جودة الخدمات الصحية هو مصطلح يعني مدى تحقق النتائج الصحية المرجوة ومدى توافقها مع المبادئ المهنية.. وهي الرعاية التي تمتاز بدرجة عالية من رضى المستفيدين، والتميز المهني ، وكفاءة استخدام الموارد، وتحقق النتائج المرجوة، كما أنها تحد من تعرض المريض للخطر. وتُعرف الهيئة الأمريكية المشتركة لإعتماد منظمات الرعاية الصحية الجودة بأنها: “درجة الالتزام بالمعايير الحالية والمتفق عليها للمساعدة في تحديد مستوى جيد من الممارسة ومعرفة النتائج المتوقعة من الخدمة أو الإجراء العلاجي أو التشخيصي”. أي أن الجودة هي درجة تحقيق النتائج المرغوبة وتقليل النتائج غير المرغوبة في ظل الحالة المعرفية في فترة زمنية معينة.

وقد بدأ استذخدام برامج الجودة في مستشفيات الدول المتطورة وكانت تعتمد على معايير الرعاية التي طورتها منظمات إعتماد المؤسسات الصحية. وفي الثمانينات انتقلت هذه البرامج إلى الرعاية الصحية الأولية في الولايات المتحدة واوروبا، وفي الوقت ذاته فإن ما ساعد على إدخال المعايير للرعاية الطبية هو أدلة العمل والمعايير التي طورتها منظمة الصحة العالمية للحد من إنتشار بعض الأمراض. وبعد عام 1985 بدأت منظمة الصحة العالمية بمشاريع كثيرة أخرى مثل مشروع بحوث عمليات الرعاية الصحية الأساسية باستخدام تحليل النظم و تقييم المرافق الصحية لتقييم جودة الرعاية الطبية.

وفي السنوات القليلة الماضية انتهجت حكومتنا الرشيدة خطوات أساسية وقوية نحو تطوير القطاع الصحي، وكان إلزاماً على جميع القطاعات الصحية من مستشفيات ومراكز صحية تطوير خدماتها من خلال تطبيق معايير الجودة الصحية والإلتزام بمبادئها. وإنطلاقاً من هذا التوجه تم تشجيع وحث القطاعات الصحية على بدء مسيرة صعبة في أولها ولكنها ضرورة. ولتحقيق هذا الهدف خصصت المنظمات الصحية ميزانية مالية للعمل على ترسيخ مفاهيم ومبادئ الجودة لديهم، وعملت على تأهيل الكوادر البشرية، كما تم تشجيع وجود وسيط خارجي تستعين به المنظمات المحلية. ففي حين دخلت للسوق المحلية عدد من الأسماء التجارية المعروفة في مجال إعتماد المنشأت الصحية، بدأ التأسيس لمنظمة لا تقل في مستواها عن المنظمات العالمية في ذات المجال ألا وهي المركز السعودي لإعتماد المنشأت الصحية.. وكان هدفه واضح منذ البداية ألا وهو إرساء معايير الجودة لرفع كفاءة  المنظمات الصحية لترتقي بخدماتها لتصل إلى مصاف المستشفيات العالمية.

وبدءا من هنا واجهت المنظمات الصحية المحلية ثورة من نوع خاص جداً قلبت وجهها بالكامل خاصة وأن معظم هذه المنظمات هي منظمات حكومية تتميز بنمط روتيني من العمل وممارسات غير موثقة ولا منهجية متفشية فيها لسنين طويلة. ومثل هذه الانماط والممارسات يستغرق تغييرها وقتاً ليس بالقصير مما تسبب بدخول بعض المنظمات في حرب مع موظفيها المناهضين لاسلوب العمل الجديد الممنهج والذي يمهد بشكل جيد لإعتماد الجهة كونها طبقت معايير الجودة ..

هي رحلة طويلة من العمل الشاق والجهد في إرساء هذه المفاهيم لتصبح جزء من عمل وتفكير الموظف وتطبيقاته اليومية والحقيقة أن هذه الفترة غنية بثقافة وتدريب مهم ومختلف للموظفين يصقل مهاراتهم ويرتقي بنوعية عملهم يوازي الكثير من الدورات والشهادات، فهي خبرة عملية مميزة في التاريخ المهني.. هذه الرحلة تنقسم إلى عدة مراحل: مرحلة الإعداد، مرحلة الإنطلاق، مرحلة الإستمرار.

