تعتبر وزارة الصحة أهم وزارة بعد التعليم لما لها من أهمية كبرى في المجتمع بالتشخيص والمعالجة والتطبّب، وقد تشبّعت الوزارة بعدد لا بأس به من الوزراء حيث سمّاها د.غازي القصيبي –رحمه الله- بمقبرة الوزراء ؟! فلا يكاد يأتي وزير إلا و (يطير) !!

مشكلة وزارة الصحة (بحسب نظرتي) تتلخص في أمرين أحدهما يتعلق بالموارد البشرية والآخر يتعلق بالرعاية الصحية الأولية :

1- تسرب الكوادر الفنية (أطباء، صيادلة، ممرضين، …) إلى المناصب الإدارية وبلا مؤهلات إدارية !!

ذلك رغم استحداث تخصص الإدارة الصحية بل وجود مختصين من حملة الماجستير والدكتوراه المؤهلين ووجود جمعية علمية للإدارة الصحية يمكن التعاون معهم لطلب الاستشارات.
وإذا كانت الوزارة لا تثق بالخريجين من أصحاب التخصص مع تصنيفهم من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية فماذا بقي !!
ومن المؤشرات على تهميشهم، الوظائف المطروحة مؤخرا لاحتياج وزارة الصحة حيث تم الاعلان عن 13970 وظيفة ولا يوجد أي رقم لأخصائيي الإدارة الصحية !! 6 أرقام بمسمى أخصائي معلوماتية صحية يمكن أن يتقدم عليها أخصائي الإدارة الصحية.

وحتى تعود المياه إلى مجاريها (إن كانت المجاري موجودة من الأساس) يجب إرجاع الكوادر الفنية لوظائفهم الفعلية وإفساح المجال للمختصين الإداريين في تصحيح أوضاع الوزارة، ولا أدعو هنا لنشل جميع الكوادر الفنية من المناصب الإدارية فالكثير منهم قد قارب على التقاعد بخبرة ربما تزيد عن 20 سنة إدارية ولا يحتمل رجوعه إلى العمل الفني لأن ما كان متخصصاً فيه قد تبخّر بلا ممارسة فلا حيلة إلا بانتظار تقاعده، ولكن يجب أن تكون هناك سياسة واضحة بشغل المناصب الإدارية لكوادرها مستقبلا، حينها ستكون الفائدة للوزارة من ناحيتين، سد جزء من عجز الكوادر الفنية وطرح فرص للعاطلين من مختصي الإدارة الصحية المؤهلين، ومن الجهتين سيكون الشخص المناسب في المكان المناسب.

 

2-عدم تفعيل الرعاية الصحية الأولية (المراكز الصحية)، وهي المحطة الأولى لكل مريض قبل أن يصبح مريضا !!

عرّفت منظمة الصحة العالمية الرعاية الصحية الأوّلية بأنّها : هي الرعاية الصحية الأساسية التي تُتاح على نحو شامل للأفراد والأسر في المجتمع المحلي بوسائل يمكنهم قبولها وبمشاركتهم الكاملة وبتكاليف يمكن لأفراد المجتمع المحلي وسكان البلد قاطبة تحمّلها. وتلك الرعاية جزء لا يتجزّأ من نظام البلد الصحي، إذ هي تمثّل نواة ذلك النظام، ومن مجمل التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المحلي.

قال أبو الطب (أبقراط): “إن المرض لا يهبط علينا من السماء إنما هو نتيجة للأخطاء الصغيرة التي نقوم بها كل يوم”.
فالمرض له مراحل يمر بها قبل أن يصل لأشد حالاته وقبل أن يكون عبئا على صاحبه وقبل الوصول لاحتياج مستشفى تخصصي حيث يمر المريض بثلاث مراحل:
-ما قبل حدوث المرض. (سليم)
-ظهور علامات وأعراض المرض. (مريض عادي)
-انتشار المرض وتفشيه في الجسم. (مريض ذو مرض حاد أو مزمن).

فقبل التوسع في المستشفيات وطلب الدعم بالأجهزة المتقدمة بمبالغ طائلة وعدم وجود كوادر لتغطي هذا الطلب على الخدمات الصحية (المتخصصة)، من الممكن تفعيل المراكز الصحية وتطويرها بالشكل المناسب لتقوم بالخدمات الوقائية والخدمات التثقيفية وعمل الفحوصات الدورية لعلاج المرض قبل انتشاره وقبل وصوله الى المرحلة التي نحتاج فيها إلى مستشفى متخصص ثم نحتاج إلى علاج في الخارج ثم لا قدر الله (الوفاه) !! (درهم وقاية خير من قنطار علاج)

وستجني وزارة الصحة فوائدا جمّا بتفعيلها وتطويرها للمراكز الصحية بالشكل المناسب:

  • انتشار الثقافة الصحية بشكل أكبر في المجتمع.
  • كشف الأمراض قبل وصولها لمراحلها المتأخرة.
  • تطبيق نظام صحي بيئي يحمي من الامراض المعدية ويحمي من حدوث الوباء.
  • سيقل الضغط الكبير على المواعيد في المستشفيات حيث ستنتهي مشكلة الكثير من المرضى قبل احتياجهم لحجز موعد في المستشفيات.
  • ستكون مراكز مناسبة لتطبيق الأبحاث الوقائية من خلالها.

 

القطاع الصحي (أمانة) على عاتق كل من ينتمي إليه وبالتالي فتقديم الخدمات الصحية لا يقتصر على فرع من فروع الوزارة بل التكامل بين جميع القطاعات هو مطلب, فإن تظافر جهود جميع القطاعات التي لها ارتباط بوزارة الصحة من القطاع الصحي الخاص, والقطاعات الحكومية الأخرى والجمعيات الصحية وانطلاقها في مسار واحد بتنسيق وانسجام يؤدي للوصول إلى الهدف المنشود والحصول على النتيجة المرجوة من رفع المستوى للفرد والمجتمع والحصول على فرد معافى وفعال ومنتج في مجتمعه.

 

أسامة بن سلمان
أخصائي إدارة صحية
@OSama_BS