لاشك أن النقد ظاهرة حضارية وضرورة ملحّة للنهوض بمستوى أداء الأفراد والمؤسسات إلى مستويات أعلى ونتائج أفضل .
 نهضت أمم من سباتها حين فعّلت هذه الظاهرة وكفلت للجميع حق إستخدامها ، لمقابلة كل عمل غير متكامل  وأيّ مبادرة تعاني شيئاً من قصور .
 
هذي الديباجة أعلاه ، لاتلغي حقيقة ربما غابت عن البعض ، تتعلق بوجود قيم ومبادىء  تحكم عملية النقد ، الإلتزام بها يضمن وصوله لأهدافه ، بينما الحيود عنها يجعل من هذا النقد  حجر عثرة ومدعاة لتثبيط العزم ، وبالتالي ركون من لديه رغبة في التغيير الإيجابي الى تلك المنطقة الدافئة ، التي تستدعي عدم الولوج الى حدود التغيير والتي ربما تجلب اليه صداعاً مزعجاً ونقداً هادماً من ماهو معنيّ وغير معنيّ ومن ما هو مؤهّل وغير مؤهّل ، وهذا بدوره يجعلنا ندور في فلك ثابت وغير متغيّر من الأداء !
 
بُليت ساحتنا ببعضٍ من أولائك الذين إمتهنوا النقد لمجرد النقد ، فبينما يعمل ويجتهد الآخرون ويظهر لكل ذي لُبّ جمال مبادراتهم ، وإتجاهها نحو الطريق الصحيح ، يتفرّغ أولائك النقاد ولمجرد النقد ، الى النّظر الى ذاك الجانب الغير مدرك لديهم  من الكوب لجعله مطية لهم في حربهم على تلك المبادرات تارة وعلى أصحابها تارات أخرى !
 
لسنا دعاة لتكميم الأفواه وتحجيم الأراء الناقدة ، بقدر ماندعوا الى أن تنطلق تلك الأراء من أسس علمية ومقنعة وعين مدركة وثاقبة ، تنطلق من أفواههم مباشرة بإتجاه المسؤول إن كان الهدف إصلاحاً عاماً خصوصاً مع سياسة الباب المفتوح المعلنة كمنهج من قِبل رأس الهرم ، ماعدا ذلك لا أرى فيها سوى إثارة للجدل الغير مثمر ومنبعاً لليأس الذي قمنا بتغذية مجتمعنا به على مدار عقود حتى أصبح مجرد الحديث عن مبادرة تحسين ضرباً من الخيال ومغامرة تقتات عليها تلك الأقلام المحفّزة لهرمون الإحباط !
 
إن حاجتنا لسرد قصص النجاح ودعم تلك العقول الطامحة لاتقل أهمية عن النقد ، حيث يعمل هذا السرد والدعم على فوائد ثنائية الجانب ، يعمل أحدها كمصل يغذي تلك العقول المبادرة بوقود محفّز لتجويد تلك المبادرات ، بينما يبني الآخر بيئة خصبة لعقول جديدة متحفزّة لتوليد أفكارٍ أكثرُ جرأةً لتحقيق الأهداف ، وطموح أشدُّ بأساً لملامسة النجاح .
 
وحتى نمارس الإيجابية بجميع جوانبها ، ينبغي علينا شكر ودعم المبادرات الرائدة من جهة ، وممارسة النقد الهادف والبنّاء من جهة أخرى ، الميل إلى جانب على حساب الآخر يجعل منّا إما مطبّلين في حال وسوداويين في حال أخرى !
 
*ما أريد إيصاله ببساطة :*
لنصنع للآخرين تلك المساحة الكافية لإعتاق أفكارهم  من سلاسل التردّد ، دون تقليصها بذلك النقد الهادم والسلبي ، لنساهم بأراء إصلاحية لمبادراتهم تتّسم بالأحترام والتقدير وعدم الولوج في النوايا ، لننطلق في نقدنا من فهم عميق وإدراك واسع بما يجري ، لنكن أداة  بناء لا معول هدم ليس أكثر !