إن الصحة العمومية -الصحة العامة- تعتبر مفهوما حديثاً على الرغم من امتداد وتأصل جذوره إلى قديم الزمن والصحة العامة هي سيدة الطبِ كله كما قال الشيخ محمد راتب النابلسي عنها حيث أنها قد أرست قواعدها منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً وما يجعلها أكثر أهمية أن هذه القواعد والأسس أتت على شكل تعاليم عامة تضمنت في طياتِها أوامر ونواهي يمارسها المسلم تعبداً لله حتى ولو كان لا يدرك حقيقة أهميتها وفائدتها الصحية فهو يمارسها امتثالاً لأمر الله جل في علاه وعندما بدأ العقل البشري بالملاحظة والاكتشاف للأمراض العديدة وما هي مسبباتها وتتبع الجراثيم  وطرق انتقالها بدأت تظهر الحقائق الصحية والحكم الطبية التي تنطوي عليها التعاليم الإسلامية الخالدة فزادتها نور على نور وقد نجد أن من يتزود ويتجرع من القران الكريم والسنة النبوية يرى ويوقن يقيناً تاماً أن الإسلام كان له السبق والأولوية عن الصحة العامة الوقائية حيث لم يترك جزءً إلا وأشار إليه سواءً للفرد أو المجتمع وبما يخص الفرد فقد وضع الإسلام التعاليم المرشدة ليبقى معافى سليماً ابتداءً بالوضوء حيث اثبت العلماء أن هناك عدد هائل من الجراثيم في المناطق المكشوفة وهذه الجراثيم في تكاثر مستمر وللتخلص منها لابد من غسل الجلد باستمرار ولا يوجد طريقة غسل أكثر تكراراً كالوضوء قال الرسول صلى الله عليه وسلم:  (من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت اضفاره )، ومن ثم نظافة الجسد والمرتبطة بنظافة الفم كونه المدخل الرئيسي للجسم وفيه تستقر الجراثيم الضارة التي لا حصر لها وبالتالي نتيجتها المسببة لتسوس الأسنان وتغير لونها وتأثيرها على اللثة بالالتهابات ولذلك كان للوضوء أيضا تأثير في المحافظة عليه من خلال المضمضة، واستكمالاً بسنن الفطرة  التي اخبرنا الرسول عليه أفضل السلام والتسليم حيث قال: (خمسٌ من الفطرة الإستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر). فالإستحداد بالنسبة لترك شعر العانة فهذا يساعد على نشر مرض خاص يسمى “تقمل العانة” وهو يعتبر من الأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي وأما بالنسبة لنتف الإبط فهو بحد ذاته مكان كثير التعرق لذا يساعد ذلك في تجمع الأوساخ فيه والتي تهيئ وسطاً مهما لتكاثر الجراثيم ولكن عند نتف الإبط تقل فرصة تجمع هذه الجراثيم نتيجةً لقلة الأوساخ، وأما الختان عند الذكور فهو مدعاةً للنظافة حيث أن عدم الختان يجلب وسطاً مناسباً لنمو العديد من الجراثيم التي تسبب الكثير من الإلتهابات لذا سُن الختان وبالتالي فإن نساء المسلمين يقل لديهم سرطان عنق الرحم نتيجة ختان أزواجهن، وأما قص الشارب فالشارب إذا طال تلوث بكل مايشربه الإنسان ولهذا يكثر انتشار الجراثيم التي تهوى العيش على مادة الشعر ذاتها، وأما بالنسبة لتقليم إلا ظافر فتركها يجلب الأمراض حيث تتجمع تحتها ملايين الخلايا الجرثومية لذا فهي تلعب دوراً بالغاً في نقل الأمراض البكتيرية والفطرية والفيروسية، ولو عدنا لمتابعة اكتشاف العلوم الصحية والطبية لوجدنا مدى الأهمية البالغة لكثير من الممارسات والإرشادات ويطول ذلك لو أردنا سردها والإلمام بها ولبيان الأهمية من كل أمر ونهي، وأما ما يتعلق بصحة المجتمع والبيئة فإن الإسلام بتركيزه وتسليطه الضوء على الفرد يهيئ لنا مجتمعاً قوياً سليماً قادراً على التكاتف والتنافس في سبيل الحفاظ على بيئة نظيفة خالية من التلوث ويكون ذلك بالمحافظة على المساكن والمنازل والأماكن العامة بالحرص على عدم تلويثها بالقاذورات والنجاسات وقد اخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (اتقو اللعانين قالوا وما اللعانان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم ) وأيضا بتحريم بعض الأمور كالزنا واللواط التي بتحريمها يكون الحد من سلبيات صحية عديدة على المجتمع ووقاية من كثير من الأمراض الجنسية المعدية، وأيضا بالمنع من اقتناء الحيوانات التي تساعد على التلوث كالكلاب نظراً لأنها مسببة لكثير من الأمراض ومنها داء الكلب لذا ديننا الرحيم لم يمنعنا من اقتناء بعض الحيوانات لعدم الرفق بها ولكن لان الرفق بالإنسان كان أهم، وأيضا بالابتعاد عن وسائط نقل الأمراض كالهواء الملوث والماء المسبب للكوليرا والبلهارسيا والكثير من الأوبئة ، وهناك العديد من الإرشادات، فالصحة العامة في النهج الإسلامي لها ثوابت في حياة الأفراد والجماعات حيث لايحتاج الأمر لإجراءات صارمة ولا لقدر كبير من المعرفة  فهي عادات عايشوها منذ كانو أطفالا لتنتهي بعبادة لوجه الله عز وجل لذا هي أمر يجب على كل مسلم أن يلتزم بها ويسعى جاهداً للحفاظ على بقائها في محيطه وبإنمائها في كل من حوله ومن هو مسؤل عنهم لأنها جزءٌ من عقيدته قبل ان تكون علم يساعده في ارتقاء صحته وجودة حياته ولأنه بإلتزامه يضمن القوة والنظافة والوقاية للمجتمع والبيئة، حمانا الله وواقانا وإياكم من كل مكروه.

 

 

 

نجلاء الألمعي