الكثير من البشر من يصابوا بمرض عضوي يؤثر عليهم نفسياً فيصابوا من جراء ذلك بصدمات نفسية تتجسد كاكتئاب أو حزن مزمن وما إن يقابلوا دعم معنوي ينتزع من دواخلهم جذور الإحباط واليأس ليزرع فيهم بذور التفاؤل والرضا ,  ليصبحوا حتى أكثر استجابة للدواء عن ذي قبل .

  فمن المهم كممارسين صحيين في المنشآت الصحية ألا نهمل هذه النقطة , ونركز ع العلاج النفسي بجانب العلاج الدوائي أو الفسيولوجي  , كان هذا الجانب المهم يزاول منذ القدم فمما نقل عن أبو بكر الرازي أنه قال ” ينبغي على الطبيب أن يوهم المريض أبداً الصحة وبرجيه بها و إن كان غير واثق من ذلك , فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس ”  .

العلاج النفسي أو الدعم النفسي هو مصطلح يستخدم في دليل الصحة النفسية والدعم النفسي لوصف إي نوع من الدعم المحلي أو الخارجي الهادف إلى حماية وتعزيز العافية النفسية  . وخصوصاُ في التعامل مع المرضى تعرف بأنها الوقوف جانب المريض معنوياً ودعمه والتأثير عليه لتجاوز مشكلاته العاطفية والنفسية التي من الممكن أن تسبب ردة فعل قوية وعكسية على شفائه .

فمن الملاحظ أن منذ قديم الزمان انتباههم لهذا التأثير وعملوا به كحال بعض أطباء الغرب اليوم حيث اهتموا بهذا الجانب و للأسف لم نعطيه حقه من الاهتمام , فبالتالي يجب على المنشآت أن يقيموا دورات توعية بشكل دوري لهذا الجانب بأساليب مطورة و مدروسة  , فبعض الأطباء للأسف الشديد يكون المريض في حالة حرجه من مرضه  فيبلغوه بسوء حاله وأنه لن يتعافى أبداً , فكيف تظنون حاله سيكون بعد هذا الخبر ربما أصاب هذا الخبر بتعجيل وفاته أكثر من مرضه العضوي , نحن كبشر عموماً نحتاج للدعم النفسي على الدوام ففيه الشفاء الروحي لنا ففي حال مصابنا كمسلمين بحزن أو هم نتوجه إلى خالقنا ونرتجيه فيزودنا بدعم نفسي يقوينا ع مجابهه مصاعب الحياة وذات الشيء لأي إنسان يتوجه إلى مصدر يدعمه نفسيا بالتالي تقويته جسدياً .

مثلا , كمرض السرطان من المهم جدا الدعم والعلاج النفسي لمرضاه دائماً , ففي مقالة للدكتور عبد الهادي مصباح نشرت في جريدة الشرق الأوسط  (أصبح من المؤكد والثابت علمياً أن الحالة النفسية لمريض السرطان من أهم مقومات شفائه ونجاح علاجه، وأن إرادة الشفاء بداخله هي العامل الأساسي الذي يحفز الجهاز المناعي بداخله لكي يتصدى ويقضي على هذا المرض، فإحساس مريض السرطان بالهزيمة، واليأس من شفائه يؤثر بالسلب على الجهاز العصبي وخاصة منطقة ما تحت المهاد، التي ترسل وتستقبل إشارات دائمة إلى الجهاز المناعي عن طريق أسطول من الهرمونات التي تسمى بهرمونات الانفعال والتوتر، فتؤثر سلبيا على أسلحة المناعة الأساسية التي تقاوم السرطان من مجموعة السيتوكاينز، وإنترليوكين –2، وانترفيون، وعامل تليف الأورام TNF .

ومن الأبحاث المهمة التي جسدت أهمية العلاج النفسي  البحث الذي أجرته د. باربرا أندرسون أستاذة علم النفس بجامعة ولاية أوهايو الأميركية على 115 من السيدات المصابات بسرطان الثدي في المرحلتين الثانية والثالثة، حيث تعاملت مع نصف هذه المجموعة من خلال العلاج النفسي Psychotherapy الذي يساعد المريض على الاسترخاء والإقلال من التوتر، والتكيف مع الانفعال، بينما تركت النصف الآخر ليتلقى علاجه بالأسلوب العادي دون تدخل لتحسين حالته النفسية  , ولقد أثبتت نتائج هذا البحث أن المجموعة التي كانت حالتها النفيسة أفضل من خلال العلاج النفسي، كانت نسبة هرمونات الانفعال عندها – وخاصة الكورتيزول – أقل بمقدار 25% عن التي لم يتم التدخل لدعمها نفسيا، وذلك بعد 4 – 8 شهور من إجراء الجراحة .

