بقلم / د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادره من صحيفة الاقتصادية

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

لعلي في هذا المقال أكمل الحديث حول أوجه الخلاف بين عمل وزارة الصحة ووزارة التجارة. وقد ذكرت في المقال السابق أن وزير الصحة ليس مسؤولا عن الصحة بمفهومها الشمولي لأن هناك قطاعات تؤثر في عمل وزارة الصحة وإن لم تكن تابعة لها ما يصعب على الوزير إدارة القطاع بشكل عام. كما أن بعض القطاعات التي تقدم خدمات صحية تعمل، ليس فقط باستقلالية عن عمل وزارة الصحة، بل منافسا لها في الاستحواذ على أكبر قدر من الميزانيات الصحية وفي تقديم الرعاية الصحية كوزارة الدفاع والداخلية والحرس وغيرها. ولعلي في هذا المقال أكمل بعض الاختلافات الأخرى.

ثالثا: عندما بدأ وزير التجارة السابق الدكتور توفيق الربيعة الإصلاح في وزارة التجارة بدأه من داخلها وعبر إعادة هيكلة عملها، لكن الإصلاح الحقيقي لوزارة الصحة يبدأ ليس من داخل الوزارة فقط وإنما من خارجها وذلك بإعادة علاقتها مع وزارة المالية ووزارة التخطيط وآلية اعتمادها الميزانيات الصحية. بمعنى أن البداية الحقيقية تكمن في قدرة الوزير على إعادة العلاقة بين أطراف المنظومة الصحية وليس فقط في آلية تقديم الرعاية الصحية. لذا إذا لم يستطع وزير الصحة إقناع وزارة المالية بأهمية إعادة ترتيب الإنفاق على القطاع الصحي وفصل الميزانيات المخصصة لمشتري ومقدم الرعاية الصحية، فإن اصلاح القطاع الصحي سيظل ناقصا. لا شك أنه لا يمكن إعادة العلاقة بين مقدم ومتلقي الرعاية الصحية وإعادة العلاقة بين مختلف أطراف المنظومة الصحية بما في ذلك إيجاد محفزات لأطراف النظام الصحي، إلا بدعم ومباركة من قبل وزارة المالية. وأذكر عندما كنت مشاركا كمستشار في ورشة عمل في منظمة الصحة العالمية حول استراتيجية شراء الخدمات الصحية تحت شعار “التغطية الصحية الشاملة” كان من أهم الملاحظات لنا كمستشارين للمنظمة أهمية دعوة ليس فقط وزراء الصحة أو ممثليهم ولكن أيضا مسؤولي وزارة المالية في دول المنطقة لدورهم الحيوي في تفعيل هذه الاستراتيجية.

رابعا: المشكلة التي يجب أن يعيها الوزير أنه ليس وزيرا للمستشفيات بل وزيرا للصحة. وسبق لوزارة الصحة في خطتها الاستراتيجية عام 2011 أن رفعت شعار “المريض أولا”. وقد سبق لي أن وجهت رسالة للدكتور عبد الله الربيعة عندما أصدرت وزارة الصحة خطتها الاستراتيجية عام 2011 مفادها أن الخطة الاستراتيجية لوزارته لا تعدو كونها خطة لإدارة المستشفيات لا لإدارة الصحة بمفهومها الكلي.

لذا فإن شعار “المريض أولا” يجب ألا يكون شعارا لوزارة الصحة لأنها ليس فقط معنية بالمرض بل بالصحة كما أن وزارة الصحة معنية بالمواطن وغير المواطن. فالوزارة معنية ليس فقط بالمواطنين بل بكل من يعيش على أرض وتحت سماء هذا الوطن وخصوصا أن أعداد غير السعوديين تشكل أكثر من ثلث سكان البلد.

لذا فوزارة الصحة يمكنها رفع شعار أكثر شمولية كشعار “صحة الإنسان أولا”.

خامسا: العاملون في القطاع الصحي مهنيون وليسوا مجرد إداريين كما هو حال وزارة التجارة. هذه المهنية لدى العاملين في القطاع الصحي متعددة وكل مهنة لها جمعيتها العلمية وولاءاتها المختلفة. فمثلا تجد الأطباء يتكاتفون فيما بينهم في كثير من القضايا الصحية وإن كانوا فيما بينهم لديهم تطلعاتهم المختلفة. فالجراحون يرون أنهم أهم العاملين في المنظومة الصحية، بينما نجد أطباء الباطنة يرون أنهم بمثابة العمود الفقري لكل مستشفى، وقس على ذلك أصحاب التخصصات الطبية الأخرى كالأطفال والعيون وخلافه.

كما أن كل أصحاب مهنة من أطباء أسنان وصيادلة وممرضين وإخصائيين وإداريين يرون أنهم مظلومون (وقد يكون صحيحا) داخل المنظومة الصحية. ويسعى كل فريق أو أصحاب مهنة لزيادة نفوذهم وامتيازاتهم المالية والإدارية والتنظيمية. فالعاملون في القطاع الصحي في مجملهم من المميزين أثناء فترة التعليم العام والعالي ما يجعل لديهم تطلعات وطموحات تختلف عن غيرهم. لذا فالتعامل معهم يتطلب مهارات عالية في فن الاتصال، فمن السهولة كسبهم كما أنه من السهولة خسارتهم. لذا آمل ألا تخسر فريقا على حساب فريق آخر.

شعور كل أصحاب مهنة بأهميتهم داخل المنظومة الصحية مهم جدا لإيجاد دافع العمل وزيادة الإنتاجية لكن يجب ألا يكون على حساب أطراف أخرى أو على حساب خدمة المريض. من هنا تكمن أهمية دبلوماسية الوزير ـــ وهي بلا شك موجودة ـــ في إعطاء كل طرف ما يستحقه من التقدير والاحترام. وللحديث بقية.