أيقن الإنسان منذ القدم أن الدواء وسيلة لبقائه وممارسة حياته الطبيعية, وبهذه الحتمية توجب عليه أن يشيد الأجيال من الادوية والمستحضرات الصيدلانية عبر الزمن حتى أضحى تشييد واستخلاص المستحضرات الصيدلانية مهنة يتكسب منها من يعمل في هذا الحقل. وتطورت المهنة حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم من شركات ومؤسسات ومصانع عملاقة تعمل بتجارة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية.

وتعتمد مصانع الأدوية الجودة في منتجاتها بحسب معايير صناعة الصيدلة كالفعالية والكفاءة , بحيث ترتفع جودة المستحضر الصيدلاني بارتفاع نسبة فاعليته وبزيادة التكافؤ الكيميائي له كثباتيتة والتكافؤ الحيوي كالامتصاص ومدى توافر المادة الفعالة للدواء بالدم. وهذه المعاييرتقيم بناء على دراسات واختبارات مكثفة تجرى للمستحضر قبل اعتماده وإجازته للتداول من قبل الهيئات المنظمة للأدوية, وتحتاج هذه الدراسات إلى ميزانية مالية الأمر الذي يزعج بعض ملاك الشركات والمصانع من ضعاف النفوس إذ التفوا حول إنشاء مصانع تهدف إلى الكسب المادي فقط بحيث تقوم بإنتاج مستحضرات متدنية الجودة أو رديئة وفي بعض الأحيان مصانع تنتج أدوية مزيفة.

 

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%af%d9%88%d9%8a%d8%a9

 
وتواجه المجتمعات اليوم تحدي فرضته علينا صناعة الأدوية المزيفة، وأن استخدام مستحضر صيدلاني مزيف لا شك انه ضار، وأحيانا قاتل، كونه يفتقد إلى التركيب الصيدلاني المطلوب والتصنيع الجيد وأن تزييفه يكمن في الغش في مظهره الخارجي فقط حيث يبدو حسن المظهر وحسن التغليف بينما يفتقر للمكونات الملائمة وفي القصة الأسوأ قد يحتوي مواد سامة ، وإن كان هذا يحدث نادراً في بعض الدول، ففي دول أخرى يحدث يومياً. والأدوية المزيفة تتداول في كل مكان في العالم ,وهي تتراوح بين الخليط من المواد السامة والضارة وبين التركيبات غير الفعالة, وبعضها يحتوي على مستحضر معروف وفعال ويبدو مماثلاً للمنتج الأصلي إلى الحد الذي يخدع المهنيين الصحيين والمرضى. وفي جميع الاحوال يكون مصدر الدواء المزيف مجهولاً ومحتواه لا يمكن الوثوق فيه  ويتسبب في فشل العلاج أوالوفاة أيضاً ويعد القضاء عليه من المشكلات الكبيرة في مجال الصحة العامة كونه لا يلحق الضرر بالمريض فحسب بل يفقد الثقة في النظام الصحي ككل، الصيدلي ومصنع الدوِاء، والطبيب، والمؤسسات الصحية الخاصة والعامة، ولهذا على الجميع أن يشتركوا لمجابهته ومحاربته.

 

%d9%83%d9%84

 

وخلف انتشار الأدوية المزيفة عدة قصص تحوي حلقاتها مأساة حقيقية أذكر منها :

