لقد احترقت شهادتها مؤخراً على عصر المألوف. وقدرتها على التغيير. وأتى الآن زمن المختلف والمبتكر والمستبعد!

استيقظت إرادتها على غير عادة. تشكو تأنيب الضمير لعدالة القادة. هل اخفى توهجها الحظر مؤخراً؟

يدور الكل باحثاً حول قرصها. ففي مدارها يجدون الاحتواء. وفي كنفها يتنعمون بالانتماء.

وتلك الكورونا الجاثمة على بابها تقيد إشراقتها. والأسر على الورق يفتك بمخيلتها…!

يال الصداع المزمن والقلق المستبد. وكأن ضوئها الخافت يستنجد. أليس هذا بزماني…؟

نعم انه زمانها. زمن شمس الجودة.

القت ‏جائحة كورونا بظلالها الثقيلة وتوثبت شمس الجودة لتلقي بسحر أوجها على الساحة، في ظل متغيرات متسارعة وأدركت بأبعادها بأن الاستسلام والرضوخ لأمر » كورونا «ليس من خصائصها. فكانت المقاربة الردعية في ظل حالة الطوارئ الصحية هذه. كان تركيز البعض في الجوار على حافز خارجي ،وأمَا الجودة فقد كان حافزها داخلي، الا وهو قدرته الذاتية على التئام الجراح بالتسديد والمقاربة. انه منهج الجودة. فأداة الجودة هي التفكير في المستقبل وهي أداة في أيدينا قائمة، حتى لا تطغى علينا أحزان وكآبة الحاضر فتدمر ما نمتلك من أهداف أو أحلام مستقبلية.

سمعتهم يقولون ما دور الجودة في الأزمات…؟ وهل خلقت الجودة إلا للأزمات…! مالذي يصنع الازمة حقاً. ؟؟ العمليات الناقصة أم الإجراءات المكررة. ؟؟ الجودة هي العلاج هنا. فهي تبحث دائماً عن العمليات الناقصة لتكملها. والزائدة عن الحاجة لتلغيها. والمملة والمكررة لتعيد صياغتها.

كانت عدة قوى تتجاذب شتات الفكر والحدث كان مفاجئاً. وفي نفس الوقت كثرت الضغوط لإنقاذ النفس البشرية. وكذلك الصراعات الداخلية وأصبح التضارب بين المشاعر المختلفة واضحاً، فما الحل؟ إن مواجهة الصراع القائم والتغلب على أسبابه هو أفضل حل ولا علاج الا بالعودة لها… للجودة.

الجودة كانت ومازالت لها دور كبير في هذه الجائحة على عدة محاور. كالإشراف على تسيير العمليات وصياغة الاستراتيجيات المتبعة في التعامل مع الأزمات وتنفيذ الإجراءات الوقائية والمشاركة في لجان التخطيط لمواجهة كورونا واعتمدت السياسات الإدارية والطبية والوبائية تحديدا، وقامت بمتابعة أعمال إدارة المخاطر وإدارة مكافحة العدوى والتحقق من مدى كفاءة خطط الإدارات المختلفة على إحتواء الأزمة. درست الجودة أيضاً مدى فاعليه القرارات ووضعت لها مؤشرات الأداء KPI، للتأكد من سلامة المرضى والطاقم الطبي.

لم تكن أحلام الجودة سهلة وقد كانت آمالها صعبة المنال وحققتها دائماً. تحدَّت الجودة حواجز كثيرة ومعوقات كبيرة. وأثبتت نفسها في شتى ميادين العمل وفي مجالات مختلفة. ومن الأقدر على حل المشكلات غيرها…؟

إن إدارات الجودة في المملكة العربية السعودية تُعد من الإدارات الرائدة على مستوى دول العالم. احتوت العقليات الفذة فكونت لها مدرسة أصيلة صارمة في مواجهة التحديات الجديدة، ولها القدرة التخطيطية، التنظيمية، التوجيهية، الرقابية، ولها القدرة على التوظيف أيضاً. وفي ظل زمن كورونا هناك فرص كثيرة للقضيتين الأكثر مداولة في أروقة الجودة. تحسين الأعمال وإجراءاتها وتقليص الهدر. وبيدها أن تطوع أدواتها لحلهما. وذلك بفهم أنظمة الايزو والإستخدام المناسب لتطبيقات الـ 6 سيجما وبقيادة التغيير وبإطلاق العنان لإبداع العصف الذهني.

