إعداد: أ. أريج المكينزي

تعتبر معدل الحالات المرضية والوفيات لأي مرض هو عامل مهم في تصنيف المرض على أنه مشكلة صحة عامة والتي تتطلب خطط وبرامج خاصة على المستوى الوطني و/ أو الدولي. كان سرطان عنق الرحم سببًا في وفاة 0.31 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في عام 2018، منها تسعون بالمائة في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط. وهناك عامل آخر يجعل سرطان عنق الرحم يمثل تهديدًا كبيرًا على مستوى العالم وهو أنه يعتبر ثاني أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بين النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و44 عامًا. يعرّف المعهد الوطني للسرطان (NCI) سرطان عنق الرحم بأنه “سرطان يتشكل في أنسجة عنق الرحم (العضو الذي يربط الرحم بالمهبل). عادة ما يكون سرطانًا بطيء النمو وقد لا يكون له أعراض، لكن يمكن العثور عليه من خلال اختبارات عنق الرحم المنتظمة وهو إجراء يتم فيه كشط الخلايا من عنق الرحم والنظر إليها تحت المجهر. غالبًا ما يحدث سرطان عنق الرحم بسبب عدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) “.

حقيقة أن أكثر من 90٪ من الحالات تحدث في البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط، لها علاقة قوية بقدرة هذه البلدان على اتباع الدلائل الإرشادية للوقاية من الأمراض. من المعروف في حالة سرطان عنق الرحم أن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري هو خط الدفاع الأول ضد تطور السرطان حيث يشير تعريف NCI إلى أن فيروس الورم الحليمي البشري هو السبب الرئيسي للعدوى. وبالتالي، فإن الوضع المالي المتدني للدول يعوق من قدرتها على وضع خطط فعالة لمكافحة المرض.

تتفاوت معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم في جميع أنحاء العالم، حيث نجد أقل معدل في البلدان المتقدمة في المناطق الأوروبية مثل فنلندا وسويسرا واليونان. من ناحية أخرى، فهو أكثر انتشارًا في البلدان الأفريقية، بما في ذلك سوازيلاند وملاوي وزامبيا وزيمبابوي. وهذا يدل على أن سرطان عنق الرحم مرض يمكن الوقاية منه حيث أن البلدان ذات الدخل المرتفع لديها عدد أقل من الإصابات وذلك بسبب عوامل متعددة أهمها وجود خطة وطنية ضد المرض. ويوجد عامل مهم آخر في انتشار الأمراض بين المجتمعات وهو وعي المجتمع ضد المرض، مسبباته، طرق انتشاره، وطرق الوقاية منه. علاوة على ذلك، هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها البحث عن مشكلة تتعلق بالصحة العامة واعتمادًا على الطريقة التي ننظر بها إليها ييتم وضع خطة محددة. لذا نرى بأنه من المهم على من يضع الخطط أن يكون قادر على النظر للمسألة بأكثر من منظور حتى يتمكن من التوصل إلى خطة شاملة مناسبة يمكنها تحقيق الهدف وتقليل عدد الحالات أو منعها تمامًا.

يتطلب تطوير الإستراتيجية خطوات متعددة بما في ذلك مراجعة الحالة الحالية للمشكلة، تحليل المشكلة، تحديد المهمة وبيان الإستراتيجية، تصميم أهداف للاستراتيجية، وأخيرًا إنشاء خطة لتحقيق هذه الأهداف. يجب مراعاة أن هذه الخطط يجب أن تكون قابلة للتحقيق وقابلة للقياس لعملية التقييم المستمر بعد التنفيذ. وهناك العديد من خطط تعزيز الصحة التي تم وضعها لمحاربة سرطان عنق الرحم في جميع أنحاء العالم، أثبتت بعض هذه الخطط نجاحها وأخرى لم تكن ناجحة.