 من الممكن أيضاً أن تدرس مواد تهتم بالجانب النفسي للمريض لطلاب القسم الصحي بحيث يكونوا على دراية كافية بهذا الجانب وتطبيقه في المستشفيات في فترة التطبيق العملي وأيضاُ لا يتم الاستغناء عن عمل دورات توعية بشكل دوري للممارسين الصحيين ويتم تكليفهم بتطبيقها على المرضى وتسجيل النتائج بشكل دوري .

هناك أيضاً بعض مرضى الحروب من يحتاجون فعلياً الدعم المعنوي والنفسي ليتجاوزا هذه الأزمة  , فتخيلوا معي حال مريض مصاب بمرض ما وشرد من بلده و قتلت عائلته , فكيف بالتالي ستكون حالته المعنوية , ستظهر أسوأ ما فيه من معاناة , فمن الممكن أن نستمر سنوات عديدة لدعمه وعلاجه وتظهر فقط القليل من النتائج الإيجابية ومن الممكن عدم استطاعتنا حلها بشكل كامل ولكن على الأقل بقدر يستطيع به مواجهة الحياة , لأن علاج المريض عضوياً والاكتفاء بذلك  لهو أمر في غاية الخطورة , لأن من الممكن أن يتأصل فيه المرض النفسي كخوفه من الإقبال على الحياة وأنه من الممكن أن يموت في أي لحظة والاكتئاب المزمن وهذا خطأ فادح يقع فيه الكثير من الأطباء إذ لابد من علاج المريض نفسياً وعضوياً وعقلياً والاطمئنان عليه أن سليم من جميع النواحي  وبالتالي يستطيع المريض أن يُخرج من المستشفى ونحن واثقين أنه قادر على مواجهة الحياة من جديد.

أيضاَ لا بد من تقديم الدعم المعنوي لعائلة المريض الذين يكونون في أشد معاناتهم النفسية عند رؤية حاله أو في حال علمهم بمرضه المستعصي شفائه , أو في حال إبلاغهم بمدى تكاليف العلاج التي لا يستطيعون تحملها  حيث تكون العائلة في أشد أزماتها المعنوية , الدعم النفسي مسؤولية عظيمة يجب أن يعطيها حقها كل ممارس صحي فمن منطلق الدعم الجيد ستظهر نتائج مبهرة على المريض وربما سيكِّون شفائه نفسياً عامل مساعد لشفائه جسدياً .

من الجيد أيضا عمل دراسات توضح الآلية الفعالة للدعم المعنوي لكل مرض وبالتالي عمل برامج رعاية مخصصة وفعالة وذات نتائج مبهرة, وأيضاً من المهم الإطلاع على استراتيجيات الأطباء في تقديم هذا الدعم لمرضاهم وإبداء الملاحظات في حال احتاج ذلك  .

وأخيراً ,  فنحن كأطباء وكبشر حملنا أمانة أبت الجبال أن تحملها وفيها الأجر العظيم لعملنا بها , فيجب أن تكون مراقبة الله مغروسة في ضمائرنا , فكما تلفظنا بقسم أبقراط الطبي يجب الوفاء به , فلا يجب أن نجعل هدف مزاولة مهنتنا لمجرد السمعة أو لمجرد الربح المادي , لابد أن تكون مداركنا وأهدافنا أكبر من هذه السطحية وتذكروا قول الله عز وجل ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ” , وتذكر حتى بكلماتك المحفزة والملهمة للمريض ستترك في نفسه الأثر العظيم الذي يذكره فيك بكل خير , وأن يكون إتقاننا في العمل شاهداُ لنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ” , والإتقان يكون في عمل المهام الموكلة للطبيب والاهتمام بالمريض من جميع النواحي والحرص على ذلك ويجب منا كأطباء ألا يغلب في دواخلنا جانب الكسل وإضاعة الوقت والإهمال فبوجوده سيضيع بداخلنا جانب الإتقان وبالتالي عدم الوفاء بالأمانة التي وكلت إلينا .

 

 

 هند المالكي