الابتكار الصحي/ إعداد: عبدالكريم الصقعبي

 

 

لقد غيّر الابتكار الرقمي طريقة تفاعل وتواصل الناس بشكلٍ جذري وإلى جانب حقيقة أن مجال الرعاية الصحية التي يبلغ قيمته تريليون الدولارات معرض للتغيير فإن هذا الوضع يمثل فرصة عمل مربحة للغاية لا يمكن تجاهلها – خاصةً لشركات التكنولوجيا العالمية. وفقًا لمركز الرعاية الطبية والخدمات الطبية (CMS) فقد وصل الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة إلى 3ئئئئ.8 تريليون دولار في عام 2018 و 8.3 تريليون دولار على مستوى العالم ومع توقع زيادة بنسبة 5.5% سنويًا في المتوسط حتى عام 2026.

تسعى كل شركة من شركات التكنولوجيا “الأربعة الكبار” إلى الظهور في مجال الرعاية الصحية والاستفادة من نقاط القوة الأساسية في أعمالها، شركات التكنولوجيا العملاقة – مايكروسوفت، وأمازون، وجوجل، وآبل – ينجذبون إلى هذا السوق الهائل والفرصة لجلب التكنولوجيا الحديثة وثقافة هوس العملاء إلى مجال الرعاية الصحية الذي قد يفتقر في بعض الأحيان إلى كليهما. جوجل في البيانات وأبل في الأجهزة الاستهلاكية وأمازون كشركة عملاقة للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت ومايكروسوفت كشركة رائدة موثوق بها في مجال تكنولوجيا المعلومات للرعاية الصحية.

لا تسعى الشركات التقنية الكبرى إلى ابتكار الصناعة فحسب بل تسعى أيضًا إلى شراكات وتنمية مواهب وعقول للمساعدة في الكفاح من أجل الظهور كقائد للرعاية الصحية.

بالتأكيد تمتلك هذه الشركات الموارد اللازمة لتمويل المشاريع الكبرى لتحويل المنتجات والأنظمة والعمليات التي يستخدمها المتخصصون في الرعاية الصحية كل يوم، وعندما تتنبأ عناوين الأخبار بغزو الرعاية الصحية عن طريق هذه الشركات فإنها تطرح السؤال: كيف يمكن للأطباء والممارسون الصحيون والمستشفيات مواكبة ذلك؟

 

 

Microsoft

اكتسبت مايكروسوفت سمعة رائدة في مجال الرعاية الصحية كمزود أساسي لحلول المؤسسات مع نظامها Windows كنظام التشغيل المعتاد لأغلب المستشفيات، وبالنظر إلى الانتشار الشامل لنظام التشغيل هذا فإنه يعني أن Azure سيكون الخيار المنطقي والأول للتكامل بسلاسة مع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات بالمؤسسة الصحية.

وتتبنى شركة بوبا خدمات مايكروسوفت السحابية Azure لتلبية الاحتياجات الرقمية للموظفين والعملاء بشكل أفضل باعتبارها واحدة من كبرى شركات التأمين بالرعاية الصحية.

وفي عام 2017 أنشأت مايكروسوفت قسمًا للصحة في مختبر أبحاث كامبريدج التابع لها لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والحوسبة السحابية لدخول مجال الرعاية الصحية، وكانت من الأهداف مراقبة المرضى والأبحاث الطبية ومنها مرض السكري الذي تركز عليه الشركة.

“Nuanceحدثت إحدى أكبر تحركات مايكروسوفت في مجال الرعاية الصحية عندما أعلنت عن استحواذها على شركة “

التي تعمل بالذكاء الاصطناعي الكلامي بصفقة قيمتها 16 مليار دولار، وهو برنامج يعمل ككاتب طبي ويمكنه الاستماع وتحويل المحادثات بين الطبيب والمريض إلى تنظيم ملاحظات طبية، وحاليًا يستخدم 300 ألف طبيب و 10 آلاف مؤسسة رعاية صحية هذه التكنولوجيا.

تعد الحوسبة السحابية والأمن السيبراني وعلم الجينوم والطب الدقيق من المجالات الرئيسية الأخرى التي قامت فيها مايكروسوفت بتدخلات كبيرة ، وتشمل المبادرة أيضًا التعاون مع شركاء الرعاية الصحية وموارد الذكاء الاصطناعي والحلول السحابية لاقتناص الفرص أثناء ابتكار التقنيات الصحية وتوجد حاليًا 22 شركة تشكل جزءًا من الذكاء الاصطناعي المدعوم من مايكروسوفت بمجال الصحة.

 

 

Amazon

استطلاع تم اجراؤه للمديرين التنفيذيين والمسؤولين بالمستشفيات من المستوى الثالث حيث أن 62٪ يدعمون دخول أمازون إلى سوق الإمدادات الطبية ويقول 75٪ أن أمازون ستكون ناجحة للغاية في اتخاذ خطوة كهذه، والآن أمازون مرخصة لتوزيع الإمدادات الطبية على مقدمي الخدمة في 43 ولاية أمريكية.