نرى من الوضع الحالي فيما يتعلق بسرطان عنق الرحم من خلال عدد الحالات وانتشار هذه الحالات في البلدان ذات الوضع الاقتصادي المنخفض أن الخطوة الأولى لمكافحة سرطان عنق الرحم هي زيادة الوعي، فقد أظهرت البلدان التي لديها خطط لزيادة الوعي عددًا أقل من الحالات للفرد مقارنة بالدول التي ليس لديها برامج توعية. كما أظهرت برامج الفحص المبكر نتائج إيجابية في محاربة سرطان عنق الرحم لأن المرض قابل للشفاء ويمكن التعامل معه إذا تم اكتشافه في مراحله المبكرة. علاوة على ذلك، تعتبر برامج التطعيم خط دفاع قوي ضد سرطان عنق الرحم حيث يتم تقليل انتشار المرض بشكل فعال مع التطعيم.

ومع ذلك، ليست كل البلدان قادرة على تنفيذ هذه الخطط، وحتى في حالة تنفيذها، تلعب كفاءة التنفيذ دورًا رئيسيًا في تحقيق النتيجة المرجوة. وهو ما يعيدنا إلى العلاقة بين الوضع الاقتصادي وسرطان عنق الرحم المنتشر عالميًا.

يتسبب فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) في أكثر من 95٪ من حالات سرطان عنق الرحم. وينتقل بشكل رئيسي عن طريق الاتصال الجنسي ويؤدي فيروس الورم الحليمي البشري إلى نمو غير طبيعي لايمكن التحكم به لخلايا عنق الرحم مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم. ويمكن أن يكون هذا الشذوذ في خلايا عنق الرحم هو عدم وجود علامات وأعراض حتى المرحلة المتأخرة من الإصابة حيث أنه من الممكن أن يستغرق الأمر من 5 إلى 10 سنوات حتى يتطور سرطان عنق الرحم لدى النساء اللواتي يعانين من ضعف في جهاز المناعة و 15-20 سنة في النساء الأصحاء. ونظرًا لأن غالبية الحالات ناتجة عن الاتصال الجنسي، فإن استراتيجية مكافحة سرطان عنق الرحم يجب أن تعالج هذا السبب الرئيسي، وعليه يجب أن تبدأ استراتيجية منظمة الصحة العالمية للفتيات من سن مبكرة. تنقسم الإستراتيجية إلى ثلاث مراحل، تستهدف المرحلة الأولية الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و14 عامًا ببرامج تبدأ بالتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري وتستمر بالتعليم والتحذيرات الصحية حول استخدام التبغ التثقيف الجنسي المصمم حسب العمر والثقافة وتعزيز استخدام الواقي الذكري وتوفيره. بالنسبة لمن يمارسون الجنس، ختان الذكور. المرحلة الثانية مصممة للنساء اللائي يبلغن من العمر 30 أو 25 عامًا والمصابات بفيروس نقص المناعة البشرية. تتضمن هذه المرحلة الفحص باستخدام اختبار عالي الأداء مكافئ أو أفضل من اختبار فيروس الورم الحليمي البشري متبوعًا بعلاج فوري أو بأسرع ما يمكن بعد اختبار إيجابي جزيئي لفيروس الورم الحليمي البشري. والمرحلة الأخيرة من استراتيجية منظمة الصحة العالمية تستهدف الإناث جميعا وتتعامل مع علاج السرطان حسب الحاجة في أي عمر سواء كان ذلك من خلال الجراحة، أو العلاج الإشعاعي، أو العلاج الكيميائي أو الرعاية التلطيفية.

المرحلتان الأوليتان هما مرحلتان وقائيتان وقد أثبتتا نجاحهما عند تنفيذهما، ومع ذلك إذا لم تنجح فيجب تطبيق مجموعة من الفحوصات لتقليل عدد الوفيات بسبب سرطان عنق الرحم. أعراض سرطان عنق الرحم كما حددتها منظمة الصحة العالمية على أنها أعراض مبكرة هي عدم انتظام الدم، التبقيع بعد سن اليأس، النزيف بعد الجماع والإفرازات المهبلية. وبالتالي، يمكن فهم أهمية برامج التوعية حيث لا يمكن اكتشاف جميع أعراض المراحل المبكرة هذه إلا إذا كان المريض على دراية بأنها أعراض غير طبيعية. في حين أن أعراض المراحل المتقدمة تدل على وجود مرض وسيطلب المرضى على الأرجح العناية الطبية لتلقي العلاج، وهي: آلام الظهر أو الساق أو الحوض، وفقدان الوزن، والتعب، وإفرازات كريهة الرائحة، وانزعاج مهبلي، وتورم في الأطراف السفلية.

التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري هو أداة الوقاية الأساسية للحماية من فيروس الورم الحليمي البشري-16 وفيروس الورم الحليمي البشري-18 ووصل معدل حماية من سرطان عنق الرحم إلى 70٪. ويمكن تطعيم الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 9 و14 عامًا وفقًا لتوصية منظمة الصحة العالمية. وللحصول على التطعيم الكامل يجب أن تحصل الفتاة على ثلاث جرعات من لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري بحيث تكون المدة شهر بين الجرعة الأولى والثانية، و 6 أشهر بين الجرعة الثانية والثالثة.

والجدير بالذكر أيضا أن الأداة الوقاية الثانوية على حسب الإرشادات الصادرة من قبل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في عام  2019 هي الفحص حيث توصي ببدء تلقي الفحص بحلول سن 21 عامًا مع تكرار الاختبار كل ثلاثة سنوات.  وتشير الدراسات إلى أنه يمكن خفض معدلات الوفيات من سرطان عنق الرحم إذا خضعت النساء للفحص مرة واحدة في الفترة ما بين 30 عامًا و49 عامًا.

زيادة الوعي بين مقدمي الرعاية والنساء، رفع المستوى التعليمي للمجتمع، وطرق التكيف التكنولوجي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الرعاية الوقائية حيث سيرتفع إدراك الناس لسرطان عنق الرحم وطرق الوقاية منه، لذلك سوف يسعون لحماية أنفسهم عن طريق اللقاحات والاكتشاف المبكر من خلال الفحص. علاوة على ذلك، يلعب مقدمو الرعاية الصحية دورًا مهمًا في تعزيز الوعي بسرطان عنق الرحم وتشجيع النساء على حضور الفحص.

يجب إنشاء برامج التثقيف الصحي وحملات التوعية حول سرطان عنق الرحم في المرافق العامة حيث يكون لدى جميع مستويات المجتمع فرصة لزيادة الوعي. بالإضافة لذلك، هناك حاجة للتثقيف حول أهمية إجراء فحص سرطان عنق الرحم وتقديم علاج سرطان عنق الرحم خلال المواعيد.

حملات التوعية وعيادات الفحص المتنقلة هي استراتيجية وقائية ناجحة. وستساعد زيادة مستوى الوعي وإمكانية الوصول إلى اللقاحات وعيادات الفحص في حماية النساء، كما أنها ستساعد في اكتشاف السرطان في مراحله المبكرة لإنقاذ حياة النساء في وقت تكون العلاجات لاتزال فعالة.

هناك طرق متعددة لعلاج سرطان عنق الرحم ويمكن تقسيمها إلى مرحلة ما قبل السرطان ومرحلة ما بعد تشخيص السرطان. في مراحل ما قبل السرطان، هناك نوعان من علاجات الاستئصال الآمنة، وتكون إما عن طريق العلاج بالتبريد أو بالاجتثاث الحراري. أما في مرحلة ما بعد تشخيص سرطان عنق الرحم، يُحدِد حجم الورم وانفصاله في الجسم مرحلة السرطان وبناءً على المرحلة تحدد خطة العلاج. ومن خيارات التدخل العلاجي: الجراحة والعلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي والرعاية التلطيفية.

أظهرت خمسة من أصل ستة تجارب عشوائية أن العلاج الكيميائي أكثر فعالية من العلاج الإشعاعي في علاج سرطان عنق الرحم. وأظهرت دراسة أخرى أيضًا أنه تم إجراء العلاج الكيميائي على 37 مريضة بسرطان عنق الرحم أن معدل البقاء على قيد الحياة يزداد مع العلاج الكيميائي وإذا كان حجم الورم يساوي أو أقل من 6.9 سم.

