبية مباشرة، كأحد ثمانية مراكز ومستشفيات داخل المدينة الطبية، حتى جاء عام 2011م حيث صدر المرسوم الملكي بإنشاء المركز الوطني للعلوم العصبية ليأخذ شكلا أكثر تطورا واكتمالا عن ماكان عليه. وذلك من خلال أقسام جراحة الأعصاب للكبار، جراحة الأعصاب للاطفال ، جراحة العمود الفقري، الأعصاب الباطنية، أعصاب الأطفال، الصحة العقلية، العناية المركزة للأعصاب، الفسيولوجيا العصبية وتخطيط الأعصاب».

وأشار المسرع إلى أن الاستراتيجية التي اتبعها المركز منذ أن كان قسما وحتى أصبح مركزا وطنيا، بنيت على ثلاث مراحل متداخلة، الاولى كان الهدف الاساسي منها البروز ففي المجال الطبي من حيث تدشين وتطوير الخدمات الطبية المتخصصة في الاعصاب بشكل متخصص ومتكامل وعالي الدقة والجودة، بحيث يصبح هذا المركز في الفترة بين 2004 و2009 م أفضل مركز في مجاله على المستوى المحلي، لينتقل بعدها إلى مرحلة التفوق الإقليمي وهذه تمتد من 2009 الى 2014 م وبعدها دخول المركز الوطني للعلوم العصبية على المنافسة الدولية لنكون ان شاء الله ضمن افضل خمسة مراكز في مجاله على مستوى العالم.

مضيفا في السياق ذاته إلى أن المرحلة الثانية كان الهدف الاستراتيجي منها أن يصبح المركز هو المرغوب للمتدربين في كل التخصصات العصبية من خلال برامج تدريب المختصين والفنيين في المجال، وأوضح الدكتور المسرع « ضمن هذه المرحلة ايضا هناك البحث السريري، المرحلة الثانية تبدأ في منتصف المرحلة الاولى، وفي 2011 كان افضل خريجي الطب في المملكة هم المتقدمين للتدريب في العلوم العصبية في مدينة الملك فهد الطبية، هذه المرحلة تنتقل الى البرامج المتخصصة الدقيقة منها برنامج التدريب في الصرع والتشنجات، وجراحة العمود الفقري، والجلطات الدماغية، وأعصاب الاطفال، نطمح أن تكون برامج متكاملة أكثر تغطي جميع فروع العلوم العصبية بحلول 2018 م وحينها سيكون أمامنا تحد آخر هو أن نكون مركزا مدربا لخريجين من خارج المملكة ونتحدث عن خريجي أمريكا وأوربا وليس خريجي المنطقة فقط».

وعلى الصعيد نفسه، اتجهت المرحلة الثالثة نحو إقامة البحث العلمي من خلال خطة خمسية من 2009 الى 2014م لا تنتهي بانتهاء المدة وانما يتم تثبيتها بشكل دائم تمهيدا لأن تدخل في مرحلة اخرى، ويبين الدكتور خالد المسرع أن اتجاه البحث العلمي يأخذ شكلين رئيسين هما الأبحاث السريرية والأبحاث المختبرية على مستوى الخلايا والانسجة الطبية، معلقاً «بدأنا بالتجهيز لهذه المرحلة منذ 2008م تقريبا وذلك بإرسال بعض الاستشاريين من المركز الوطني للعلوم العصبية للتخصص في الأبحاث بالدراسة في دول متقدمة كأمريكا وكندا واوربا وفرضنا على كثير من الزملاء الذين ابتعثوا أن يكون جزء من تدريبهم في البحث العلمي على مستوى الخلايا أو التدريس الطبي أو البحث العلمي الاكلينيكي على الامراض المعروفة.

المجال البحثي.. تعاونات محلية ودولية

وكشف المسرع عن وجود عدد من الأبحاث المشتركة مع عدد من المراكز العالمية والجهات المحلية في السنوات الماضية ، من ضمنها بحث قائم حاليا مع عدة مستشفيات أمريكية وأوروبية في تقييم نوع من انواع جراحة العمود الفقري، بجانب إقامة أبحاث مشتركة مع مختصين في مجال الخلايا مابين المركز الوطني للعلوم العصبية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ويضيف « الآن هناك أكثر من بحث قائم يتناول نوعيات معينة من أورام الدماغ من معرفة طرق علاجية مستقبلا ، وكذلك ابحاث مع مركز سامسونج الطبي بكوريا من اجل الوصول الى طريقة ادخال او توصيل علاجات الاورام الى داخل الخلايا الورمية بحيث لا تؤثر على الخلايا الاخرى وهي الطريقة المبتكرة على مستوى العالم، إضافة إلى برامج لتدريب الاطباء على كيفية البحث العلمي على مستوى الخلايا أو البحث العلمي السريري المبني على الاحصاءات، وكذلك توقيع اتفاقية لبحث مشترك مع «المجلس الوطني للأبحاث بكندا» لتطوير جهاز محاكي للجراحات العصبية ضمن إطار الاتفاقية السعودية الكندية، كما يسعى المركز لإقامة دبلوم تدريب لفنيي الأشعة لاستخدام أجهزة الملاحة العصبية.

