لم ولن أكتفي من شكرهم، 

تعجز الكلمات عن تصويرهم، وكل ما رأيته لن أستطيع وصفه،

تعجز النفس عن وصف اخلاصهم تفانيهم اتقانهم شغفهم للدور المناط بهم في ذلك القسم من المستشفى،

ملائكة ام فرسان ام ماذا؟

فقد حققوا تطبيقاً عملياً لسياسات عمليات الأمن والسلامة أمامي وتم تحقيق معايير خطه الطوارئ مكتملةً بصورةٍ تناغميةٍ مدهشة في مشهد رائع. وكأنني أشاهد تنفيذاً حرفياً لخطط طالما راجعتها سابقاُ ولسياسات ساهمت في انشائها وتنسيقها في احدى محطاتي السابقة.

تم الإعلان عن الكود الأصفر والذي يدل على وجود كارثة خارج المستشفى تسببت في توافد أعداد هائلة من المرضى إلى قسم الطوارئ لدينا وتم استدعاء جميع العاملين بالخدمة الطبية حينها ليتعاونوا من أجل إنقاذ المرضى المتوافدين على المستشفى.

أعلم أن أهم خطوة في أكواد الطوارئ هي ان العاملين بالمستشفى يتم تعريفهم بالأكواد وتدريبهم على أدوارهم في كل كود (حالة طوارئ) ويتضمن ذلك معنى كل كود وكيفية الإبلاغ عنه. ومعرفة كل موظف لدوره في كل حالة طوارئ.

لن أصف روعة التدريب للموظفين والموظفات على أدوارهم المتوقعة ولا وقت لوصف إمكانيات التأهيل الواضحة للتعامل مع الكوارث ولا سبيل لذكر التجهيز المكتمل المسبق للمعدات والاحتياجات التموينية في حالة الطوارئ

لن أصف كل ذاك وسأكتفي بشكرهم… بشكر فرسان الجناح الطبي او قسم الباطنة بمستشفى منى الوادي بقسميه (الرجال والنساء) – من اطباء وتمريض.

كانت مهمتي هي ضبط جودة اداء الفريق المقدم للخدمة، كعضوة في فريق (أداء) ومابين التأكد من تسجيل جميع البيانات في ملفات المرضى من قبل الاطباء او التمريض ومابين تجميع بيانات المؤشرات والتأكد من استيفاء المتطلبات والنماذج في الملفات كان لابد لي من ملامسة افعال هؤلاء الفرسان النبلاء عن قرب، كل ذاك الإلهام المحفز، هم من كانوا سببه. وكل تلك المشاعر الفياضة، هم من أيقظوها، هم الفرسان ‏.

فرسان قصتي من اطباء وتمريض، كانوا فخراً لنا بكل ما تتحمله الكلمة من معاني. فخدمة الحجاج وضيوف بيت الله شرف ورفع قدر ومكانه بالتأكيد، اقتصرت مهمتي على ضبط الجودة في القسم ومراقبة الأداء لكنني وجدت نفسي غارقة في كم هائل من المشاعر والسلوكيات الإنسانية الملهمة وكم هائل من الأحاسيس والذكريات المفعمة بالشجن،

طاقم اطباء وتمريض الباطنه في المستشفى يومياتهم ماهي الا ساحة حرب لمقاومة الموت والنزف وتوقف النبض وماهي الا معركة لصد الحزن والاستسلام والوجع، يدافعون باستماته لإنعاش مريض ويتمسكون بآخر امل ويستخدمون كل التقنيات والادوات الموجودة لحماية الارواح وكل ذلك في محيط تملؤه رائحة اليود والآهات، رائحة المطهرات ومنظر الجروح، رائحة الأدوية‏ وسيل الاوامر، رائحة المحاليل ودموع الاقارب والاهل، رائحة الدم واصوات اجهزة قياس النبض والضغط،

ليست بالبيئة العادية او بالبيئة السليمه الطبيعية للعمل!! انه محيط مشتعل بالتوتر والتوسل والاداء السريع والقلق والاستجابة الاسرع والتحليل الادق والتنفيذ الاكثر احترافية،

اعود بذاكرتي ليوم الكود الاصفر، ولماحصل بعد النداء لهذا الكود، واعود لفرساني ولاصطفافهم السريع بأسرتهم المجهزة الكاملة لاستيعاب القادمين والمحولين من قسم الطوارئ،

استيقظ النائمون بالسكن الداخلي من تمريض وأطباء لأجدهم في الصفوف الأولى. توقف من كان يتناول طعامه. ومن كان يسجل ملاحظاته على جهاز الحاسب.  الجميع بلا استثناء تركوا مواقعهم خلال ثواني ليتوجهوا للساحة الرئيسية للقسم. أحببت تركيزهم وصمودهم.

سيمفونية نجاح مبهرة سريعة قادتها رئيسات التمريض في القسمين النسائي والرجالي بطاقمهما وسعى الاطباء والطبيبات للعزف معهم متنقلين بين الأسرَّة والمرضى !! 

