يقول أينشتاين : “سيأخذك المنطق من نقطة A إلى نقطة B، لكن الخيال سيأخذك لأي مكان آخر“

 

حين نتعامل مع واقع يقول : أن غير المتخصّص يقوم بعمل المتخصّص ، وأن عمل غير المتخصّص في غير تخصّصه يستوجب إفراغاً لبقيّة التخصصات ، يتم ذلك في وقتٍ يقف فيه المتخصص على صف الانتظار ، فالأمر لا يحتاج خيالاً بقدر حاجته للمنطق ، يحتاج فقط أن نضع المتخصص حيث يجب أن يكون ، ونعيد غير المتخصص إلى ما خُلق له .

ليس متخصص الإدارة الصحية بأقل قدرة على النهوض بواقع الصحة المرير ، وهو حين يعلوا صوته إلحاحاً فليس لقلّة صبرٍ يعانيه ، بل لأنه يرى ما يشبه الغشاوة تحيط برؤية المسئول ، جعلت الحلول تتجاوز النقطة B  إلى الخيال .

 

ما هذا الخيال الذي يجعلنا نبني  جدار آلامه الذي يريد أن ينقضّ ، بحجّة أن كنزاً تحته نريد أن نحفظه له ، إلى أن يبلغ رشدا !

وأين المنطق حين نثقب سفينة آماله ، على افتراض أنّ هنالك  موجاً ثائراً ، يلتهم كل سفينةٍ غصبا !

وهل من المجدي أن نقتل الطموح الذي بداخله ، حتى لا يرهقه طموحه طغياناً وكفرا !

 

حين نفعل كل ذلك ، فحتماً لن يستطيع متخصص الإدارة الصحية معنا صبراً !

 

ليس الموضوع بذلك الغموض ، وليست القضية بتلك الدرجة من التعقيد ، حتى نمارس معها هذا التردد والتوجّس ، لا يتجاوز الأمر كونه فتيةٌ آمنوا بتخصصهم وأزيحوا عنه وزدناهم بُعدا ، حَكمت عليهم الأنظمة الركيكة وأمور أخرى البقاء في كهف قَصي ، أُغلق فيه على أحلامهم بقيود  صخرية ، لا يمكن أن تتحرك قيد منطق!

 

لو أطلع المنصف على أحوالهم لملئ من عدم استثمار تخصصهم حزناً ، ولعجّل في توظيفهم  قراراً، وهنا يأتي السؤال :

أليس في الجوار رجل رشيد ،  فيزيح صخرة البيروقراطية والمحسوبية عن مخرج كهفهم الذي غاب عنه بصيص النور ، أليس من بقايا  رؤيةٍ تلتقط أهدافهم التي تنتظر ساحةً  للتنفيذ !

 

وحيث أن وتيرة الحديث عن رؤية الصحة بدأت  تتصاعد في الآونة الأخيرة  ، فمن الأهمية بمكان أن تنطلق هذه الرؤية من الاستخدام الأمثل للموارد البشرية ،  أن تولي اهتماما أكبر بمبدأ التخصص ، أن تستثمر أكثر في طوابير خريجي الإدارة الصحية ليكون منطلق التخطيط والمراقبة والتحسين ذا مدلولات أكثر تخصصية . فمؤشرات  إدارة المنشآت الصحية ، كانت ولازالت تدل على سوء في المخرجات ولا غرابة ، فليس سواهم قد أُعدّ لإدارتها،  وليس غيرهم قد مُنع من التمكين من دفتها ، وليس أحد أكثر منهم يمتلك أدوات النهوض بها إلى مستوى التطلع .

 

ليس متخصّص الإدارة الصحية متطلّباً إلى هذا الحد ، حين ينادي بأن يتم استحداث الوظائف المرتبطة بمسمّاه على أساس الاحتياج ، وليس على أساس رؤية ذاك الذي يرى في وجود المتخصص تهديداً مباشراً لوجوده !

 

لنتصرّف معه  كما مع غيره ، فنوفّر له صومعةً يمارس فيها تخصصه  ، الذي آمن به وبذل  الغالي والنفيس للحصول عليه ، لنتجاوز سياسة الحصر فإما مديراً لمركزٍ صحيّ وإمّا مديراً لمستشفى ، ونجد في ذلك تبريراً لتجاهله بحجّة  قلّة الصوامع .

لنبعده عن لعبة المسمّيات وبعثرة الحروف التي تجعل من إدارة الخدمات الصحية أمراً مختلفاً عن إدارة الرعاية الصحية ونجد في ذلك سبباً  لتضييق المكان المخصص لتواجده قدر الإمكان !

 

لا أعلم إن كان سعادة المسئول يعي قيمة الوقت الذي يمضي على جثمان آمالهم ، ويحس بجمرة الانتظار التي تحرق أحلامهم ، ويقدّر حجم السبات الإجباري لطموحاتهم ، وقبل هذا كلّه هل يحسب فداحة الخسارة المتأتّية من تجاهلهم ، وكأنّي بهم سئموا مكوثهم الطويل الذي لم يكن يوماً أو بضع يوم ، بل قد تجاوز مكوثهم التسع مائة يومٍ وازدادوا “تُعسا” !

 

لا يريد متخصص الإدارة الصحية أكثر من أن ندع جدار آلامه ينقضّ ، ليقتني وظيفته دون انتظار لأكذوبة رشده المزعوم   ، أن لا تُسلب  سفينة آماله غصباً ، أن نتركه يتحمّل تبعات طموحاته بنفسه دون وصاية مسئول أو تعنّت أنظمة  !

 

وإلى أن يحين الفرج ، يحق لمتخصص الإدارة الصحية أن يتساءل  :

 

يا ترى من حرّك قطعة الأحلام الخاصة بي  !

 

 

 

 

أ. ياسر الشلاحي