لتحقيق الهدف المنشود من العلاج المحدد، يتطلب الأمر تدخل فريق متعدد التخصصات من الممرضات ، وأخصائيي المختبرات ، وأخصائيي التغذية ، والأخصائي الاجتماعي والعديد من التخصصات الأخرى وذلك لمراقبة المرضى عن كثب، وضمان توازن السوائل، ومستويات الشوارد الكيميائية  وحالة التغذية، والدعم الاجتماعي. ومن ناحية أخرى، فقد لوحظ بأن وجود الأسرة ومقدمي الرعاية أثناء التنويم أو في جلسة العلاج له تأثير جيد على نفسية المريض.

إن عبء سرطان عنق الرحم أعلى في البلدان منخفضة الدخل بسبب قلة القدرة على الوصول إلى التدخلات الوقائية مثل اللقاحات وخدمات الفحص، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تأخر التشخيص حتى المراحل المتأخرة حيث ستحتاج النساء إلى دخول المستشفى وعلاجات عالية التكلفة.

في الختام، من الممكن أن تكون كل النساء المتزوجات عرضة لخطر الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري. وأظهرت دراسة أن هناك علاقة بين مستوى الوعي بسرطان عنق الرحم والزواج، مستوى التعليم، التوظيف، واستخدام الإنترنت. بالإضافة إلى أن المعرفة بفيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم بين النساء غير كافية، خاصة بين النساء الريفيات مقارنة بالنساء الحضريات ، فإن انتشار سرطان عنق الرحم بين النساء الريفيات أعلى ويرتبط بالدخل والوضع الوظيفي وانخفاض مستوى التعليم. والحواجز التي تحول دون الأساليب الوقائية بسبب العيش في المناطق الريفية.

المراجع:

  1. Banik R, Naher S, Rahman M, Gozal D. Investigating Bangladeshi Rural Women’s Awareness and Knowledge of Cervical Cancer and Attitude Towards HPV Vaccination: a Community-Based Cross-Sectional Analysis. J Cancer Educ. 2022;37(2):449–60.
  2. Phaiphichit J, Paboriboune P, Kunnavong S. Factors associated with cervical cancer screening among women aged 25 – 60 years in Lao People ’ s Democratic Republic. 2022;1–12.
  3. Institute NC. Natoinal Cancer Institute [Internet]. Available from: https://www.cancer.gov/publications/dictionaries/cancer-terms/def/cervical-cancer
  4. Demissie BW, Azeze GA, Asseffa NA, Lake EA, Besha BB, Gelaw KA, et al. Communities’ perceptions towards cervical cancer and its screening in Wolaita zone, southern Ethiopia: A qualitative study. PLoS One. 2022;17(1 January):1–13.
  5. Silvera SAN, Kaplan AM, Laforet P. Knowledge of Human Papillomavirus and Cervical Cancer Among Low-Income Women in New Jersey. Public Health Rep. 2022;
  6. WHO. Cervical Cancer [Internet]. 2022. Available from: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/cervical-cancer#:~:text=HPV is mainly transmitted through,compared to women without HIV.
  7. Li T, Yoon J, Luck J, Bui LN, Harvey M. The Impact of Continuity of Care on Cervical Cancer Screening: How Visit Pattern Affects Guideline Concordance. J Cancer Educ. 2022;37(1):30–6.
  8. Gebisa T, Bala ET, Deriba BS. Knowledge, Attitude, and Practice Toward Cervical Cancer Screening Among Women Attending Health Facilities in Central Ethiopia. Cancer Control. 2022;29:1–10.
  9. EIFEL P. Chemoradiotherapy in the Treatment of Cervical Cancer. Semin Radiat Oncol [Internet]. 2006 Jul;16(3):177–85. Available from: https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S1053429606000087
  10. Hattori S, Yoshikawa N, Mogi K, Yoshida K, Yoshihara M, Tamauchi S, et al. Significance of concurrent chemoradiotherapy as primary treatment in patients with metastatic cervical cancer. Curr Oncol. 2021;28(3):1663–72.
  11. Ochomo EO, Ndege S, Itsura P. Focused Training of Community Health Volunteers on Cervical Cancer in Rural Kisumu. J Cancer Educ. 2022;37(2):466–73.