لم تتمالك دمعتي المنظر! ان للموت رهبة.

 وكودٌ ازرق مفاجئ لحالة إنعاش قلبي رئوي اصابني بقشعريرة.

وفريق التدخل السريع يتنقل بين السرر.

وساد الهدوء فجأة،

لم يكن يحمل ذاك الهدوء الا حالة من الاتعاظ والترقب والتوجس!

ماذا ايضاً !؟

الكل ينظر للأبواب! 

نظرت حولي فوجدت الممرضات يعملن على تركيب المحاليل والانابيب والاطباء يكتبون في الملفات ويتحدثون الى ذوي المصابين والمرضى والعمال ينظفون الملاءات المتسخة ويجمعون كوم القطن والشاش وتنبهت لصوت المطر يتساقط في الخارج معلناً ان رحمة ربي وسعت كل شيء، وماهي الا ساعة واستقر الحال.

وفي مدة وجيزة سيطروا على الوضع تماماً وأعلنوا الكود الاخضر، الكود الذي يعني استقرار الحالات أي انتهاء حالة الطوارئ.

كنت اود أن اشكرهم بطريقتي وأن أوثق لهم أعمالهم في فيديو او صوراً ليستطيعوا مشاهدته دائماً ولكن هيبة الموقف لم تسمح لي، والصور الصامتة لن تتحدث ولن تقول ولا جزء مما فعلوه هناك،مالم تقله الصور الصامتة، كان وسيكون رسائل ايجابية عن جودة سلوك بشري ملهم للعالم كله، 

كيف ستتحدث الصور وتخبرنا عن انسانيه الطبيب الذي يحاول ان يطمئن مريضه وزوجته ويحضر لهما الماء والطعام بنفسه، ؟؟

كيف ستخبرنا الصور عن الطبيبة التي بحثت في كل القوائم عن مترجم ايراني بنفسها ليتواصل معها من اجل مريضتها؟؟

مالم تلتقطه العدسة! كان صعود وهبوط اخصائي القلب بين الادوار بعربة أجهزته لعمل تخطيط القلب لكل حالة الم في الصدر،مالم يكون في حيز التوثيق، بحث ذاك الطبيب عن شاحن جوال بنفسه لمريضه ليطمئن اهله وحملته على احواله،

مالم تصفه الصور! منظر تلك الممرضة وهي تطعم مريضتها الجائعة وتسند كتفها بيدها وتغطيها عندما تبرد وتحرص على قراءة مؤشراتها الحيوية،

مالم تصفه الصور، احتضان ذاك الممرض لمريض عجوز يبكي ويسأل عن زوجته الضائعة،

لن تستطيع الصور توثيق دور المشرفات والرؤساء في انسيابية العمل وسلاسته بتقديم كل الجهد لتوفير كامل المستلزمات والمواد العلاجية والمواد الطبية،

لم توثق الصور أبدا ما فعلته إدارة قسم الأجنحة الطبية من مجهود ومن مكالمات ومن تنسيق ومن تذليل لكل العوائق اثناء العمل،

ما ستعجز الصور عن قوله، قصة الشجاعة والنبل والانسانية التي لمستها في كل الطاقم بتقديم ما لديه من خبرات ونصائح لدعم المريض وأسرته

اولئك الفرسان، هبة السماء لنا على أرض المشاعر. فتحركات المرضى وآلامهم صيغت في اذانهم كأوامر يتجاوبون ويتفاعلون معها بكل حرفيه وخبرة، ولكل طلب هم جاهزون ولكل تأوه هم مستمعون،

يالسعادتي وفخري بمهنيتهم العالية.

 يستحق هؤلاء الفرسان ان نذكر ما صنعوه يوم 11-ذي الحجة -1440هـ في قسم الباطنه في مستشفى منى الوادي كأحداث تؤرخ تاريخياً وانسانياً، 

انتهت حالة الطوارئ في مستشفى منى الوادي لتعلن مشاعري عن كود أصفر على طريقتها وحالة تأهب قصوى على خلفية التطورات التي شهدها عقلي وقلبي من فرساني وابى قلمي الا ان يوثق ما حصل منهم وماحصل لهم وماحصل فيهم،

أخيراً لا يسعني الا القول: شكراً لكل ممرضه وممرض، شكراً لكل طبيب وطبيبه،

وكلمة شكر لن تفيهم حقهم ابداً،، ومعاً للارتقاء بجودة الخدمة الصحية  بكوادر مؤهلة أمثالهم..

ستظل تلك الصور عالقة في ذهني للأبد وستظل كلمات الشكر عاجزة حقاً.

 لكم عظيم تحيتي ولكم وافر تقديري.

الآن فقط! تعلن مشاعري انتهاء حالة تأهبها حتى إشعار آخر…

 

 

 

ايمان أسامه شرف

أخصائي جودة

مدقق داخلي

12/12/1440هـ