  • عدم استيعاب بعض الممارسين الصحيين كالأطباء والصيادلة وكثيرمن المواطنين تمييز الدواء المزور(المهرب). فمن وجهة نظرهم لا يوجد فرق بين الدواء المهرب وبين الأصلي من حيث وجود المادة الفعالة والمواصفات وأن الفرق هو في السعر كون الدواء المهرب لا يخضع للضرائب ولا لرسوم التسجيل والاستيراد ولا تضاف عليه أرباح الوكيل.
  • ارتفاع أسعار الأدوية الأصلية مقارنة بالأدوية المهربةبسبب ارتفاع أسعار منتجات الشركات العالمية من جهة و المبالغة في السعر من قبل الوكلاء المحليين من جهة أخرى.
  • ضعف القدرة الشرائية لدى كثير من المواطنين يجعلهم يضطرون لشراء الدواء المهرب كونه الأقل سعرا.
  • حضور خجول وغير فعال للجهات الرسمية الدوائية على أرض الواقع , حيث تباع الأدوية المهربة والمزيفة في معظم نقاط البيع مع إمكانية الحصول عليها بكل سهولة.
  • عدم توفر الإمكانيات المادية والبشرية الكافية لدى الجهات الرقابية الدوائية لضبط الأدوية المزيفة والمهربة.
  • بطئ إجراءات إتلاف الكميات المضبوطة من الأدوية المزيفة حيث قد تستمر عدة أشهر وسنوات مما قد يؤدي إلى تسرب جزء منها إلى السوق أثناء انتظار الإتلاف.
  • انعدام التشريعات والقوانين بشأن الدواء المزيف حيث لا يوجد إلى الآن أي تعريف قانوني للدواء المزيف وبالتالي انعدام العقوبات.
  • عدم كفاية ما يعطى من اهتمام رسمي بالتوعية الإعلامية والتثقيف الصحي حول مخاطر الأدوية المزيفة والمهربة والتحذير منها.
  • منح رخص لاستيراد الأدوية لمن ليس لهم تخصص مهني او مؤهل اكاديمي في قطاع الأدوية.
  • جلب البعثات الطبية أثناء موسم الحج أدويتهم من بلدانهم الأمر الذي يبعث الشك في سلامة هذه الأدوية والمستحضرات كونها لم تعرض على لجان التسجيل لفحصها والتأكد من سلامتها إضافة الى ممارسة وصفها وتداولها في اغلب الأحيان والتربح من خلالها.

ويكمن الحجم الحقيقي للمشكلة في التحدي لمجابهتها بالوسائل المتاحة حيث أن مجابهة مثل هذا الخطر يتطلب الكثير من الجهد المشترك ولا يمكن للأطباء أو الهيئات التنظيمية للدواء أو الشرطة أو الجمارك أن تقف بمفردها لمجابهة هذه المشكلة بل نحتاج لحلول يشارك فيها كل المعنيين، ولكي نجد الحلول ثم نطبقها لا بد من العمل الجماعي عبر التبادل الصادق والإرادة القوية والشراكة الفاعلة لمنح هذه المشكلة ما تستحقه من الاهتمام.

واذا ما علمنا أن ليس هناكبقعة في العالم محمية عن تداول المنتجات المزيفة إلا أنانتشارها يختلف من بلد لآخر فمثلا في البلدان المتقدمة أو الغنية حالات التزييف تكثر في أدوية الهرمونات والاستيرويدات ومضادات الهيستامين وأيضا الادويه المنشطة جنسيا (المساعدة للانتصاب) بينما في الدول النامية فتكثر حالات التزييف في المضادات الحيوية وادويه نقص المناعة المكتسبة وأدوية الملاريا.

ومما يبعث للأمل ان هناك خطوات جريئة تنم عن ارادة قوية لمجابهة هذه الظاهرة حيث أدركت منظمة الصحة العالمية مبكرا حجم هذا الخطر وقامت بتشكيل فرق عمل على مستوى العالم لمنع صنع وتوزيع الأدوية المزيفة وتركزت فرقة العمل هذه على المجالات التالية :

