يذهلني أحياناً واقعنا الأليم حينما أفتش في ثقافة الأفراد واتجاهاتهم نحو ممارسة  الإخلاص وتحقيق الأمانة وأداء أخلاقيات المهنة التي يعمل بها ، لا سيما اذا كانت مهنةً انسانية -كالأخصائي النفسي والطبيب والممرض النفسي ..

وتفاجأت لما علمت أن إتقان المهنة والإخلاص في بذلها مشروطاً لدى بعضهم بشروط تحدد هل يستحق أن أجيد في مهنتي أو لا يستحق!!

فإذا كان راتب القطاع الذي يعمل به ممتازاً ويتّسم بمزايا وبدلات محفزة للعمل  فسيتفانى فالبذل والالتزام لآخر دقيقة في دوامه اليومي بل قد يتأخر في الخروج ،فيما لو افُتقد المحفّز الخارجي و غابت الرقابة الادارية الصحية على المنشأة التي يعمل بها وسَلِم من مَن يقف على رأسه ويقيم سيره في العمل فسيكتفي بتقديم -حد الكفاية -في عمله وممارسته، قائلاً(ويخبّ عليهم )كما تقول عامة الناس ،”فليس هناك مايحمّس للاتقان والجهد والبذل”كما يزعم. 

وأذكر موقفاً لن أنساه ما حييت ، سبب لي ألماً وحسرةً وصدمة وكشف لي أفكار ودوافع بعض العاملين -ولعلهم قلة- في المجال الصحي كممارس ،ولا تثريب عليه !! فقد لا تحمكه المبادئ القيمة لمهنته والنزاهة والرقابة الداخلية ،ذلك عندما اتصلت بأحدهم لأستفسر عن الجهات المختصة بتدريب الأخصائي النفسي للحصول على رخصة مزاولة المهنة للممارس الصحي من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والتي لا يستطيع الطبيب أو الممرض أو الممارس الصحي العمل بدونها -فدلني على بعض المستشفيات وأدلى ببعض الامور المهمة التي تساعدني في اختيار الجهة المناسبة -ثم همس لي وقال :”فيما يختص بشاهدة الـ CPR (وهي شهادة اجتياز دورة الانعاش القلبي الرئوي من مصحة التدريب)-وهي من متطلبات الحصول على الرخصة-فأنا أعرف صديقاً عزيزاً لي يعمل في المستشفى الفلاني تعطيه مبلغ وقدره ويمنحك الشهادة في ظرف دقائق دون حضور الدورة ..

 

حقيقةً لتوي أعي أن بعضهم يستخف بحياة البشر بسذاجة ،وانه قد يشتري بماله شهادة ورقية مقابل ان تضيع حياة انسان .. 

فلو قُدّر لفرد ما أن يصاب أو أن يفقد الوعي وحياته متوقفة بعد الله سبحانه على انعاش قلبه بحركات يدوية لا تحتاج لأجهزة وكلفة مادية -فقط يحتاج لمن يحيط بها علماً وينقذ بها أنفاسه، ومن الخذلان بمكان ان تقف على رأس مريض بين الحياة والموت وأنت ممارس صحي لا تجيد أقل متطلبات المهنة الإنسانية و أدنى فنيات الاسعافات الأولية ..

 

أو هكذا تفكيرنا يحدو بنا لدفع الورق من أجل الالتحاق بمهنة دون الحصول على أساسياتها ؟؟؟؟

يا الله ..أوجعني فكري وعقلي وقلت بداخلي والتفاؤل يربّت على قلبي علّنا نرتقي بأهدافنا وأماناتنا في وقت مقبلٍ قريب ،ولتستفق أيها الانسان انك المخلوق الوحيد على وجه الارض المكلف بالأمانة من خالقك سبحانه .

 

ينتابني الغبن حينما أدرك أن بعضهم لا يملكون قيماً نبيلة ودوافعاً إنسانية تجعله يقدم المساعدة للبشر لأجل مساعدتهم ونفعهم ومعونتهم على أنفسهم وتفريج كرباتهم ومسح آلامهم والحد من استشراء أمراضهم ،لا أعلم مكمن الخلل ومصدر المشكلة!! 

لكن لابد أن تُسائَل تلك المؤسسات التعليمية المخرِّجة لهؤلاء الممارسين الصحيين أيما كانوا وتحميلها مسؤولية تخريجهم الطلاب بالقيم الفكرية الرفيعة المتوِّجه لمهنتهم !! قبل أن تلقنهم أصول الممارسة الاكلينكية ومهارات المقابلة العلاجية ..

أتمنى أن لا يكون الحصول على المال أو تحقيق الشهرة و”مآرب غير انسانية”هي غاياتنا كممارسين ومهنيين طبيين ، فتقديم المساعدة والسعي لتحسين جودة الحياة لهذا المريض وإبقائه على الحياة بأقصى قدر ممكن من الصحة والتعافي وبأقل قدر ممكن من المرض هي هدفنا الرئيس الذي دفعنا لاعتناق هذه العمل الانساني الرائع ..

أ.سمية محمد البواردي. 

أخصائية نفسية اكلينيكية .