حقائق وأوهام حول السمنة وعلاجاتها!
حقائق وأوهام حول السمنة وعلاجاتها!
ولماذا أصبح اللجوء لبعض (جراحات تخفيف السمنة) كالمستجير من الرمضاء بالنار؟!
امتاز عصرنا الحديث بميزات كثيرة منها تقارب المسافات، وقلة الحاجة إلى الحركة لطلب الرزق وقضاء الحاجات. وفي الوقت ذاته ازدهرت صناعة الغذاء، واختُرعت كثير من المحسنات الغذائية، مما أدى للقدرة على توفير ألوان عديدة من الطعام الرخيص واللذيذ، والقدرة على إعدادها في وقت وجيز، وفي كل زمان ومكان، كما هو الحال فيما يسمى بالوجبات السريعة، فأصبح انتشار وباء السمنة أمراً لا مفر منه.
في المقابل، روج أباطرة الموضة وصناعة الأزياء للجسم النحيل كمقياس وحيد للجمال والجاذبية مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي، إذ كانت المرأة الممتلئة رمزاً للجمال في كثير من المجتمعات. ومما زاد الأمر ضغثاً على إبالة، ازدهار صناعة ما يسمى (طرق الحصول على النحافة)، وقد تفننت وسائل الإعلام بشتى أنواعها في الترويج لأنواع هائلة من أنواع الحمية، ووسائل تخفيف الوزن، التي أغلبها هراء، فهي قد تنجح مؤقتاً في تخفيف الوزن، ولكن لايوجد برهان علمي كاف على سلامتها أو نجاعتها على المدى البعيد. ولذلك لا غرابة أن يقع الناس في حيص بيص في التعامل مع السمنة، وانتشرت لديهم مفاهيم خاطئة، مثل أن السمنة ليست مرضاً، وإنما هي دليل على شره الإنسان وكسله وضعف إرادته، وكذلك فهموا خطأً أن التخلص من السمنة أمر سهل جداً، لكنه يحتاج فقط لإرادة قوية، واتباع ما تروج له وسائل الإعلام من أنواع الحمية السريعة والفعالة بحسب زعمهم. وقد ساهم ذلك في تكوين صورة نمطية مجتمعية سلبية عن الشخص السمين، فتعرض لأنواع من الهمز واللمز، والتمييز ضده في شتى شئون الحياة.
ولو ذهبنا إلى عالم الأرقام والدراسات العلمية، لوجدنا أرقاماً مفزعة. فلقد أصبح مرض السمنة وباء عالمياً، تتضاعف أرقامه عقداً بعد عقد. فبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2016، فهناك ملياري شخص من البالغين في العالم لديهم ارتفاع بالوزن (معدل كتلة الجسم = 25 فأكثر) ، وهناك 600 مليون من هؤلاء لديهم سمنة مرضية (معدل كتلة الجسم = 30 فأكثر). علماً بأن معدل كتلة الجسم يتم حسابه بقسمة وزن الجسم بالكيلوجرام على مربع الطول (بالمتر).
ولقد ارتفع معدل الوفيات المرتبطة بالسمنة إلى أكثر من ثلاثة ملايين حالة وفاة في العالم كل عام، فمثلاً تأتي السمنة في أمريكا في المرتبة الثانية بعد التدخين، باعتبارها سببًا للوفاة، يمكن الوقاية منه.
أما الأمراض الطبية المصاحبة للسمنة المرضية، فتشمل:
– مرض شريان القلب التاجي.
– سرطان الثدي والرحم والبروستاتا.
– داء السكري.
– تشمع التهاب الكبد الدهني غير الكحولي.
– خلل شحوم الدم.
– مرض الجزر المعدي المريئي.
– فرط ضغط الدم.
– ألم أسفل الظهر.
– فصال عظمي للوركين والركب والكاحلين.
– انقطاع النفس النومي.
وهناك عواقب أخرى للسمنة، ومنها:
– الاكتئاب.
– اضطرابات الأكل.
– التمييز الوظيفي.
– التمييز في الزواج والعلاقات الحميمية.
– مشاكل المواصلات.
– ارتفاع أسعار أقساط التأمين الصحية.
وتُعدّ السمنة مرضاً ذو منشأ متعدد العوامل، والتي تشمل العوامل السلوكية، والبيئية، والوراثية، والاستقلابية، والعصبية الصماوية، والنفسية. ولكن يأتي العامل الوراثي في مقدمة هذه العوامل وخصوصاً في حالات السمنة المفرطة.
وقد تبوأت جراحات السمنة مكانة مهمة كأحد العلاجات الفعالة خلال العشرين سنة الماضية، حيث وصلت إلى قرابة مائتي ألف جراحة سمنة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها خلال عام 2015 فقط. وتشمل المنبئات للنتائج الإيجابية لجراحة السمنة: الالتزام بالروتين المحدد من قبل الطبيب، والالتزام بزيارات المتابعة. وقد اتفقت الجمعيات العلمية العالمية على ضرورة إجراء التقييم الشامل الجسدي والنفسي والاجتماعي للمرشحين لإجراء هذه الجراحات.
