الاكتئاب أثناء جائحة كورونا
أ. سارة ادريس
أدى ظهور وباء كوفيد – 19 في عام 2019 وتفشيه في عامي 2020 و 2021 إلى مجموعة من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لا تزال آثارها بارزة . وعلى وجه التحديد ، في مجال الرعاية الصحية التي تعد مجموعة فرعية من البعد الاجتماعي ، حيث تمت مواجهة عدد لا يحصى من التحديات ، بما في ذلك زيادة الإصابات ، واستنفاد الموارد ، كما تم التعرف على الخلل وأوجهه القصور لدى فريق العمل المعني بالرعاية الصحية. فهنالك الكثير من حالات الرعاية الصحية البارزة التي زاد حدوثها بشكل كبير ، ابرزها الاضطرابات العقلية . وتشير العديد من الدراسات إلى أن الاكتئاب والقلق كانا الأكثر حدوثا لدى شريحة سكانية متنوعة . فالاكتئاب عبارة عن حالة عقلية تتصف بالاحساس المتواصل والمستمر من الحزن ، وفقدان الاهتمام بأداء الأنشطة الروتينية ، والشعور باليأس. كما أظهرت احدى الدراسات الاستقصائية العالمية الحديثة لتقييم حالة الصحة العقلية على مستوى العالم أنه اعتبارا من عام 2017 ، كان من المتوقع أن يصاب نحو 790 مليون شخص بأي من الاضطراب العقلية ( DSM-5 ) . ايضا كشفت المزيد من االدرسات أن 2.7٪ من السكان الذين يعانون من الاكتئاب كانوا من الرجال ، في حين كانت نسبة الإناث أعلى ، حيث سجلت نحو 4.1٪. ومن ثم فأن جائحة كورونا كوفيد-19 قد أدت إلى زيادة حادة في معدل انتشار الاكتئاب ومعدل حدوثه على مستوى العالم.
فأثنا تفشي الوباء ، كانت تدابير الرعاية الصحية والتشريعات القانونية هي الضغوطات التي أدت الى زيادة معدلات الاصابة بالاكتئاب. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة ، أدت التشريعات والقوانين الاستثنائية المفروضة على حركة السفر الدولي الى الحد من حركة لأشخاص الموجودين خارج البلاد، مما أثر على الطلاب الموجودين بالخارج وعلى حركة رجال الأعمال الذين تعتمد أعمالهم على كثرت تحركاتهم لاجل اتمام الصفقات التجارية وتسهيل العمليات الاستراتيجية. وقد دل ذلك على أن الملايين من رجال الاعمال والتجار اصبحوا عاجزين في نهاية المطاف عن اداء مهامهم . وبالنسبة للبعض، كانت هذه الفترة، للأسف، بمثابة فرصة للانقطاع عن العمل ، وخاصة تلك الشركات الناشئة التي تم تأسيسها قبل بضع سنوات من تفشي الوباء. ومن ثم أدت و تسببت تحديات الأعمال المرتبطة بالانشطة التجارية والاعمل الى اصابة رجال الاعمال و أصحاب المصالح بالاكتئاب بسبب صدمتهم بحالة من الذهول من ألارباح المنخفضة للغاية ومن الإغلاق المستمر لانشطتهم التجارية . وفي هذا الصدد، أظهر مسح أجري عام 2020 لتقييم الحالة العالمية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ، أنه اعتبارا من مايو 2020، كانت 26٪ من جميع االمنشاءات العالمية متوقفة عن العمل ، وظهر أيضا التباين جليا ما بين الجنسين حيث كان من المتوقع أن يتم إغلاق المؤسسات التي تملكها الإناث أكثر من تلك الخاصة بالذكور. ويرتبط هذا التفاوت بالسمات الإقليمية العالمية التي تعزز هيمنة الذكور، وهو يبرر ارتفاع نسبة الإناث المصابات بالاكتئاب. ووجد ايضا الاصابة بالاكتئاب بشكل ملفت بين الطلاب ممن يدرسون خارج أوطانهم.
كذلك وجد عدد كبير من مجموع الطلاب الدوليين قد تأثرت بشكل بارز بتفشى وباء كوفيد – 19، حيث تعرض ما يقرب من 6 ملايين طالب على مستوى العالم لظروف صعبة و قاسية بلغت ذروتها في الاصابة باضطراب الاكتئاب. ففي الولايات المتحدة ، لفت االاهتمام الصحي انتباه السيناتور أليكس باديلا، الذي سرعان ما حث أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ لمواجهة تحديات تأشيرات الطلاب الدوليين. وأشار السيناتور وفريقه إلى أن هناك تراكمات في تأشيرات الطلاب التي منعت أكثر من مليون طالب دولي من العودة إلى بلدانهم بعد إغلاق المؤسسات إلى أجل غير مسمى. والأسوأ من ذلك أن بعض الطلاب لم يتمكنوا من الوصول إلى اماكن المأوى والحصول على المال اللازم لمعيشتهم خلال تفشي الوباء، مما جعلهم قلقين ومكتئبين ومحبطين. وما قاله الطالب الصيني لتيم فام، الذي يدرس في الولايات المتحدة من بين العديد من الاقاويل التي تصدرت عناوين الصحف وتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار محنة وإحباطات الطلاب الدوليين. والجدير بالذكر أنه بعد قضاء عدة أشهر في الولايات المتحدة والالتزام بقوانين وباء كوفيد – 19 ، فقد تنفس تيم فام وأصدقاؤه الصعداء والشعور بالارتياح بعد ركوبهم الطائرة التى كانت متجهة إلى وطنهم . لكن بعد ذلك ، بنحو 12 ساعة ، انعطفت طائرتهم وعادت إلى الولايات المتحدة بعد أن تلقى الطاقم أوامر جديدة بشأن حالة تفشي