بقلم / د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادره من صحيفة الاقتصاديه

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

لعلي في هذا المقال أفرد الحديث عن الاختلاف بين وزارة الصحة ووزارة التجارة في تقنية المعلومات والاستثمار فيها.

خامسا: قد يكون وزير الصحة قد نجح في الاستثمار في تقنية المعلومات عندما كان وزيرا للتجارة. هذا النجاح أسهم في تعزيز شفافية المعاملات والإجراءات ما عجل بإصلاح البيت الداخلي لوزارة التجارة. فمثلا السجل التجاري قبل الدعم التقني كان من أكثر ملفات وزارة التجارة تحديا وإجراءات استخراج السجل التجاري كانت معقدة وتتطلب جهدا من قبل الوزارة ومن قبل المراجعين. لكن الاستثمار في التقنية أسهم في زيادة رضا المستفيدين من الخدمة وتقليل أعداد المراجعين للوزارة.. لكن مشكلة الملف التقني الصحي أكثر تعقيدا وفاتورة إصلاحه عالية جدا، كما أن جزءا من الملف التقني الطبي لن يحقق النجاح المأمول دون تعاون جهات أخرى خارج إطار وزارة الصحة.

الملف الطبي التقني جرى الحديث عنه بجدية منذ ما يقارب 15عاما عندما أقام مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث مؤتمر الصحة الإلكترونية في مدينة جدة. وأذكر وقتها أنه تمت الدعوة على هامش المؤتمر إلى الاهتمام بموضوع المعايير اللازمة لتوحيد الملف الطبي بدلا من الاختلاف على أفضل الشركات التي تقدم مختلف الخدمات التقنية. لكن وبسبب انشغال وزارة الصحة في ذلك الوقت بسداد ديونها العالية، لم يكن الاهتمام بالتقنية أولوية لها ما عزز أن يستقل كل قطاع صحي بنظامه الصحي وأن يعمل بمعزل عن القطاعات الأخرى. هذه الاستقلالية السلبية أدت إلى ازدواجية في تبني تقنيات صحية مختلفة وغير متكاملة وبين مختلف القطاعات الصحية. كما كان هناك تنافس سلبي بين مختلف القطاعات الصحية لأن كل قطاع يرى أنه تبنى النظام الصحي الأفضل دون الاهتمام بمدى تكامل هذه الأنظمة مع بعضها. لذا ظل هذا الملف يراوح مكانه ولم يعط الحجم والاستثمار الذي يستحقه على المستوى الوطني.

قد لا نختلف كثيرا حول أهمية توحيد الملف الصحي. فإصلاح هذا الملف سيسهم في إصلاح عديد من الملفات الأخرى. فمثلا هذا الملف مرتبط بعدة جوانب حيوية كتقليل هدر الإنفاق على الخدمات الصحية وازدواجيتها والحد من تلاعب الشركات والمستشفيات والأطباء والإخصائيين والإداريين والمرضى على حد سواء. كما أن هذا الملف مهم جدا في ضبط الجودة والتحكم في التكلفة العلاجية للمرضى وقياس الإنتاجية للعاملين سواء في القطاع الصحي الخاص أو الحكومي. لكن هذا الملف قد يوجه تحديات كثيرة وخصوصا أن فاتورة عالية في ظل محدودية النفقات على القطاع الصحي أخيرا.

ولعل من أهم تحديات توحيد الملف الطبي أنه يعتبر من المشاريع طويلة النفس التي تتطلب جهدا كبيرا وتستهلك ميزانيات عالية. فالملف الطبي من الملفات التي يمكن تصنيفها على أنها مهمة جدا، ولكن أثرها قد لا يظهر بالصورة المرجوة إلا بعد فترة طويلة جدا قد لا يكون وزير الصحة وقتها على هرم السلطة. لذا تجنب بعض الوزراء السابقين إعطاء هذا الملف الأهمية التي يستحقها.

كما أن ملف توحيد الملف الطبي له تحديات أخرى غير تقنية أو مالية تتعلق بمدى القدرة على تغيير ثقافة أداء العمل لدى الكادر الطبي العلاجي خصوصا الأطباء. فكثير من الأطباء يقاومون تطبيق الملف الطبي لأسباب عديدة ليس المجال لذكرها وهو تحد آخر يتطلب التعامل معه بحكمة وروية.

لكن مع كل هذه التحديات التقنية والثقافية، فإني هذه المرة متفائل أن يتم التعامل مع هذا الملف بما يستحقه من أهمية. فالدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة له خلفية تقنية عالية، كما أنه عين أول نائب له شخصية محترفة ولديها خلفية تقنية عالية. هذه الحقائق تجعلنا نتفاءل أن هذا الملف سيكون من أهم أولويات الوزير. فمع تمنياتنا لفهد الجلاجل بالتوفيق والسداد إلا أني آمل أن يستفيد من الكوادر الموجودة داخل الوزارة والتي لديها معرفة تقنية مميزة وخصوصا أنه قد ينقصه فهم تقنية المعلومات الصحية بصورة صحيحة. كما أن تقنية المعلومات الصحية تتطلب فهما تنظيميا للعلاقة داخل المنظومة الصحية، لذا فهو في حاجة إلى من يسد هذه الفجوة العلمية. كما آمل من فهد الجلاجل ألا يكرر أخطاء الإدارة السابقة باستقطاب كفاءات قد لا تعرف بيئة العمل الصحي ما أضعف أثرها في إصلاح الواقع الصحي المعاش.