إن قوة الجودة تكمن في مهمتين الا وهي التركيز على العميل وتحليل البيانات. فالبيانات بالغة الأهمية للتعرف على المدخلات Inputs والعملية Process والمخرجات Outputs، والتحسين لا يتم بصورة عشوائية وإنما من خلال تحليل البيانات. والبيانات لا يمكن بمفردها أن تحل مشاكل كل من العملاء والعمليات الناقصة وهنا يأتي دور إختيار المنهج العلمي المناسب: منهج ديمينج أو كما يسمونها دائرة أنشطة الجودة الشاملة (PDCA) بمعنى خطط (Plan)، افعل (Do)، تحقق وافحص (Check)، ثم اعمل أو نفذ (Act)، أو يمكن استخدام منهج أو نموذج (ديماك) (DMAIC) وهو المرتبط بمنهجية برنامج 6 سيجما والتى تعنى: التحديد (Define) والقياس (Measure) والتحليل (Analyse) والتحسين (Improve) والمراقبة (Control). كذلك يمكن اعتماد أسلوب بطاقة الأداء المتوازن (Balanced Score Card) هو أسلوب حديث ومتكامل يساهم في دمج التصور المالي مع عوامل السوق والتشغيل والإنتاج والموارد البشرية، من أجل ضمان تحقيق الاستراتيجيات المحددة والرقابة عليها بما يكفل تحقيق الأهداف المرسومة وتقييم الأداء وتطويره في ضوء تلك الأهداف.

الجودة هي محاكاة الواقع وتجويد العمل والرؤية الجريئة. هي التخفيف عن المعاناة ‏بالسيطرة على المخاوف. إنها التخطيط الاستراتيجي. انها المستقبل. هي تحسين الأعمال. هي تطوير البيئة. هي بلسم الموظفين. كيف لموظف يعلم ان أدوات الجودة تحميه أن يخاف او ان يتردد بأداء أفضل ما لديه في ظل هذه الازمة!؟

أداة التخطيط تلك تعلمنا ما يجب ان نتداركه ومالذي حصل؟ انها تجيب على أسئلتنا. فتخبرنا بما لنا وما علينا!؟ ومالذي سنسعى لتعديله او لتغيره اولاً؟؟ ماذا نريد أن نفعل؟ أين نحن من ذلك الهدف الآن…؟ ما هي العوامل التي ستساعدنا أو ستعيقنا عن تحقيق الهدف؟ ما هي البدائل المتاحة لدينا لتحقيق الهدف؟ وما هو البديل الأفضل؟

إنها التوجيه. ووظيفة التوجيه تكمن في التحفيز، أو القيادة، أو الإرشاد والاستفادة من العلاقات الإنسانية، ومقدرة الجودة على توجيه الناس تبرهن دائماً. وحسن قيادتها سابقاً اثبت مدى فعاليتها. وقد ألزمت الجائحة الى ما يزيد على نصف سكان الكوكب على العمل من بيوتهم وسيكون لهذا التأثير الأطول على أنماطهم البشرية وسلوكياتهم ولهذا السبب يعتبر التوجيه هو الوظيفة الأكثر أهمية الآن للجودة.

إنها التدريب. فمن سيهتم بزيادة مهارات الموظفين خصوصاً بعد ما تغير الزبون المحتمل وتغيرت بيئة الإحتياج؟ إنها الجودة بالتأكيد. إنها التطوير أيضا… فمن سيهتم بإعداد الموظفين لإعطائهم مسؤوليات وبرامج وتحديات جديدة لإنجازها وتطبيقها على أرض الواقع غير الجودة؟

إنها التنظيم. حيث سيتم تحديد أنشطة العمل التي يجب أن تنجز لتحقيق الأهداف التنظيمية. ومن يملك أداة تصنيف الأعمال المطلوبة ومجموعات العمل إلى وحدات عمل إدارية غير الجودة وأدواتها …؟ حيث يتم التفويض إلى أشخاص مناسبين بالمساعدة على تصميم مستويات إتخاذ القرارات.

