التواصل الصحي في ظل التحول الوطني
يعد التواصل الصحي أداة هامة للمنظمة الصحية لايصال رسائلها للمجتمع أو المريض على حد سواء ، و في ظل التحول الوطني الذي نشهده اليوم لمواجهة التحديات الصحية إلا أننا بحاجه أيضا لتطوير منظومة التواصل الصحي لترتقي مزامنة مع التحول الوطني في القطاع الصحي ، فلم يعد مقبولا وجود مستشفى بقدرات كبيرة طبية وتقنية وتخصصات متنوعة و في المقابل مستوى متدني من التواصل الصحي .
يُعرف التواصل الصحي على أنه دراسة وممارسة التواصل من أجل الترويج للمعلومات الصحية و حملات الصحة العامة والتثقيف الصحي وإدارة العلاقة بين الطبيب والمريض . والهدف من ذلك هو التأثير في الخيارات الصحية الشخصية و محو الأمية الصحية (NCA) .
و في الحقيقة هناك بعض الممارسات الجيدة في هذا الصدد إلا أن هناك أيضا أمثلة عدة لممارسات خاطئة ، فإذا ما نظرنا اليوم لواقع التواصل الصحي بين الطبيب والمريض نجد أن الحاله ليست جيدة كما يجب ، فهناك نقص واضح في هذه المهارة الهامة جداً والتي قد تكون مصيرية في بعض الأحيان ، وحول ذلك توجد الكثير من الأمثلة فبين طبيب لا يولي أهمية لحديث المريض ومعاناته و يعد مستمع غير جيد ، الى آخر لا يجيد التصرف الاتصالي مع الموقف وبالتالي نهاية لا تحمد عقباها .
أحد الاصدقاء يحدثني قائلا : قمت بزيارة لعيادة أحد الاطباء في مستشفى حكومي و بعد أن قام بالتشخيص وكتابة الوصفة الطبية سألته عن موعد تناول الدواء فقال لي يجب أن تتناوله مساءاً وعند سؤاله ليطمئن قلبي بأن أخي يستخدم نفس الدواء بينما يتناوله صباحاً ! استاء الطبيب وبدأ بالحديث معي بنبرة مختلفه قائلا ” أنا الطبيب أم أنت ! ” . توجهت بعد ذلك للصيدلية لأخذ الدواء و قمت بسؤال الصيدلي ذات السؤال ليجيبني “تناوله صباحاً ! ” فقلت له : بأن الطبيب ذكر لي أن أتناوله مساءاً ! ” ليؤكد الصيدلي على معلومته بأن أتناوله صباحاً وغادرت بعدها خارج المستشفى حاملا بيدي الدواء جاهلاً موعد تناوله المناسب ! .. هذه القصة والتي تعد واحدة من العديد من الأمثلة على التواصل السيء يتضح جلياً من خلالها ضعف مهارات التواصل لدى الطبيب والصيدلي فالمريض في وضع يجعله قلق جداً بشأن دواء جديد يتوجب عليه تناوله لفترة معينه و في المقابل هناك عدم مراعاه من الطبيب لسؤال المريض والتعامل معه بطريقة غير احترافيه لم يتم فيها احتواء قلق المريض وتخوفه بل ربما قد فسر الطبيب سؤال المريض بطريقه مختلفه جعلته يتعامل بهذا الأسلوب في حين كان يجب على الصيدلي أيضا حين سأله المريض التواصل مباشرة مع الطبيب للتأكد من الموعد المناسب دون اشعار المريض بأي أمر مريب لكي لا تزداد مخاوفه حول الدواء بدلاً من وضع المريض أمام خيارين تجعله في نهاية المطاف يمتنع عن تناول الدواء لعدم ثقته في حديث الطبيب والصيدلي ، كل هذه الممارسات الخاطئة والتي تعد ضعف في مهارة التواصل الصحي قد تسهم أيضا ً في عملية هدر الدواء لان ثقة المريض أصبحت شبه معدومة نتيجة العلومات المتضاربه التي قد تدفعه لعدم تناول الدواء بالاضافة لتجربة سيئة للمريض وصورة نمطيه ليست جيده عن الطبيب و المستشفى بشكل عام ، كل هذه الآثار كانت بسبب تواصل سيء بدأ من الطبيب !
