الخصخصة بين القطاعين الصحي والتجاري .. أولوية المرحلة القادمة
بقلم / د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار
فمن جهة، أنا ضد أن تستمر وزارة الصحة في تقديم جميع الخدمات الصحية بكل صورها وأشكالها -كما هو واقعها الآن. فوزارة الصحة حاليا تقدم جميع الخدمات الأساسية والفرعية بما في ذلك الأدوار الرقابية والتنظيمية والإشرافية، كما تقدم الرعاية الصحية بكل مستوياتها (الأولية والمتوسطة والثانوية والتأهيلية) إلى غيرها من الوظائف المتعددة والمتشعبة. وعلى حد علمي أنه لا توجد وزارة صحة في العالم تقدم ما تقدمه وزارة الصحة لدينا سواء على مستوى الحجم أو المهام. لذا فإن خصخصة بعض خدمات وزارة الصحة لم تعد خيارا بل ضرورة يمليها واقع الخدمات الصحية وتوجهات الأنظمة الصحية الحديثة. لذا لابد لوزارة الصحة أن تفكر في خصخصة بعض خدماتها الصحية. فشراكة القطاع الصحي الخاص مهمة جدا لرفع كفاءة النظام الصحي. لكن من جهة أخرى، أجد أنه خطأ استراتيجي أن يتولى القطاع الخاص الخيط والمخيط ويتحكم حتى في العوامل المؤثرة في ارتفاع التكلفة العلاجية. فالخصخصة قد تنجح بشروط وضوابط سبق أن تحدثت عن جزء منها في أكثر من مقال وفي مؤتمر الصحة السعودي هذا العام.
الخصخصة الذكية هي ما يجب على وزارة الصحة السعي نحوه. هذه الخصخصة ستسهم حتما في رفع كفاءة النظام الصحي واستثمار موارده بصورة مثلى دون أن يتحمل المواطن تبعات مالية. كما أنها ستسهم في إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات ولكن بصورة تضمن لصانع القرار قياس مخرجات هذا القطاع بصورة صحيحة كخصخصة الخدمات الصحية المنزلية والرعاية الأولية والرعاية طويلة الأمد والخدمات التي لها مخرجات محددة كالخدمات الإشعاعية والغسيل الكلوي وغيرها. فالشراكة مع القطاع الصحي الخاص مهمة جدا لأنها ستسهم حتما في رفع كفاءة النظام الصحي. هذه الشراكة أشار لها برنامج التحول للقطاع الصحي (الهدف الاستراتيجي الأول) بزيادة حصة القطاع الصحي الخاص لـ35 في المائة لكن الأهم في المرحلة القادمة، الكيفية التي ستتم بها هذه الشراكة وكيفية ضمان تحقيق الأهداف المرادة منها.
من المؤسف أن البعض يتحدث عن خصخصة الخدمات الصحية وكأنها نمط واحد وصورة واحدة. فالمهتم أو المراقب يجد أن عديدا من الأطروحات الإعلامية حول خصخصة الخدمات الصحية تفتقر إلى تحديد معنى دقيق لماهية الخصخصة وأنواعها ما يجعلها في أغلب أطروحات الإعلام تفتقد الدلائل العلمية. خصخصة الخدمات الصحية ليست يا أبيض أو أسود بمعنى إما مع خصخصة الخدمات الصحية وإما ضدها، بل لا بد من التفصيل في معنى الخصخصة ابتداء ومن ثم الحديث عن ماهية الخدمات التي يراد تخصيصها أو خصخصتها؟ ومن الشرائح المستهدفة منها؟ وما المحفزات لمقدمي الرعاية الصحية؟ وما الخيارات المتاحة للمستفيدين من الخدمة؟ وكيف يمكن الحد من ارتفاع التكلفة العلاجية مستقبلا؟ وغيرها من الأسئلة المتعلقة بآليات التطبيق بشكل تفصيلي.
هذه الأسئلة وغيرها هي الأهم في المرحلة القادمة لأن برنامج التحول تحدث عن الخصخصة ومشاركة القطاع الصحي الخاص. لذا فإني أجد أن الحديث في العموميات وفي مسلمات عامة كالحديث حول المبادئ العامة للخصخصة أو أهمية الشراكة مع القطاع الصحي الخاص لم تعد إشكالية حقيقية لأن الأهم في المرحلة القادمة كيفية تحقيق هذه الشراكة والاستفادة من الخصخصة بما يحقق رفع كفاءة تقديم الرعاية الصحية ورفع جودة الخدمات المقدمة بصورة صحيحة.