تعملAmazon Web Services (AWS)  على الترويج لعملاء الرعاية الصحية ‏في مجال الحوسبة السحابية، وفي عام 2017 استثمرت الشركة في 10 شركات ناشئة في قطاع الطب اللاسلكي وهذا دليل على المراهنة بهذا المجال واستخدام أنظمة Alexa.

وفيما يتعلق بالطب عن بعد Amazon Care هو فرع من مجالات الخدمات الصحية المقدمة من امازون والتي تتوسع بسرعة، ويقدم العديد من المميزات للمستخدمين مثل قياس مستويات النوم والنشاط ومراقبة نبرات الصوت والتدريبات المخصصة ‏لتحسين البنية الجسدية وتوصيات في الإسعافات الأولية والرضاعة وإدارة تعاطي الأدوية، ويمكن دمجه مع برامج وأجهزة مختلفة مثل Halo Fitness و Movement Health و .Alexa

‏وللمزيد من التأكيد على جدية امازون في ما يتعلق بالرعاية الصحية فقد تم تشكيل مختبرها الخفي Amazon X – 1492 وهو يتضمن العديد من الخدمات مثل الابتكار الصحي والأبحاث السرطانية والسجلات الطبية.

‏وأعلنت امازون أنها استحوذت على شركة PillPack مقابل مليار دولار ‏وهي شركة ناشئة للصيدليات على الإنترنت لديها تراخيص طلب عبر البريد في جميع الولايات الخمسين في الولايات المتحدة الأمريكية وأيضا تعمل مع استراتيجية برنامج التأمين الصحي الوطني (Medicare). ستسمح هذه الخطوة لخبير البيع بالتجزئة عبر الانترنت بالتوسع بسرعة في مجال الرعاية الصحية من خلال التدخل بمجال توريد وصناعة الادوية البالغ 560 مليار دولار.

في الأساس كان هدف برنامج أمازون في مساعدة تحسين تجربة الرعاية الصحية لموظفيها لكن الشركة تأمل في إيجاد طرق لتحسين الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم.

ترتيب الشركات الكبرى مع إيراداتها حتى عام 2021

 

 

Google

‏هناك 70 ألف بحث بالدقيقة متعلق بالصحة على ‫جوجل، ‏لذلك كانت مسألة وقت حتى رؤية مشاركة ‫جوجل في مستقبلها للرعاية الصحية من خلال عدسة البيانات المنظمة و الذكاء الاصطناعي، ‏مع الأخذ  في عين الاعتبار أنه حوالي ‫ثلث بيانات العالم يتم توليدها من صناعة الرعاية الصحية، ‏ومن خلال الاستفادة من نقاط قوتها في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لفهم كميات هائلة من البيانات الصحية يمكن لجوجل وضع نفسه قائد بابتكار المجالات برعاية الصحية.

‏تهدف ‫جوجل إلى التميز في مجال الرعاية الصحية من خلال تطبيق إمكانياتها في مجال الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأمراض و إمكانية التشغيل البيني للبيانات والتأمين الصحي، وفقا لما صرحته الشركة “‏نعتقد أن الذكاء الاصطناعي مُهيأ لتحويل الطب وتقديم تقنيات جديدة و مساعدة من شأنها تمكين الأطباء من خدمة مرضاهم بشكل أفضل”.

بالتعاون مع الأطباء في الولايات المتحدة وخارجها استطاعت ‫جوجل على تكوين خوارزمية بإمكانها تشخيص اعتلال الشبكية لمرضى السكري في الصور بمستوى عالي من الدقة ‏أيضًا تطوير تطبيق إلكتروني للأمراض الجلدية لتقديم رؤى حول الآفات الجلدية وأخيرًا ‏تعزيز أداء فحص القولون بالمنظار.

‏في عام 2017 قامت ‫جوجل بقسم علوم الحياة في الشركة Verily ‏و بالاشتراك مع كليات الطب بجامعات Duke و Stanford ‏على أنشاء مشروع خط الأساس، ‏وهو عبارة عن دراسة مطولة تعتمد على ملايين النقاط من البيانات على مدة أربع سنوات و تساعد على إيجاد “خط أساس” ‏لصحة جيدة وفهم بداية وعوامل الخطر للأمراض. وهذا الحل القائم على البيانات الذي توفره‏ Verily   قد يسبب في بعض المشاكل بقطاع التأمين الصحي من خلال زيادة مشاركة المريض وتسريع التدخلات وخفض تكاليف الرعاية.

تعد جوجل ‏الأكثر نشاطا بين منافسيها الكبار في اكتساب المواهب والتطبيقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي والاستثماري فيها، ومؤخرًا تطرقت الى المنتجات الالكترونية الاستهلاكية بعد استحواذها على شركة Fitbit.