واذا ما تطرقنا للتواصل الصحي بين المنظمات الصحية والمجتمع فالأمر لا يختلف كثيراً عن أهميته مع المريض، كما أن الواقع لا يبدو على ما يرام أيضاً ، ففي ظل تطور التواصل اليوم والذي أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعي سيدة الموقف ، لم يقابل ذلك بادارة جيدة لحسابات المنظمات الصحية والمستشفيات فما نشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي للحسابات الخاصة بالمنشآت الصحية ليست ممارسات احترافيه ، بل هي اجتهادات لا ترتقي لوعي المجتمع المتزايد يوما بعد يوم ولا لذائقتهم التي تغذت على اعلام آخر يتطور بشكل سريع ، فهناك مستشفيات لا تفصل بين إدارة التواصل الداخلي والتواصل الخارجي فتراهم يستخدمون المنصات الاجتماعية ليقدموا التهنئة لأحد منسوبيهم بمناسبة حصوله على جائزة ما أو ترقية حصل عليها آخر او إعلان الفائز بمسابقة ترفيهية أقيمت لموظفيهم كل ذلك على حسابات المستشفى في مواقع التواصل الاجتماعي ! والتي كانت من المفترض ان تتم عبر ادارة التواصل الداخلي للمستشفى لأن المجتمع والمريض لا علاقة لهم بكل ذلك ، كما أن الهدف الاسمى لوجود مستشفياتهم على هذه الشبكات الاجتماعيه هو سهولة وصول المريض للمعلومات الصحية والتثقيفية و مواعيد العمل و العيادات التخصصية و مؤهلات الأطباء و مشاركة المجتمع والمرضى المناسبات الصحية المختلفة .
باعتقادي أن المستشفيات اليوم بحاجة لإعادة هندسة التواصل الصحي بشكل عام و وضع سياسات أكثر احترافيه لممارسات التواصل الصحي لمنسوبيهم أو حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي لتتماشى مع الخطط الاستراتيجية للتحول في القطاع الصحي ، فلا يمكن أن يدار ذلك باسلوب إدارات العلاقات العامة التي بدأت تتلاشى في المنظمات الصحية الأكثر احترافية ليحل مكانها ادارات التواصل و الإعلام الصحي بوظائف مختلفة كصانع محتوى ومثقف محترف ومحلل معلومات ومصمم انفوجرافيك و مدقق املائي وغيرها من الوظائف الحديثة التي تصنع التحول في التواصل على هذه الشبكات الاجتماعية كما نحن بحاجه ماسة لتدريب اكثر احترافيه وممارسات عملية لتعزيز التواصل الصحي للممارسين الصحيين ، ولعلي أشير هنا لقرار الهيئة السعودية للتخصصات الصحية مطلع هذا العام 2019 بتأسيس جمعية أخلاقيات المهن الصحية والتي سيكون لها دور في تعزيز جانب التواصل الصحي للمارسين الصحيين للوصول لعملية صحية اخلاقية متكاملة من التواصل ترتقي لمرضانا ومجتمعنا و رؤية وطننا الطموح 2030 .
وأخيراً لا يمكن أن يُختزل التواصل الصحي في هذه الأمثلة فقط فهناك ارتباطات أخرى وثيقه بالتواصل الصحي كالتسويق الصحي و العلاقات الخارجية والاتفاقيات المتبادلة و المسؤولية الاجتماعية وغيرها الكثير و الحديث يطول حول هذا المجال وكل ذلك يبدأ بادارة محترفة للوصول لأساليب علمية وعملية والاستفادة من تجارب المنظمات الصحية العالمية للوصول للهدف المنشود.
مبارك عليكم الشهر الفضيل
وكل عام وانتم بخير.
كلام في الصميم .. شكراً أيها الكاتب .. نسأل الله لك التوفيق .. ونفع الله بك
جدة – السعودية