  • البنية التحتية التشريعية والتنظيمية ومهمتها مراجعة قوانين الدول وتقديم النماذج الجيدة والفاعلة، والبحث عن وسائل لتنسيق توحيد الوجهة التشريعية، وتقوم هذه المجموعة بتقديم المساعدة لمراجعة القوانين لتمكين المسئولين المباشرين المتعاملين مع الدواء المزيف والمزورين كالشرطة والجمارك والقضاة.
  • التنظيم تمكين المسئولين بشأن تنظيم تداول الدواء كالهيئة العامة للغذاء والدواء من تنفيذ الإجراءات التشريعية المتخذة ضد الأدوية المزيفة، بما فيها ضمان معايير الجودة والمأمونية والفعالية وضبط سلاسل التوزيع بكفاءة.
  • تنفيذ التنظيم إيجاد وسائل للعمل المشترك بين الجمارك والشرطة والقضاء في مختلف البلدان لمراقبة الحدود ومتابعة مسيرة البضائع المزيفة ومصادرتها، ولا بد من أن تبحث هذه المجموعة عن طرق تواصل فاعلة ربما عبر نظام معلومات مبني على تقنية المعلومات، وفي هذا السياق ستستفيد من منظمة الجمارك العالمية والانتربول.
  • التكنولوجيا ويرأس هذا المحور منظمي صناعة الدواء كالشركات التي تتخوف من إن يتم تزييف منتجاتها الأصلية وهذا المحور يملك الإمكانيات التي تجعِله يتطور في خلق الوسائل التي تحمي منتجاته.
  • الاتصالات للتحذيرات والاستجابة وحساب الزمن في سرعةالتواصل مع الجمهور للتبليغ عن مخاطر مواد مزيفة يتم تداولها في المجتمع المحلي.

والسؤال المثير لاهتمام عند الحديث عن ظاهرة تزييف الدواء هو كيف يمكن أن نحمي المستهلك من الأدوية المزيفة ؟  والإجابة على هذا السؤال لا تبدو سهلة ولكن ممكنة إذا ما علمنا أن بواعث التزييف تتمثل أساسا في الإرباح الضخمة التي يمكن تحقيقها وان نجاح المزيفين يعتمد على قدرتهم وإمكاناتهم على التكيف بسرعة مع مختلف المسارات والمنتجات وعادة ما يعملون دون ما تصريح مع إخفاء هويتهم في شبكات دوليه متشعبة وأيضا على تغيير محور اهتمامهم سريعا وحيثما أمكن جمع اكبر قدر من المال , اذا ما علمنا ذلك فانه قد لا تحقق تدابير إنفاذ القوانين التي تجابه المزيفين سوى نجاحا جزئيا , لذا فان إتباع الأسلوب التنظيمي العادي إزاء الادويه المتدنية الجودة المنتجة بصوره قانونية , لن يكون فعالا إذا ما اتخذ بمفرده , وعليه يجب أن تتعاون السلطات الوطنية والدولية مع سائر المؤسسات الحكومية كالأجهزة التشريعية المتخصصة وتحديد دور كل جهة في كشف هوية من يمتهن تداول تلك المنتجات.وهنا أود أن اسرد بعضا مما يتوجب على الهيئات المعنية بتنظيم تداول الدواءوهو كالتالي:

  • الاعتراف رسميا بمشكلة تزييف الأدوية وإعطائها أولوية في التعامل والمعالجة.
  • سن القوانين الخاصة بالدواء المزيف وتهريبه وتطبيق العقوبات المنصوصة في النظام.
  • مراقبة المناطق التجارية والتي في اغلب الأحيان تفلت من أعين الرقابة التنظيمية وإمكانية تعرض السلع والوثائق المرفقة بها للاحتكار.
  • عدم تنظيم التجارة عبر الانترنت والتي تسمح للباعة المجردين من المبادئ الاخلاقيه إخفاء هويتهم وإخفاء منشأ مستحضراتهم ومنتجاتهم التي يروجوا لها.
  • ألأمية وقلة الموارد الذاتية يعرضان المرضى لضغوط غير عاديه بحيث تجعلهم يلجئون إلى الانصياع لما يعرض عليهم.
  • دعم إقامة الندوات والمؤتمرات لمكافحة تزييف الأدوية بكافة الوسائل الممكنة البشرية و المالية و الفنية مستهدفةالفريق الصحي ليتمكنوا من كشف المنتجات المزيفة.
  • إثراء المجتمع بالمعلومات اللازمة حول ظاهرة التزييف الدوائي بجميع وسائل الإعلام وحث المواطنين على الإبلاغ عن أي دواء مشتبه في تزييفه.
  • التنسيق والتعاون مع الدول التي تهرب منها الأدوية المزيفة  بهدف تشديد الرقابة الحدودية.
  • رفع وتفعيل مستوى التنسيق بين الجهات المنظمة مثل ووزارة المالية (الجمارك)، ووزارة الصحة أو الهيئة العامة للغذاء والدواء، ووزارة الداخلية ، ووزارة الإعلام ووزارة التجارة والصناعة و جمعية حماية حقوق المستهلك للحد من دخول وتداول المنتجات المزيفة.
  • تشجيع البحوث والدراسات حول المنتجات المزيفة والتزوير الدوائي، وتوفير الإحصائيات اللازمة وأرشفة البحث ورقياً ورقمياً ليسهل الرجوع إليه.