ولقد كان إقحام أخصائيي الصحة النفسية في تقييمات السمنة عائدًا للانتشار الشديد للمضاعفات النفسية والسلوكية لدى مرضى السمنة المرضية. فاضطرابات القلق، مثل الرهاب الاجتماعي (18٪)، والوسواس القهري (14٪)؛ تعدُّ اضطرابات شائعة الحدوث لدى مرشحي جراحات السمنة، وتحتاج بالطبع إلى العلاج. كذلك يعاني أكثر من نصف هؤلاء المرشحين لجراحة السمنة من اضطراب الاكتئاب الجسيم. ففي إحدى الدراسات، كانت معدلات الاكتئاب الجسيم خلال العام السابق للدراسة لدى مرضى السمنة، الذي يزيد مؤشر كتلة الجسم عندهم > 40 كجم/ م2، أكثر بخمسة أضعاف مقارنة بالأفراد ذوي الأوزان السوية. وقد توجد اضطرابات الشخصية في أكثر من 72٪ من المرشحين لجراحة السمنة. ونظراً لميل معظم المشكلات النفسية للتحسن التام بعد جراحة السمنة، فقد استنتج بعض الباحثين أن هذه المشاكل لم تتسبب في حصول السمنة، وإنما كانت نتيجة للسمنة المرضية.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أن معظم المرضى الباحثين عن جراحة السمنة يتبعون حمية غذائية منذ سنوات المراهقة، وذلك بمتوسط خمس محاولات، دون أن تتوقف عملية زيادة الوزن المضطردة. وقد أفاد أغلب مرضى السمنة (73٪) أن الأمراض الطبية المصاحبة للسمنة كانت السبب الرئيس وراء اللجوء لجراحة فقد الوزن، ثم يلي ذلك الأسباب النفسية، وكذلك لتحسين جودة الحياة . وتتحسَّن درجة احترام الذات والجسم بعد جراحة السمنة، وقد تم قياس ذلك باستخدام مقياس احترام الجسم للمراهقين والبالغين .
ولكن ليست الصورة دائماً وردية، فقد أظهرت إحدى الدراسات الكبرى أن 13٪ من سلسلة متتابعة لمرضى جراحة السمنة، قد احتاجوا لإجراء عملية جراحية كبيرة مرة أخرى لعلاج مضاعفات متعلقة بعملية جراحة السمنة. وبالإضافة للمضاعفات الجراحية، فهناك احتمالية حصول عوز في الفيتامينات والمعادن وما تسببه أحياناً من تأثيرات سلبية على الدم والمناعة والعظام والعضلات والأعصاب والقدرات المعرفية للدماغ. كما ازدادت محاولات الانتحار وإيذاء الذات بمقدار 50٪ خلال الخمس سنوات التالية لجراحة السمنة، وخصوصاً لدى النساء، ولدى بعض من كانوا يعانون من اضطراب نفسي قبل الخضوع لجراحة السمنة.
ولكل ما سبق، ولأسباب أخرى لم يتسع المقام لذكرها، اتفقت التوصيات الإكلينيكية العالمية على منع تحويل جراحات السمنة لجراحات تجميلية، تجرى برغبة المريض فقط. وإنما تجرى كجزء من برنامج علاجي متكامل هدفه بالمقام الأول تقليل الوفيات المرتبطة بالسمنة المفرطة، ويُلجأ فيه لجراحة السمنة كحل أخير، بحسب حالة كل مريض على حدة، عندما يثبت أن إيجابيات العملية في حقه أكثر من سلبياتها المحتملة. وهذا البرنامج متعدد الاختصاصات، يضم بالإضافة لجراحي السمنة، أطباء سمنة وتخدير، وأطباء نفسيين، وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، وأخصائيي تغذية.الخ. ويخضع المريض لتقييم شامل جسدي ونفسي واجتماعي وغذائي.الخ قبل وأثناء وبعد إجراء العملية لخمس سنوات، وذلك لتوفير التدخلات الطبية والنفسية والاجتماعية بحسب الحاجة.
وتشمل المعايير الطبية العالمية للجوء لجراحة السمنة ما يلي:
– سمنة مفرطة جداً (أي معدل كتلة الجسم أكثر من 40) ، أو أكثر من 35 فقط في حالة وجود أمراض طبية مصاحبة للسمنة كالسكري وفرط الضغط.
– مخاطر جراحية مقبولة تسمح بإجراء العملية بأمان.
– فشل عدة برامج غير جراحية سابقة لفقدان الوزن.
بينما تشمل موانع استعمال جراحة السمنة الآتي:
– الذهان النشط.
– النهام العصبي النشط.
– اضطراب شديد في الشخصية.
– إساءة استعمال نشطة للكحول والمواد الإدمانية أو شدة الاعتماد عليها.
– التخلف العقلي دون توفر دعم اجتماعي كاف.
– محاولات انتحار أو التنويم بوحدة رعاية نفسية داخلية خلال السنة الماضية*.
وختاماً، أدعو الجهات الصحية المسئولة لتقنين إجراء جراحات السمنة في مراكز متخصصة تُعالج فيها السمنة ضمن برامج علاجية متعددة الاختصاصات. وفيها يخضع المريض لتقييم شامل جسدي ونفسي واجتماعي وغذائي.الخ قبل وأثناء وبعد إجراء العملية لخمس سنوات، وذلك لتوفير التدخلات الطبية والنفسية والاجتماعية للمرضى بحسب الحاجة.
والله من وراء القصد
د. فهد بن دخيل العصيمي
استشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي
والأستاذ المشارك بكلية الطب بجامعة الملك سعود بالرياض-السعودية
*بتصرف واختصار من كتاب الطب النفسي الجسدي، مقدمة في الطب النفسي التواصلي، فصل 24؛ تحرير د. جيمس آموس و د. روبرت روبينسون؛ ترجمة د. فهد بن دخيل العصيمي؛ دار جامعة الملك سعود للنشر، 2014
مقال يستحق تطبيقة في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة المختصة بعلاج السمنة.. حيث ان اغلب أطباء السمنه همهم الوحيد كسب المال من جراء عمليات تكميم المعدة أو عمليات تحوير المسار أو كرمشة المعدة