بقلم د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادره من صحيفة الاقتصاديه

مجلة الجوده الصحية _دينا المحضار 

 

لعل تعيين الدكتور توفيق الربيعة وزير التجارة السابق وزيرا للصحة يجعلني أبدأ رسالتي الأولى للوزير بالقول إن وزارة الصحة تختلف بشكل كبير عن وزارة التجارة. سأكتفي في هذا المقال بذكر بعض هذه الاختلافات.

أولا: من المفترض أن يكون وزير الصحة مسؤولا عن كل ما يؤثر في الصحة كما هو الحال في وزارة التجارة بمسؤوليتها عن جميع المواضيع المتعلقة بالتجارة. لكن عند النظر للجوانب المتعلقة بتقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر، فالوزير مع كونه وزيرا للصحة فهو في الحقيقة مسؤول عن جزء من الخدمات الصحية لا تتجاوز 60 في المائة لمستشفيات وزارة الصحة مع 20 في المائة للقطاع الصحي الخاص، بينما ظل هناك ما لا يقل عن 20 في المائة من الخدمات الصحية لا ترتبط بوزارة الصحة حتى من ناحية التشريعات كالدفاع والحرس والمستشفيات الجامعية ومستشفيات الهيئات الحكومية الأخرى (وإن كانت هذه النسب تغيرت أخيرا). هذه القطاعات تعمل بشكل منفصل “علميا” على مستوى السياسات والأنظمة عن عمل وزارة الصحة ولا أدل على ذلك الخلاف بين معظم هذه القطاعات المستقلة عن وزارة الصحة في مدى جدوى وجود مراكز الأعمال داخل المستشفيات الحكومية وكذلك غياب التنسيق بين مختلف القطاعات الصحية الحكومية والخاصة مع بداية ظهور فيروس كورونا.

هذه القطاعات الحكومية من المفترض أن تكون خدماتها متكاملة مع عمل وزارة الصحة بدل أن تكون منافسة لها في تقدم الخدمات الصحية. فمثلا هناك ازدواجية في تقديم الخدمات الصحية تتسبب في زيادة الهدر على الإنفاق الصحي بين هذه القطاعات الصحية المستقلة. هناك ازدواجية في تقديم الخدمات الصحية في المستشفيات الطرفية بين وزارة الصحة والوزارات الحكومية الأخرى كالجامعات الناشئة مثلا. فلو كان العمل تكامليا لتم الاكتفاء بالمستشفيات الجامعية وخصوصا أن لديها الطاقم التعليمي المؤهل لتولي تقديم الرعاية الصحية كما أنه لدى كل المستشفيات الجامعية في الجامعات الناشئة كلية طب وعلوم طبية والبعض منها لديها كليات للتمريض وطب الأسنان. لذا تجد أن الدولة تشيد مستشفيات في مناطق محدودة من السكان لكون كل مستشفى يلبي شريحة محدودة من السكان. فلو كانت الخدمات تكاملية لتم الاكتفاء بإنشاء مستشفى واحد بتكلفة أقل وبعدد أسرة أكبر ولأسهم هذا الإجراء في رفع جودة المستشفيات الطرفية. وقد سبق أن دعوت لهذا التكامل في أكثر من مقال وخصوصا أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق مجلس الخدمات الصحية الذي ما زال دوره محدودا وفي إطار مجلس استشاري تنسيقي فقط.

لذا فإن وزير الصحة بحاجة لإيجاد تكامل حقيقي مع القطاعات الصحية الأخرى في المشاريع والأنظمة والميزانيات. فوجود المجلس الاقتصادي والتنموي قد يسهم في إيجاد هذا التكامل وتضييق الهوة بين القطاعات الصحية المختلفة.

ثانيا: وزير الصحة تأثيره محدود في كثير من القطاعات التي تؤثر في عمل وزارة الصحة وإن لم تكن تابعة لها. بمعنى أن وزير الصحة مرتبط عمله بوزارات أخرى وإن لم تكن له سيطرة أو تأثير مباشر فيها. فمثلا تأهيل الموارد البشرية من أطباء وصيادلة وممرضين وإخصائيين وفنيين وإداريين من مسؤولية وزارة التعليم. وكما هو معلوم أن من أهم التحديات التي تواجهها الوزارة حاليا ومستقبلا توفر الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة فضلا عن السعي نحو سعودتها.

المشكلة الأكبر أن الصحة بمفهومها العام مسؤولية عديد من القطاعات لكن وزير الصحة هو الواجهة لها. فأداء معظم القطاعات الحكومية يؤثر في عمل وزارة الصحة لكن تأثير وزارة الصحة في أداء القطاعات الأخرى محدود. فمثلا هناك بعض الجوانب المتعلقة بالصحة العامة كسلامة الحيوان والصحة البيئية وغيرها والتي ترتبط بوزارتي الزراعة والبلديات. كما أن هناك هيئات ومؤسسات حكومية غير مرتبطة بوزارة الصحة وتؤثر فيها بصورة مباشرة وغير مباشرة كهيئة الغذاء والدواء خصوصا فيما يتعلق بجوانب الرقابة على الأغذية والدواء والأجهزة الطبية. كما أن أداء وزارة الصحة مرتبط بكفاءة أداء شركات التأمين الصحي ومعايير الاستثمار الصحي الأجنبي اللذين يرجعان إداريا لمؤسسة النقد والهيئة العامة للاستثمار.

طبعا كلامي هذا لا يعني أني أدعو إلى ربط هذه الجهات بوزارة الصحة إداريا لأن الصحة والمحافظة عليها مسؤولية الجميع، لكن ما أريد قوله إن العوامل المؤثرة في الصحة متعددة ومتغيرة ما يجعل عمل وزارة الصحة يتأثر إيجابا أو سلبا بعمل جهات حكومية وغير حكومية. لذا فإن وزارة الصحة يمكنها أن تعطي مؤشر أداء عديد من القطاعات الحكومية. فمثلا حالات التسمم الغذائي في المطاعم وحوادث السير في الطرقات وتهريب الأدوية والعلاجات غير المرخصة وغيرها تؤثر بشكل مباشر في زيادة الطلب على الخدمات الصحية ومن ثم الصرف على الخدمات الصحية. لذا وزارة الصحة تتأثر بأداء غيرها أكثر من تأثر وزارة التجارة بأداء غيرها من الجهات. وللحديث بقية.