 

  • دور الهيئات المنظمة والمشرفة على المنشآت والمستحضرات الصيدلانية :
  • مراقبة مصانع الادويه من حيث تصنيع الأدوية والالتزام بمعايير وأسس ممارسة التصنيع الجيد (GMP).
  • إقرارسياسة وطنيه متعلقة بالأدوية تكون أولويتها التقيد بمعايير بممارسة التصنيع الجيد ومن ثم تتدرج الأولويات الاقتصادية.
  • مراقبة سلسلة توزيع الأدوية للتأكد من عدم تسرب الأدوية المهربة من خلالها مكافحة مصادرالتوزيع غير المرخصة.
  • وضع معايير تنظم قنوات التوزيع للحد من إتاحة الفرص لاختراق تلك القنوات من قبل المزيفين.
  • العمل على تشريع آليات واضحة وصارمة للتخلص من المنتجات المزيفة المضبوطة، والتأكد من أنها كانت عمليات حقيقية وشاملة وإنهاء حالة التباطؤ والتأجيل في إتلاف تلك المنتجات.
  • تحديث القوانين المتعلقة باستيراد وتسجيل الأدوية وتشديد العقوبات للمخالفين.
  • تكثيف الجولات التفتيشية على المنشآت الصيدلانية والتي تشمل المصانع والمستودعات والصيدليات.

كما يجب على الصيادلة والأطباء وغيرهم من المعنيين بالصحة كونهم الجبهة الرئيسية في مجابة هذه الكارثة الإلمام بالأدوية الأكثر تعرضا للغش وأن يكون باستطاعتهم تمييز الأدوية المغشوشة كما ان من واجبهم التواصل  بشكل دائم معهيئات تنظيم الدواء المحلية والعالميةلتزويدهم بالمعلومات الضرورية فيما يخص المواد التي تتعرض للتزييف وتدوين ذلك على الشبكة العنكبوتيه للإنترنت  في منتدياتهم المتخصصة وأيضا تدوين أحوال المريض بعد تناول الدواء المشتبه بتزييفه والأعراض الجانبية التي لم يألفها من قبل.

وأخيرا هناك بعض التوصيات للمستهلك العادي قد تجنبه الوقوع في فخ التزييف للمستحضرات الصيدلانية نذكر منها:

  • أن الدواء مستحضر كيميائي يجب شراءه عند الحاجة فقط وان يكون استخدامه تحت إشراف طبي.
  • شراء الأدوية من الصيدليات المرخصة والمعتمدة من الدولة فقط وذلك لضمان سلامة المنتجات الموجودة بها.
  • على متناولي الأدوية أن يكونوا حذرين عند تفحص أدويتهم وذلكلملاحظة تاريخ الانتاج وتاريخ الصلاحية وأي تغير في الغلاف الخارجي أو الداخلي للمنتج أو قد يكون مفتوحاأو متغيرافي مظهره وملاحظة طعمه.
  • عند ظهور أعراضا جانية غير متوقعة بعد تناول الدواء على المريض مراجعة طبيبه الذي عالجه أوالصيدلي الذي أبتاع الدواء منه.
  • عدم الشراءمن المواقع الالكترونية المروجة لمنتجاتها والتي غالبا ما تكون مجهولة المنشأ.

 

حمانا الله واياكم ,,,,,

 

                         وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين

 

 

                                                  

عبدالمحسن  الاحمدي