لا نريد مزيداً من “أبواب نورمان”! أهمية التصميم الجيد في مجال الرعاية الصحية
إعداد أ. ندى المغربي
في مجال الرعاية الصحية، يلعب التصميم دورًا مفصلياُ في ضمان سلامة المرضى وكفاءة الإجراءات الطبية بشكل عام. أحد المفاهيم التي اكتسبت اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة هو مفهوم “أبواب نورمان“. نسبة للبروفيسور دونالد نورمان، وتشير “أبواب نورمان“ إلى الأبواب التي يتم تصميمها بشكل سيء وتربك المستخدمين ومن الممكن أن تؤدي إلى حدوث أخطاء متكررة في الاستخدام. على الرغم من أن هذا المفهوم نشأ في مجال تصميم المنتجات، إلا أن آثاره تمتد إلى ما هو أبعد من الأبواب المادية. نظريات دونالد نورمان الرائدة حول التصميم الجيد وتأثير التصميم السيء قد غيرت عدة صناعات، بما في ذلك مجال الرعاية الصحية.
ماهي “أبواب نورمان” ومن هو “دونالد نورمان“
أبواب نورمان: هي في أبواب لا توفر مؤشرات واضحة أو دلالات للمستخدمين لتحديد ما إذا كان عليهم دفع أو سحب الباب. هذا النقص في التصميم البديهي غالبًا ما يؤدي إلى ارتكاب الأفراد للأخطاء عند محاولتهم التفاعل مع الباب، مما يتسبب في الإحباط ومزيد من الارتباك. بعبارة أخرى يمكننا القول بأن مفهوم “أبواب نورمان” يستعمل للإشارة للتصاميم السيئة والمربكة.
دونالد نورمان، بروفيسور في العلوم المعرفية وهندسة قابلية الاستخدام وخبيرالتصميم المتمركز حول الانسان قدم “أبواب نورمان“ في كتابه “تصميم الأشياء اليومية” “The Designs of Everyday things“. وقد أكد أن التصميم الجيد يجب أن يراعي مبادئ التصميم المتمركز حول الإنسان، مضمنًا أن المنتجات والأنظمة يجب أن تكون سلسة وسهلة الاستخدام وتقلل من احتمالية الأخطاء. لقد أثرت أعمال نورمان بشكل كبير على مجال التصميم، حيث أكد على أهمية فهم سلوك الإنسان والعمليات الإدراكية في إيجاد حلول فعالة.
الفجوة بين المعرفة في العقل والعالم الخارجي وحدوث الأخطاء:
أحد الأسباب الرئيسية لحدوث أخطاء في الرعاية الصحية هي الفجوة بين المعرفة الموجودة في العقل والمعرفة الموجودة في العالم المحيط. في بيئات الرعاية الصحية المعقدة، يعتمد مقدمو الرعاية الصحية على معرفتهم وخبراتهم لاتخاذ القرارات وأداء المهام. ومع ذلك، عندما تكون هناك فجوة بين ما يعرفونه وما يحيط بهم من دلالات وإشارات توجيهية في البيئة، يمكن أن تحدث أخطاء.
على سبيل المثال، إذا لم يتم تعريف عملية إعطاء الأدوية بوضوح أو إذا كان تصميم تغليف الأدوية مربكًا، فقد يقوم مقدمو الرعاية الصحية بارتكاب أخطاء في إعطاء الجرعة الصحيحة. تسلط هذه الفجوة بين المعرفة في العقل والعالم الضوء على أهمية تصميم أنظمة الرعاية الصحية التي تتوافق مع النماذج العقلية للمستخدمين وتوفر إشارات واضحة للتصرف.
دور التصميم في الرعاية الصحية
التصميم هو جانب أساسي في الرعاية الصحية، حيث يؤثر على مكونات مختلفة في أي نظام، من أجهزة ومعدات الرعاية الصحية إلى تخطيط المستشفيات ونظم معلومات الصحية. التصميم الجيد في الرعاية الصحية ضروري لتقليل الأخطاء الطبية، وتعزيز تجربة المريض، وتحسين النتائج العامة. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يؤدي التصميم السيء إلى الارتباك والإحباط، والأهم من ذلك، وقوع الأخطاء الطبية والإضرار بالمرضى.