وباء كوفيد -19 مما أدت الأحداث اللاحقة إلى إصابة تيم بوباء كوفيد-19 وعزل نفسه في منزل مستأجر من شركة Airbnb التي تدير التجمعات السكنية في الولايات المتحدة وطلب منه القيام بتسديد اجرة الايجار بمبلغ يعادل أربعة أضعاف المبلغ الذي أنفقه على دراسته في المدرسة. وتعكس تجربته تجربة الطلاب الآخرين في أوروبا وآسيا وأستراليا، وتبرر أن الغالبية كانت عرضة للاكتئاب. وكان القلق الصحي مثار الاهتمام لدى السكان من ذوي الدخل المنخفض بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويتألف السكان ذو الدخل المنخفض إلى حد كبير من الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر المحدد، ويقيم معظمهم في أفريقيا وآسيا. ففي عام 2020 ، توقع البنك الدولي ، أنه بحلول نهاية عام 2021 ، سوف يعرض وباء كوفيد -19 أكثر من 88 مليون شخص على مستوى العالم لمستويات الفقر المدقع ، مما يزيد عدد الفقراء من 115 مليون إلى 204 مليون. و القوة الدافعة وراء هذا التحول الهائل هي حالات الفصل من العمل وإنهاء عقود العمل مما تسبب في جعل الملايين عاطلين عن العمل بعد إغلاق الأعمال التجارية واقتصار عدد العاملين فقط على عدد محدد ممن تعد اعمالهم اعمال تشغلية لا غنى عنها . ويوضح بوسيل واخرين بأن تعليق الأنشطة الاقتصادية في جنوب إفريقيا قد أدى إلى تسريح أكثر من 2.5 مليون موظف بين شهري فبراير وأبريل 2020 ، وأثر إنهاء عقود عملهم سلبا على الحصول إلى المساعدات المالية والموارد الأخرى. ونتيجة لذلك ، ظهرت لدى غالبية البالغين أعراض اكتئاب مرتفعة ، في حين أن أولئك الذين بقوا في وظائفهم لم يظهر عليهم أية أعراض. علاوة على ذلك ، يشير بوسيل واخرون إلى أن انتشار الاكتئاب قد زاد من عبء جنوب إفريقيا في السيطرة على الأمراض والوقاية منها ، واحتلت الحالة المرتبة الثالثة بعد فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والاضطرابات المعدية الأخرى التي تكافحها البلاد حاليا. وقد حدث نفس السيناريو في كينيا ، حيث تظهر البيانات الصادرة عن المكتب الوطني الكيني للإحصاء (KNBS) أن أكثر من 253000 شخص عامل تم تسريحهم إلى أجل غير مسمى بين شهر يناير وشهر مارس لعام 2021 . وقد أدى ذلك إلى زيادة عبء البطالة الذي تكافحه المقاطعة بشراسة ، ويشمل السكان المتضررون الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما والخريجين الجدد. كما تظهر نتائج احدى الدراسات التى تربط ما بين حالة فقدان الوظيفة والاصابة باكتئاب ما بعد الولادة أنه في كينيا ، كان عدد النساء المتأثرات بالعوامل الاقتصادية الصعبة أكبر احتمالا للاصابة بأعراض اكتئاب ما بعد الولادة من اللواتي ممن ولدون قبل الوباء . ايضا أدى معدل الوفيات المقلق لمرضى وباء كوفيد -19 إلى زيادة حالات الاكتئاب في جميع أنحاء أوروبا.
وشهدت أوروبا أعدادا محبطة من الوفيات بسبب وباء كوفيد -19 المرتبطة بسكانها المسنين نتيجة لارتفاع متوسط العمر المتوقع نسبيا. في عام 2019 ، كان ما يقرب من 90 مليون من سكان أوروبا يتألفون من كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن 66 عاما ، وكان معظمهم يقيمون في المراكز المتوسطة والحضرية في دول الاتحاد الأوروبي، ( 2022). ونتيجة لذلك، كان تأثير كوفيد-19 أكثر حدة على السكان بسبب ضعف مناعتهم وظروفهم الصحية لكبار السن، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالاضطربات . كذلك بسبب الطبيعة الاجتماعية المرتبطة بها التي تؤدي إلى تفاقم تأثير وباء كوفيد – 19 على كبار السن ، أصيب معظمهم بالقلق والاكتئاب بسبب الخوف من الموت. حيث كانت أعراض الاكتئاب واضحة أيضا بين أفراد الأسرة الشباب الذين أعربوا عن خوفهم من فقدان أحبائهم. وقامت معظم الاسر في عزل كبار السن لديها في مناطق الحجر الصحي أو غرف داخل منازلهم حيث سمح لعدد قليل من أفراد الأسرة بالتفاعل الجسدي معهم . وينظر أيضا إلى فعل العزلة نفسه على أنه زاد من حالات الاكتئاب في جميع البلدان المتقدمة التي لديها عدد أكبر من كبار السن.
الاكتئاب هو مصدر قلق صحي عالمي كان مدفوعا في السابق بعوامل اقتصادية واجتماعية. ومع ذلك، أدى ظهور كوفيد-19 إلى تفاقم الحالة على مستوى العالم، مما زاد من معدلات الإصابة الأولية والانتشار به . وتشمل العوامل الدافعة التي شكلت هذا التحول كل من القيود المفروضة على السفر الدولي التي أثرت على رواد الأعمال والطلاب والبطالة، التي أثرت بشكل كبير على البلدان النامية والبلدان المتخلفة. كما ساهمت الصور النمطية الاجتماعية التي تربط وفيات وباء كوفيد -19 بكبار السن في جعل الاكتئاب مشكلة صحية عالمية.
المراجع: