بلغ عمر وزارة الصحة بالمملكة أكثر من نصف قرن وتحديدا 67 سنه وتعاقب عليها من الوزراء عدد 19 وزير أولهم الأمير عبدالله الفيصل وأخرهم المهندس خالد الفالح وتتكفل الوزارة بتقديم ما نسبته 60% من إجمالي الخدمات الصحية المقدمة في المملكة وتقدم الجهات الحكومية الأخرى ما نسبته 20% وبينما يوفر القطاع الخاص ما نسبته .20% ومن الطرق لمعرفة كفاءة النظام الصحي في أي بلد ومعرفة مؤشراته هي الاعتماد على إحصاءات البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية حيث نجد أنه في عام 2013 كان إجمالي الإنفاق على الصحة كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي GDP في المملكة 3.2% بينما كان المعيار العالمي 9.9% وكذلك فإن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة سنوياً بمتوسط سعر الصرف بالدولار الأمريكي لعام2013 كان807$ بينما كان المعيار العالمي 1047$ وبالحسبة البسيطة جدا نجد أن الفرق بين الإنفاق الحالي على الصحة كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي والمعيار العالمي 6.7 % ومن ناحية أخرى نجد أن الفرق بين نصيب الفرد حاليا من الإنفاق على الصحة والمعيار العالمي 240 $ وما سبق مؤشر جلي على مدى الخلل بالنظام الصحي فنحن بحاجة إلى مضاعفة الإنفاق وأن نزيد نصيب الفرد ب240 $ هذا ناهيك عن الحالات التي نراها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تناشد العلاج والإحالة إلى مستشفيات تخصصية أو الحالات المستعصية التي لا يتوفر لها علاج بالداخل وتطالب بالعلاج بالخارج فستدرك أيضا أن نظامنا الصحي يحتاج لتغيير نوعي وجذري وإصلاح حقيقي .

والآن دعنا ننطلق سويا من خلال وزارة الصحة لمعرفة التحديات التي تواجه نظامنا الصحي مستقبلا والصعوبات الحالية ولا شك في أن أول ما سيواجهنا هو مشاكل التمويل وكذلك ضعف وغياب للرقابة المالية والإدارية وذلك نظراً لكبر حجم وزارة الصحة والذي بدوره أيضا يسبب مزيدا من الفساد ؛ وسنجد سوء توزيع و استخدام الموارد وخصوصا البشرية فنسبة البطالة المقنعة في ارتفاع ناهيك عن الضعف بالأنظمة واللوائح المعمول بها فعلى سبيل المثال نظام تأديب الموظفين ولائحة الإجازات و…إلخ حيث إن هذه اللوائح والأنظمة صادرة من قبل وزارة الخدمة المدنية والتي لا تناسب الأنظمة الصحية الحديثة وأما على صعيد المعلوماتية الصحية فسنجد ان اغلب المنشات الصحية تعتمد على الملفات الورقية مما تسبب في ازدواجية الإجراءات الطبية وهدر للموارد وارتفاع لتكاليف العلاج فكم نحن بحاجة ماسة الى المسارعة في تطبيق نظام الملفات الصحية الإليكترونية وعندما نلتفت الى المؤشرات الصحية فسنجد مثلا زيادة معدلات الإصابة بمرض السكري والسمنة وغيرها من المؤشرات الصحية الأخرى

وأما عند تخصيص الحديث من خلال المستفيد من الخدمات الصحية نجد أن المشكلة ليست فقط بعدم رضاه أو سوء الخدمات الصحية المقدمة من القطاعات الحكومية أو غياب التنسيق بين هذه القطاعات بل أن المشكلة تتجاوز ذلك إلى ازدياد عدد شركات التأمين الصحي التجارية وارتفاع أسعار التأمين الصحي التجاري إلى أسعار غير مقبولة ومكمن الخطورة هو تحول النظام الصحي إلى نظام ربحي يهتم بالجانب الكمي عوضاً عن الجانب النوعي وكذلك ارتفاع أسعار الخدمات الصحية بالقطاع الصحي الخاص إلى أسعار مبالغ فيها رغم أن نسبة كبيرة من المنشآت الصحية الخاصة تعاني من ضعف بالجودة وسوء بالأداء ولكن يتجه إليها المرضى بسبب قصر وقت الانتظار للمعالجة ومثل هذه المشاكل ستنعكس بالأثر السلبي على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً خصوصا طبقات المجتمع المتوسطة ومحدودة الدخل.

وأُجمل الحديث عما سبق فأقول إن على الحكومة من خلال المجلس الصحي السعودي القيام بإصلاح النظام الصحي وإنشاء نظام صحي جديد مبني على تجارب الأنظمة الصحية بالدول الأخرى , بالاستفادة من ايجابيات كل نظام صحي وتجنب سلبيات كل نظام. ومن خلال اطلاعي على تجارب الدول المتقدمة أرى من وجهة نظري أن تطبيق برنامج التأمين الصحي الوطني الغير ربحي (National Health Insurance) يعتبر من أفضل تجارب الأنظمة الصحية بالعالم ولعل النظام الصحي التايواني يعتبر رائد في هذا المجال وكذلك تطبيق نظام (Single – Payer System) بحيث تكون الحكومة من خلال التأمين الصحي الوطني هي الجهة الوحيدة التي تشتري الخدمات الصحية مما يعني أن الحكومة ستتمكن من التحكم وضبط و تحديد الأسعار المناسبة للخدمات الصحية بالتفاوض مع مقدمي الخدمات الصحية .

وبالتالي ستتحول المستشفيات والمراكز الصحية إلى شركات ربحية وغير ربحية في نفس الوقت و تحصل على إيراداتها من قبل برنامج التأمين الصحي الوطني وبالتالي سيُتاح للمريض اختيار مقدم الخدمة الصحية المناسب وستكون المنافسة قائمة بين مقدمي الخدمات الصحية لكسب رضا المستفيد وتحسين الأداء وتجاوز توقعات المستفيد وتجويد الخدمة وإلا سيكون مصير هذه المنشآت الإفلاس والإغلاق.

أعلم أن فكرة تغيير النظام الصحي ليس بالأمر السهل ولكن بالرغبة الصادقة والعزيمة يستطيع الإنسان صنع المستحيلات.

[author image=”https://pbs.twimg.com/profile_images/626690032984666112/r2TGuV6J.jpg” ]عبدالعزيز حاشم الشمري

@abhalshammari

إدارة صحية – جامعة CSUN

    [/author]