وفي سياق الرعاية الصحية تحديداً، تصبح مبادئ التصميم المتمركز حول الإنسان أكثر أهمية. غالبًا ما يواجه المهنيون الصحيون ضغوطًا هائلة، ويمكن أن تزيد تعقيدات الإجراءات الطبية والتقنيات من خطر الأخطاء. من خلال إعطاء الأولوية لمبادئ التصميم المتمركز حول الإنسان، يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية خلق نظم وسير عمل يتماشى مع القدرات الإدراكية وإمكانيات مقدمي الرعاية الصحية، مما يقلل من احتمالية وقوع الأخطاء ويحسن سلامة المرضى.
خطأ بشري أم خطأ تصميم
يمكن تصنيف الأخطاء البشرية إلى نوعين: الزلات والأخطاء. تحدث الزلات عندما يكون الهدف صحيح، لكن الإجراءات المطلوبة لا تتم بشكل صحيح نتيجة انشغال الانتباه أو المهارات الحركية، في حين أن الأخطاء تحدث عندما يكون الهدف أو الخطة خاطئة. تكون ناتجة عن اتخاذ قرارات غير صحيحة أو وجود ثغرات في المعرفة.
من المهم أن ندرك أن الخطأ البشري غالبًا ما يكون نتيجة لعيوب في التصميم بدلاً من قصور الفرد. كما يؤكد دونالد نورمان في كتابه، “الخطأ البشري عادة ما يكون نتيجة لتصميم سيء: يجب أن يكون لدينا نظام تصميم جيد للوقاية من الخطأ البشري“.
من خلال تطبيق مبادئ التصميم الجيد، يمكن التقليل من الأخطاء البشرية في الرعاية الصحية. يجب أن يكون التصميم مركزًا على المستخدم وبديهيًا ويعكس احتياجات وقدرات المستخدمين البشريين. على سبيل المثال، تصميم نظام توزيع الأدوية يجب أن يكون بديهيًا ومبنيًا على توفير مؤشرات واضحة وأنظمة التحقق لتجنب أخطاء الجرعات. كما ينبغي أن تتضمن واجهات المستخدم في نظم سجلات الصحة الإلكترونية تصميمًا يسهل على المهنيين الصحيين العثور على المعلومات وتسجيلها بدقة.
للحد من تأثير التصميم السيء وتعزيز سلامة المرضى، تعتمد صناعة الرعاية الصحية بشكل متزايد على مبادئ التصميم المتمركزة حول الإنسان. التصميم المتمركز حول الإنسان هو عملية تحل المشكلات التي تشمل فهم احتياجات ووجهات نظر المستخدمين وإدماج ملاحظاتهم طوال عملية التصميم.
عملية التصميم المتمركز حول الإنسان في الرعاية الصحية
عملية التصميم المتمركز حول الإنسان في الرعاية الصحية تشمل عادة عدة مراحل، بما في ذلك المراقبة والبحث وتوليد الأفكار وعمل النماذج الأولية والاختبار. من خلال مراقبة والتفاعل مع مقدمي الرعاية الصحية والمرضى، يمكن للمصممين الحصول على رؤى قيمة حول تجاربهم واحتياجاتهم. يشكل هذا البحث الأساس لتوليد الأفكار وإنشاء نماذج يمكن اختبارها وتحسينها استنادًا إلى ملاحظات المستخدمين.
لتحقيق تحسين في الرعاية الصحية، يجب على مؤسسات الرعاية الصحية تبني مبادئ التصميم المتمركز حول الإنسان في تخطيطها وتنفيذها. وهذا يشمل الأمثلة التالية:
ختاماً في عالم الرعاية الصحية، التصميم الجيد ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة لضمان سلامة المرضى والحد من الأخطاء البشرية في الرعاية الصحية، من خلال تطبيق مبادئ التصميم المتمركز حول الإنسان وفهم سلوك المستخدمين، يمكن لمؤسسات الرعاية الصحية تحسين تصميم العمليات والأنظمة الصحية. ومن المهم أن يكون التصميم بديهيًا ومرنًا ويعزز سلامة المرضى ويقلل من احتمالية حدوث الأخطاء في الرعاية الصحية.
المرجع
Norman, D. A. (2013). “The design of everyday things” book.