بعض المنظمات تتراخي بين مرحلة وأخرى مما يسبب إعاقة وعرقلة لعملية تطوير المنظمات الصحية وبعضها قد يتسبب في إعادة المرحلة بالكامل أو جزء منها.. لذا فإن مرحلة الإعداد ورسم الخطط هي من اهم المراحل التي تستغرق وقت وجهد كونها مرحلة تحث على العمل، وعلى تغيير مفاهيم عمل قديمة، وتغرس مفاهيم جديدة.. فمتى ما اعددت لعملك بشكل جيد كانت مسيرتك خلال الرحلة جيدة ومريحه.. وكذلك مهد لإنطلاق جيد وكذلك ضمن لك استمرارية لكامل العملية.

إلا أن ذلك لا يخلو من المعوقات التي تواجه المنظمات أثناء هذه المراحل وأهم ما يعوق إستمرارية إرساء معايير ومفاهيم الجودة الصحية:

  1. مقاومة الموظفين للتغيير وطرق العمل الجديدة: وهذه من أهم وأصعب المعوقات التي يجب أن يتم التعامل معها. قد يكون من خلال التدريب وورش العمل المكثفة، إشراكهم في مراحل العملية التطويرية وذلك بجعلهم شركاء فاعلين، تنفيذ مشاريع تكريم للموظفين وبالتالي حثهم على الاشتراك والانجاز، التواصل المفتوح معهم، الإستماع إلى أرائهم ومقترحاتهم، النقاش الجماعي والفردي.. وقد يكون سبب المقاومة جهل بالأفكار الجديدة واليات التنفيذ أو الخوف والرهبة مما هو جديد.. مع هذا كله فإننا على يقين بأنه لن يتم إرضاء جميع الموظفين واستقطابهم لهذا التغيير بل سيضل بينهم من يعارض فنحن نتعامل مع بشر متغييرون ومتقلبون ولكن على المنظمات أن تحسن التعامل معهم لكي لا يكون العائق الأكبر.
  2. عدم وجود الأنظمة الإلكترونية الداعمة: فمرحلة الإعداد فيها الكثير من أعمال التوثيق وجمع البيانات ووضع المؤشرات، وكلما كانت البيانات التي تجمع من خلال عمل يدوي سيضل هناك أخطاء ونسبة دقة معينة. لذا فإن استخدام أنظمة إلكترونية تدعم العمل خلال هذه الفترة من حيث التوثيق، جمع البيانات، الإحصائيات، التصحيح … الخ وتجعل مرحلة الإعداد تمهيداً جيداً لمرحلتي الإنطلاق والاستمرار. وغيابها سيكثف الجهد على الموظفين فمتابعة الأوراق متعب ومجهد لموظفين في مرحلة تغيير شامل..
  3. عدم المتابعة: فجمع البيانات والمؤشرات تحتاج إلى متابعة في جمعها وتحليلها ومقارنتها خلال فترة زمنية معينة ومتى ما توقف ذلك أو تأخر أخل بالعمل والتطور وبالتالي بخدمة المريض و أوجدت هوة يصعب تفسيرها.
  4. تضمين اللوائح الخاصة بالمنظمة اجراءات الجودة: وذلك فيه الزام شامل وضمني فمتى ما كانت اللائحة تحث على التفكير والعمل والانجاز من خلال معايير الجودة متى ما سهل عملية التغيير..

هذه مجموعة بسيطة من معوقات التغيير التي يجب التعامل معها في وقت مبكر. كما يجب أن تحظى بإهتمام الإدارة العليا في المنظمة، ولكلٍ منها حل إذا بكرت في التخطيط المبكر لها.. ومن هنا خرج مصطلح إدارة التغيير، فبعض المنظمات عمدت إلى إنشاء إدارة أسمتها “إدارة التغيير” تعنى بالتدابير التي تنتهج لتحويل أو انتقال الفرد، فريق عمل، أو منظمة من حالة راهنة إلى حالة مستقبلية منشودة. وهي إدارة تهدف إلى مساعدة أصحاب المصلحة لقبول وبالتالي تبني التغييرات في بيئة الأعمال الخاصة بهم لتحقيق أقصى قدر من المنافع للمؤسسة والتقليل من آثار التغيير على العمال وتجنب الانحرافات عن المسار..

وعلى وجه العموم فإن أهم داعم لهذه العملية هو تبني التطور وليس التغيير فمتى ما كان هناك فكر قيادي متطور ذو رؤية مستقبلية، كلما ساعد ذلك في إرساء مفاهيم ومعايير الجودة الصحية في المنظمات الصحية وبالتالي انعكس على خدمة متميزة للمرضى.

 

 

 

أ. ماجدة عتيبي الكناني