 

 

Apple

‏وضعت أبل لنفسها مكانة خاصة باعتبارها واحدة من أفضل شركات التكنولوجيا في المنتجات التي تواجه المرضى والمنتجات الاستهلاكية، ‏وأمنت لنفسها مقعدا من إحدى التسع مقاعد المرغوبة في برنامج التصديق المسبق لي برامج الصحة الرقمية تابع لإدارة الأغذية والمواد الأمريكية، ‏وهذا يتضمن رؤية هيئة الغذاء والدواء على أهمية الصحة الرقمية وإزالة العواقب في تسريع الابتكار بالمجال الصحي.

‏دخلت أبل في شراكة مع ستانفورد للطب ‏لإجراء دراسات القلب ‏والتي تستخدم مستشعرات معدل ضربات القلب في ساعات أبل ‏لجمع بيانات ضربات القلب غير منتظمة و اكتشافها و تنبيه المستخدمين بالحالات المزمنة المحتملة مثل الرجفان الأذيني، ‏أيضا ماكنت أبل الباحثين الطبيين من تتبع مرض باركنسون من خلال المستشعرات بساعاتها وعلاوة على ذلك يسمح للمستخدمين بتتبع النشاط البدني و عادات النوم بانتظام.

‏ومن الأمثلة الأخرى على استخدام أبل لمنتجاتها لتتبع الأمراض استخدام iPhone X الاختبارات الرؤية ومميزة اختبار السمع في AirPods وأداة التعرف على الكلام الاكتشاف عوائق النطق والحديث المرتبطة بالسكتة الدماغية.

‏في عام ‏2018 أعلنت أبل عن أكبر الأخبار في مؤتمر المطورين العالمين للشركة وهو بيانات السجلات الصحية المفتوحة، وباستعمال تطبيق أبل الصحي الخاص بأجهزتها الذكية ‏سيتيح للمستخدمين مشاركة بياناتهم الصحية السريرية مع الأطباء لأغراض طبية ومع المطورين بشركة أبل لأغراض تحسين الجودة والاستعمال، ويساعد هذا التطبيق الصحي تطبيقات أخرى منها Medisafe في معالجة معضلة عدم الالتزام بالأدوية التي تبلغ قيمة هذه المشكلة 300 مليار دولار. قطاع الرعاية الصحية منظم للغاية ويخضع للوائح وقوانين صارمة مما يعني أن البيانات الصحية غالبا ما تكون معزولة، لكن في هذا الحال تطبيق أبل الصحي و  Medisafe يقومان بتبادل البيانات الصحية ذات الصلة بين المرضى و مقدمي الخدمات سواء بالمستشفيات أو التأمينات الصحية.

‏كان لأبل نصيب بمجال الأبحاث الطبية حيث وفرت منصة ‏ Apple ResearchKitمما تسمح لمطوري التقنيات بإطلاق دراسات بحثية واسعة النطاق من خلال منتجاتها الاستهلاكية وغيرها من الملحقات ومنح المستشفيات والأطباء القدرة على التواصل بشكل أفضل مع المرضى وتخزين السجلات الصحية للوصول إليها بسهولة.

ملخص لأهم المجالات بالقطاع الصحي وتفاعل الشركات الأربعة الكبرى:

هناك الكثير من الضجيج المحيط بشركات التكنولوجيا الكبرى وانضمامها بمجال الرعاية الصحية وقد يكون من الصعب مواكبة كل هذه الأخبار، ‏الخوف الشائع هو أن المرضى سيستخدمون هذه التقنيات الجديدة للتشخيص الذاتي أو أنه بعض الأجهزة الطبية الجديدة يمكن أن تخلق حالة من الذهول الكاذب بشأن النتائج المبهمة لكن في الوقت الحالي يصعب تحديد أي من الحالتين، وبدلا من رفض هذه التقنيات الجديدة ‏يجب على الأطباء التركيز على بذل العناية الواجبة والتعاون و فهم أن المرضى يبحثون عن هذه المعلومات وبعضهم يستخدمون هذه التقنيات.

‏ومن السهل أن يشعر العالم بأن العالم الصحي كما نعرفه سابقا في خطورة مع هذه التغيرات القادمة خاصة مع القليل من البحوث والدراسات حول تأثير هذه التغيرات على الممارسات الفردية و الأنظمة الصحية والمستشفيات، ‏لكن العديد من هذه الابتكارات و المبادرات لا يمكن أن تكون إيجابية الا على المدى البعيد في حال استعداد تام من المستشفيات والأطباء على العمل جنبا إلى جنب مع التطور المستقبلي القادم.

 

 

المصادر:

المصدر الأول

المصدر الثاني

المصدر الثالث

المصدر الرابع

المصدر الخامس