بقلم / مرزوق بن تنباك 

الصادره من صحيفة مكه

مجلة الجوده الصحيه _ دينا المحضار 

 

لا نعني بالعنوان المرض العضوي الذي يصيب الناس بقدر الله، فأمره سهل وعلاجه ممكن وقد يمن الله على المرضى بالشفاء والعافية ويكتب لهم أجر الصبر والاحتساب، وقد تغفر ذنوب المرء بما لقي من معاناة المرض المعتاد أو يتوفاه الله فيستريح ويرتاح في رحمة ربه، والموت هو النهاية الطبيعية وكل من عليها فان كما قال الله بعلمه وحكمته.

ولكن المرضى الحقيقيون الذين لا يشفى مرضهم هم أولئك الذين يتمتعون جسديا وعضويا بكامل الصحة والعافية ولكنهم مصابون بكثير من الأمراض المستعصية التي لا يوجد لها علاج ولا أمل بالشفاء منها، هؤلاء الذين تمتلئ أجسادهم صحة وقوة وعنفوانا ولكنهم يحملون كل أنواع الأمراض الاجتماعية التي لا تصيبهم وحدهم بل ينقلونها إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، وأمراضهم وبائية قاتلة ومتنوعة في أعراضها ومتعددة خطورتها حتى لا يكاد يسلم منها أحد له علاقة بهم أو تربطه صلة بهم في أي شكل.

تعد الأمراض الاجتماعية أدق الأمراض وأخطرها وهي ليست عارضا يمكن تجاوزه أو علاجه والقضاء عليه، ولكنها أمراض بيئية مستوطنة يصعب كفاحها قبل أن تصيب من يلامسها بالضرر والعدوى، وهي كثيرة قد نكتفي بذكر واحد منها ومن أخطرها ذلك هو الكراهية وهو مرض مزمن في الذائقة الإنسانية منذ القدم وقد مر في تاريخ البشرية حروب شاملة ومدمرة للحياة والناس ليس لها باعث ولا سبب إلا الكراهية التي تتغلغل في بعض النفوس وتظهر القسوة وتحبذ الفتنة وتدعو إليها، وتستثار عوامل الكراهية ببعض أخطاء البشر، حيث ينشط الكارهون في البيئات المنغلقة الراكدة التي لا ترى النور يخرج إلا من منافذ صدورهم المملوءة بكل نوازع البغضاء والشك والتردد في عمل الخير، وتغليب الظن السيئ والبعد عن الرفق والتسامح.

ويعمد مرضى الكراهية إلى حيل وأسباب كثيرة لنشر ما في نفوسهم في طرق شتى أهمها تصنيف الناس وتقسيم المجتمع والبحث عن السلبيات وما أكثرها في الحياة العامة وغمط الحسنات وخلق المشكلات أو تضخيمها، كل ذلك يجعل مرضى الكراهية شؤما على الناس الذين يعيشون بينهم، وأخطر حالات مرضى الكراهية أن تدفعهم الأقدار إلى مكان يتولون به أمرا من الأمور العامة أو شأنا من شؤون الناس فيمارسون لذتهم وكراهيتهم لعرقلة ما تحت أيديهم من الأعمال التي يتولونها ويحولون السهل منها إلى صعب والصعب إلى مستحيل. تجد هؤلاء المعتلين اجتماعيا في كل مكان لكن المكان الأخطر هو دهاليز البيروقراطية وأحراشها القارصة ولا سيما في العالم الذي لا يعرف الإنسان إلى حقه طريقا إلا ما يقبع على بابه أحد هؤلاء المرضى بمرض التعقيد والتنكيد والأذى.

تؤكد كثير من الدراسات الحديثة النفسية والاجتماعية أن نسبة لا بأس بها من المجتمعات يصنفون بأنهم عديمو الشعور قليلو الإحساس معتلون وجدانيا حتى وإن بدا لأول وهلة أنهم أسوياء وأصحاء.

من المؤكد أن الإنسان في تعامله اليومي قد يواجه نماذج منهم ويتعامل معهم، والسلامة لا تكون بالبعد عنهم وتجنب شرهم لأن ذلك يزيد أذاهم، وإنما بمواجهتهم وبيان الأخطاء التي يقعون فيها ووضعهم في الحيز الذي يقي المجتمع منهم حتى يسلم الناس من تصرفاتهم، ويوضعون في حجمهم الطبيعي ويعرفون بالكراهية والنكد والتعقيد، هنا تكون السلامة منهم أقرب.

[email protected]