بقلم / سلطان فهيد التمياط 

الصادره من صحيفة مكه

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

 

 

«من خلال الجولات السرية وجدنا أن كثيرا من المراكز الصحية والمستشفيات لا ترقى لمستوى الطموح».. (وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة 2017/3/8).

أن تقرأ هذه التغريدة وبعد ما يقارب العام على تولي معاليه حقيبة وزارة الصحة، تشعر على الفور بحجم المسؤولية التي تقع على كاهله، لسنا بحاجة للخوض في تفسير تلك الكلمات، فقد ظلت الخدمات الطبية ومنذ وقت طويل مثار سخط وعدم رضا الناس، وما صرح به معالي الوزير لا يفاجئ أحدا ولا يختلف عليه اثنان.

إن من شأن هذا التصريح أن يجعل الوزير يبدأ بالفعل الخطوات الأولى باتجاه التغيير الجذري، الأمر الذي يسمح له بمراجعة جميع الأنظمة والقوانين البالية والتي تغتال كل محاولات التجديد والابتكار في مهدها، كما أنها فرصة سانحة لإدارته وكبار تنفيذيه بمراجعة العقود الحالية لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية وفق ضوابط صارمة مماثلة لعقود القطاع الخاص. ومن هنا يأتي الحديث عن ضرورة الإرشاد في الإنفاق وتجنب ما حدث في سنوات الهدر، ثمة من لا يشجع المضي بهذا الاتجاه من أجل مصالح الموردين المعتمدين ذوي النفوذ العالي في المجتمع وليس من أجل المصلحة العامة. وهذا يدفعنا إلى التذكير بأن الموازنة الفلكية والتي كانت في المتوسط حوالي 52 مليار ريال في الأعوام الخمسة ما بين 2011-2015 وهي تقريبا ضعف موازنة الخمسة أعوام السابقة لها، لم تأت بأي تحسن ملحوظ على تلك الخدمات بل إنها ضاعفت من كمية الهدر.

كنا ولا نزال نعقد الكثير من الآمال على قدرة الوزير توفيق الربيعة على عمل التغيير المنشود، فهو وبما يتمتع به من ديناميكية ومهارة في التواصل والتي لمسناها من تجاربه السابقة، قد يصبح الإضاءة المأمولة لخارطة الطريق للسير بثقة نحو تنفيذ برامج التحول الوطني ورؤية 2030، ولأننا نكن الكثير من الاحترام لتجربته ولشخصه الكريم فهو يستحق (وربما ينتظر) منا ذوي المعرفة والاختصاص الاستمرار بالنقد والكتابة.

ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى أمر مهم جدا وقد يصبح التحدي الأول لوزارة الصحة، وهو قدرتها على الاحتفاظ بأطبائها المهرة، الذين بذلوا سنوات عمرهم في التحصيل العلمي وحصلوا على أرفع الشهادات العلمية والتخصصات النادرة والتي على إثرها تم استحداث بدل الندرة، مما شجع هـؤلاء الأطباء على تأسيس العديد من البرامج الطبية المميزة في كافة التخصصات وفِي شتى مدننا المترامية الأطراف، ورفضوا العروض المغرية في القطاع الخاص أو خارج الحدود، لقد كان هـؤلاء الأطباء ولثلاثة عقود متواصلة المكسب الحقيقي الذي أفرزته سنوات الطفرة والذي حان الوقت لاستثمارهم في مشاريع وبرامج التحول الوطني. وبدلا من دراسة الآلية التي تميز الطبيب الماهر والناجح وتمنحه امتيازات مالية ومعنوية إضافية، حدث ما هو عكس ذلك تماما، فتجريدهم من تلك الحوافز والتي تصل إلى 60%‏ من دخلهم يبعث على الأسى والإحباط. وحين يفقد الطبيب المؤهل والمتخصص ما اعتاد عليه لأعوام، ليصبح دخله أقل من نظرائه غير المواطنين يصبح الأمر غير مقبول وليس له مبرر.

لا بد من الإشارة أيضا إلى أن مشوار هؤلاء الأطباء طويل وشاق للغاية، فما إن يتخرج أحدهم بامتياز وتفوق واضح في المرحلة الثانوية حتى يبدأ سنوات سبع عجاف في كلية الطب، ليس بها سوى الكثير من الجهد والعناء وقليل من الذاكرة البهية وحين يتخرج وقبل أن تكتمل أفراحه، يكتشف أنه حصل فقط على رخصة للانخراط في مهنة الطب وأنها ليست سوى البداية، عليه أن يبحث عن مكان بين الكبار، عن تخصص يمضي به أربعة إلى خمسة أعوام أخرى عملا ودراسة، يتبعها عامان إلى ثلاثة أعوام تخصص دقيق، يتطلب ذلك في غالب الأحوال السفر خارج المملكة إلى القارتين الأوروبية أو الأمريكية الشمالية، يحدث ذلك قبل أن يتحمل مسؤولية مريضه الأول كطبيب استشاري.

أما فيما يتعلق بالحاجة لهؤلاء الأطباء فإن الإجابة تتضح بالاطلاع على الإحصاء الأخير والصادر عن وزارة الصحة نفسها، حيث يشير إلى أن عدد الأطباء من جميع الجنسيات يبلغ 81،532 طبيبا (بما فيهم أطباء الأسنان) منهم 19،029 سعوديا يشكلون ما نسبته 23.3%‏ من عدد الأطباء في جميع القطاعات في المملكة. وحين نمعن النظر في مجمل عدد الأطباء السعوديين نجد أن 25% منهم يعمل في وزارة الصحة، بينما يفضل 75% من الأطباء السعوديين العمل خارجها، حيث يعمل 70% منهم في المستشفيات العسكرية (وزارة الدفاع، الحرس الوطني، الأمن العام) إضافة إلى المستشفيات الجامعية، بينما يعمل أقل من 5% من الأطباء السعوديين في القطاع الخاص.

يتضح للعيان كم نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة عدد الأطباء المواطنين والاستمرار بتحفيزهم من أجل الحصول على التخصصات الدقيقة، فنحن ما زلنا على وعد التحول الوطني في القطاع الصحي، وتسودنا موجة من التفاؤل بتلك البرامج. هذا هو أقل ما يجب أن تسعى إليه وزارة الصحة، أما إذا لم يتم مراجعة هذا الأمر، وإعادة النظر فيه واقتراح الحلول الممكنة فإن الخدمات الصحية في المراكز والمستشفيات ستظل ولأعوام طويلة قادمة دون المستوى ودون الطموح الذي وصفه معالي الوزير.