وأخيراً.من سيساعد على التوظيف حينما يتم التنبؤ باحتياجات المؤسسة من الموظفين بعد مقارنة إحتياجات العمل بالموظفين المرشحين لسد هذه الإحتياجات. !؟! لن يقوم بذلك أيضاً الا الجودة.

تلزمنا الجودة أيضاً بتطبيق نظام إدارة المعلومات للوصول للتغيير الشامل وهو المرغوب حالياً على الساحة فلتكنولوجيا المعلومات دوراً مهماً في تحديد نجاح أو فشل إستخراج البيانات المفيدة للمؤسسة وفي الحصول على معلومات ذات قيمة عند إستخدام قواعد البيانات ولتحقيق ذلك لا بد من سهولة إنسياب المعلومات بين المستويات الإدارية من خلال ثقافة تنظيمية مرنة تقوم على التشاركية والحوار البناء لتعزيز تدّفق وإنتقال المعلومات بصورة سريعة ودون معوقات

إن صناعة النجاح تستحق ان نعتاد يومياً على خوض المغامرات، التي تهبنا التغيير وتمنحنا فرصاً لصنع قدرات مؤهلة على الكفاح، وتلهمنا لتهيئة وتنمية الانسان. تتحدى شمس الجودة كلأ من (التزام الإدارة العليا، سياسة واستراتيجية المؤسسة، إدارة المورد البشري، الشركاء والموردين، إدارة العمليات، الاندماج في البيئة المحلية) لتثبت بقاؤها واستمرارها.

وينحصر فكري فجأة واتساءل هنا. هل للمقارنة المرجعية مساحة؟ ماهي أفضل المؤسسات التي قد نقارن أنفسنا بها…؟ ابحث عن أرقام تحكي قصص البطولات والخروج من الأزمات؟ في زمن الأرقام سابقاً. قتلت المقارنة المرجعية عقلية الواقع المنتجة. وجعلت المنافسين أكثر من مبتكرين، أمَا الآن…! فالإبتكار لازم وواجب، والإبتعاد قليلاً عن واقع التنافس القديم متطلب رسمي… هنا تستعد شمس الجودة للخروج من نمطيتها وسكونها وبإشراقتها المعتادة. فعلى أجنَدتها خطط ومرئيات وهي القادرة على الإصلاح. تتحدى بقدرتها وأدواتها الوضع الجديد…. تعود الذاكرة بالجودة لتذكر قصص مقاومتها الأخيرة في بناء نجاحاتها على ساحات (رضا الزبون، ورضا المورد البشري، وحصر العمليات الداّخلية، ورفع النتائج المالية) وتستمد طاقتها من تلك القصص ومن خيال التطوير.

قريباً كانت قمة الإنسانية تتصارع مع قمة المهنية. وها نحن في مرحلة التعافي واستعادة النشاط.  العواطف كانت متضاربة والأعمال كادت ان تتوقف. هنا أعلنت شمس الجودة عن ظهورها. بينما قامت الأهداف اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺤﻤﺎﻳﺔ النفس البشرية، امتثلت المهنية المطلقة لأوامر الجودة واعتمدت على قائمة من المعايير والأدوات والسياسات المتعلقة بالخدمات الصحية لتنجح. وعلى كثير من الخيارات الاقتصادية الذكية لتتميز. كان الموقف محيراً فتحولت مهنة النبلاء هنا الى رقم ومؤشر. إمَا انحسار وإمَا انتشار! وتصارعت الملائكية التي جعلت منهم أطباء وحماةً للأرواح مع قدرتهم لتحقيق معايير الجودة والإنجاز المهني وبرغم ذلك الجو المشحون وبرغم الصراع للوصول لقمة جودة الاداء… سينجحون.

                                                                                                                         

ستنتهي الازمه قريباً وتنتظر إشراقة شمسها من جديد على أيدي كفاءات وطنيه نثق بقوة عطائها، متبنيه للأسلوب الإداري المتميزِّ، معززة لقدراتها التنافسية للإرتقاء بنفسها إلى مرتبة النجّاعة، ولتكون بحق في مستوى التحّديات الرّاهنة والإجراءات التصحيحية في مرحلة ما بعد حدوث الأزمة الصحية المفاجئة.

نعم انه زمانها… زمن شمس الجودة …. ومازالت تحدياتها قائمة.

==//،،//،*،//،،//==