بقلم / د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس

الصادره من صحيفة الاقتصاديه

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

 

 لعل تعيين وزير التجارة في ظل الرؤية لخصخصة الخدمات الصحية يجبرني أن أقول له إن مفهوم الخصخصة في القطاع الصحي يختلف عن مفهومها في القطاعات غير الصحية. فلا يعني بحال من الأحول كون وزارة الصحة تسعى إلى خصخصة الخدمات الصحية كجزء من برنامج التحول أن أداءها سيصبح شبيها بأداء الشركات التجارية. فخصخصة القطاع الصحي قد لا تحقق النتيجة نفسها التي حققتها الخصخصة في القطاع التجاري البحت. فمثلا، الخصخصة في القطاع التجاري كقطاع الاتصالات أسهمت في رفع الجودة وتقليل التكلفة لكن الخصخصة في القطاع الصحي قد لا تحدث التنافسية التجارية بين القطاعات الصحية بالنتيجة نفسها. بل إن المنطلقات الاقتصادية للقطاع الصحي تختلف عن غيرها من القطاعات التجارية الأخرى بدليل وجود ما يعرف باقتصادات الصحة، التي تخبرنا أن إيجاد التنافسية بين القطاعات الصحية قد لا يسهم في رفع الجودة الصحية أو تقليل التكلفة العلاجية. فبيئة القطاع الصحي تختلف عن القطاعات الأخرى. بل إن الأدبيات العلمية تخبرنا أن التنافسية بين القطاعات الصحية قد تقود في بعض الحالات إلى ارتفاع التكلفة العلاجية. فالجهالة في معرفة المخرجات الصحية وقياسها يحدان من الدور الإيجابي الذي تسهم به التنافسية عادة في رفع الجودة الصحية أو تقليل التكلفة العلاجية. كما أن الواقع الصحي للدول التي خصخصت النظام الصحي بهذه الصورة كالنظام الصحي الأمريكي قادتهم الخصخصة والتنافسية بين المستشفيات إلى ارتفاع التكلفة العلاجية بدلا من انخفاضها. ولم يعد سرا أن التكلفة العلاجية في أمريكا من أعلى التكاليف على الرغم من أن التنافسية في القطاع الصحي الأمريكي عالية جدا سواء على مستوى مقدمي الخدمة العلاجية أو تعدد الأنظمة داخل النظام الصحي الأمريكي أو حتى على مستوى شركات التأمين.
فمفهوم الحاجة والطلب لبعض الخدمات الصحية لا يعتمد على سعر التكلفة العلاجية لأنها بالعرف الاقتصادي inelastic لذا فمقارنة القطاع الصحي بالقطاعات التجارية الأخرى كالاتصالات فيها إجحاف لكلا القطاعين.

فمن جهة، أنا ضد أن تستمر وزارة الصحة في تقديم جميع الخدمات الصحية بكل صورها وأشكالها -كما هو واقعها الآن. فوزارة الصحة حاليا تقدم جميع الخدمات الأساسية والفرعية بما في ذلك الأدوار الرقابية والتنظيمية والإشرافية، كما تقدم الرعاية الصحية بكل مستوياتها (الأولية والمتوسطة والثانوية والتأهيلية) إلى غيرها من الوظائف المتعددة والمتشعبة. وعلى حد علمي أنه لا توجد وزارة صحة في العالم تقدم ما تقدمه وزارة الصحة لدينا سواء على مستوى الحجم أو المهام. لذا فإن خصخصة بعض خدمات وزارة الصحة لم تعد خيارا بل ضرورة يمليها واقع الخدمات الصحية وتوجهات الأنظمة الصحية الحديثة. لذا لابد لوزارة الصحة أن تفكر في خصخصة بعض خدماتها الصحية. فشراكة القطاع الصحي الخاص مهمة جدا لرفع كفاءة النظام الصحي. لكن من جهة أخرى، أجد أنه خطأ استراتيجي أن يتولى القطاع الخاص الخيط والمخيط ويتحكم حتى في العوامل المؤثرة في ارتفاع التكلفة العلاجية. فالخصخصة قد تنجح بشروط وضوابط سبق أن تحدثت عن جزء منها في أكثر من مقال وفي مؤتمر الصحة السعودي هذا العام.

الخصخصة الذكية هي ما يجب على وزارة الصحة السعي نحوه. هذه الخصخصة ستسهم حتما في رفع كفاءة النظام الصحي واستثمار موارده بصورة مثلى دون أن يتحمل المواطن تبعات مالية. كما أنها ستسهم في إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات ولكن بصورة تضمن لصانع القرار قياس مخرجات هذا القطاع بصورة صحيحة كخصخصة الخدمات الصحية المنزلية والرعاية الأولية والرعاية طويلة الأمد والخدمات التي لها مخرجات محددة كالخدمات الإشعاعية والغسيل الكلوي وغيرها. فالشراكة مع القطاع الصحي الخاص مهمة جدا لأنها ستسهم حتما في رفع كفاءة النظام الصحي. هذه الشراكة أشار لها برنامج التحول للقطاع الصحي (الهدف الاستراتيجي الأول) بزيادة حصة القطاع الصحي الخاص لـ35 في المائة لكن الأهم في المرحلة القادمة، الكيفية التي ستتم بها هذه الشراكة وكيفية ضمان تحقيق الأهداف المرادة منها.

من المؤسف أن البعض يتحدث عن خصخصة الخدمات الصحية وكأنها نمط واحد وصورة واحدة. فالمهتم أو المراقب يجد أن عديدا من الأطروحات الإعلامية حول خصخصة الخدمات الصحية تفتقر إلى تحديد معنى دقيق لماهية الخصخصة وأنواعها ما يجعلها في أغلب أطروحات الإعلام تفتقد الدلائل العلمية. خصخصة الخدمات الصحية ليست يا أبيض أو أسود بمعنى إما مع خصخصة الخدمات الصحية وإما ضدها، بل لا بد من التفصيل في معنى الخصخصة ابتداء ومن ثم الحديث عن ماهية الخدمات التي يراد تخصيصها أو خصخصتها؟ ومن الشرائح المستهدفة منها؟ وما المحفزات لمقدمي الرعاية الصحية؟ وما الخيارات المتاحة للمستفيدين من الخدمة؟ وكيف يمكن الحد من ارتفاع التكلفة العلاجية مستقبلا؟ وغيرها من الأسئلة المتعلقة بآليات التطبيق بشكل تفصيلي.

هذه الأسئلة وغيرها هي الأهم في المرحلة القادمة لأن برنامج التحول تحدث عن الخصخصة ومشاركة القطاع الصحي الخاص. لذا فإني أجد أن الحديث في العموميات وفي مسلمات عامة كالحديث حول المبادئ العامة للخصخصة أو أهمية الشراكة مع القطاع الصحي الخاص لم تعد إشكالية حقيقية لأن الأهم في المرحلة القادمة كيفية تحقيق هذه الشراكة والاستفادة من الخصخصة بما يحقق رفع كفاءة تقديم الرعاية الصحية ورفع جودة الخدمات المقدمة بصورة صحيحة.