وأشار المسرع إلى سعى المركز للتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إلى إقامة مركز أبحاث تصوير الجهاز العصبي والذي تتم دراسته كمشروع مشترك بين المركز الوطني وجامعة مونتريال الكندية بدعم من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، إضافة إلى بحث إنشاء ماجستير علم النفس اكلينيكي بالتعاون مع جامعة الفيصل لسد النقص في هذا التخصص، وكذلك المشاركة العملية في مشروع تطوير جهاز محاكاة لجراحة العمود الفقري بالتعاون مع أحد المراكز الكندية.

التقنيات الحديثة والبرامج العلمي

في العلوم العصبية.

وفيما يتعلق باستخدم أحدث التقنيات في التشخيص والعلاج ضمن أحدث التطورات في مجال العلوم العصبية ، اعتبر الدكتور خالد المسرع أن هذا الجانب يعد من أهم الوسائل التي تم استهدافها بشكل رئيسي لتطوير مستوى الخدمة الطبية المقدمة، وقال «كان توفير التقنيات الحديثة أولوية بالنسبة لنا لأن هذا في حد ذاته يجذب كثيرا من الأطباء الذين يرغبون في العمل في مكان متقدم التقنيات يطور أداءهم ومعرفتهم وخبراتهم، وكان من ضمن الإمكانيات جهاز الرنين المغناطيسي داخل غرفة العمليات (في جناح جراحة المخ والأعصاب) وقد أجرينا أكثر من 350 حالة جراحة اعصاب في الجناح المزود بجهاز الرنين المغناطيسي، من ضمن التقنيات الحديثة كذلك أننا أوجدنا مراقبة الجهاز العصبي أثناء العمليات وهذه كانت نادرة في المملكة، أصبحنا بشكل روتيني نراقب جميع الحالات التي تخضع للجراحة اثناء تخديرها وهذه الطريقة تخبرنا بسير العملية بشكل آمن ولا يشكل مخاطر على الجهاز العصبي وهذا يرفع من دقة العملية. الطبيب يفضل دائما العمل بتقنية أكثر قدرة على حماية المريض فحين يجدها في مكان ما يميل للانضمام إلى هذا المكان».

واستعرض الدكتور المسرع عددا من التقنيات الجديدة التي تستخدم للمرة الأولى مثل استخدام تقنية صبغ الورم من خلال مادة عبر الوريد أثناء العملية بحيث يظهر بلون مختلف يسهل عملية استئصاله كاملا وبشكل اكثر دقة.

وأشار إلى وجود وحدة الجلطات الدماغية والحاصلة على JCI شهادة اعتماد المنشآت الصحية الأولى بالشرق الأوسط، لافتا إلى توسيع هذه الوحدة لتشمل التعاون مع مستشفيات منطقة الرياض لتقديم خدمة مميزة شاملة لمرضى الجلطات.

بالإضافة إلى إنشاء قسم الفسيولوجيا العصبية ليصبح مستقلا وقادرا على التوسع وزيادة التقنيات، حتى أصبح حاليا يتوفر على كل أنواع التخطيط العصبي وبقدرات استيعابية كبيرة، اضافة الى ذلك، ولأول مرة في الشرق الأوسط وفر المركز جهاز MEG الذي يقيس الترددات المغناطيسية بالتخطيط وليس بالتصوير، يختلف عن جهاز الرنين المغناطيسي لأنه يقيس مغنطة الخلايا ويكتشف أي خلية يبدو بها أي شذوذ كهربائي أو نشاط غير معتاد، ويضيف مدير المركز الوطني للعلوم العصبية قائلا « الفرق أن الرنين المغناطيسي يعطيك صورة وقتية لما يحدث خلال الثانية لكنه لايعطيك شيئا حركيا، جهاز التخطيط المغناطيسي في المقابل يعطيك ثانية بثانية أي تغير يحدث في الخلايا، فلوكانت الحالة الأولى عبارة عن صورة فإن الحالة الأخرى هي مقطع فيديو، هذا الجهاز غير موجود في الشرق الأوسط ولا يوجد منه سوى ثلاثين إلى أربعين وحدة في العالم كله، تكلفته عالية وجزء كبير منه مازال يكتشف، الآن نحن نستعمله في تحديد مكان البؤرة التشنجية بدقة متناهية تصل الى اقل من 4 ملم، وهو مايعني أن الجراح يستأصل فقط منطقة التشنج وهذا انعكس بمزيد من الدقة على هذه العمليات، إضافة إلى ذلك فهو يستعمل لتحديد أماكن الوظائف وإمكانية استئصال الورم دون أن يكون لذلك تأثيرات على أي جزء أو وظيفة في الجسم، وهذا هو الاتجاه الحديث الذي تركز عليه جراحة العلوم العصبية. ويستخدم فيها التصوير داخل العملية والتخطيط والرنين المغناطيسي والمراقبة العصبية أثناء الإجراءات التداخلية والجراحية».