بقلم / محمد السنان 

الصادره من صحيفة البث الالكترونيه

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

 

 

 

 

 

منهج استبعاد أصحاب كلمة الحق أو الاختصاص منهج قديم جدا، ويتجلى في قوله تعالى واصفا تصرف قوم لوط مع آل لوط بقوله (( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )). فمن قديم الزمن كان استبعاد أهل الحق لأجل صلاحهم، وهذه السياسة في التعامل يتولد منها أسلوب إداري معاصر مشابه وهو ( لا أريكم إلا ما أرى ) بمعنى أن المسؤول يرى نفسه دوما على صواب وقراره هو الصحيح، فيجب على الجميع اتباعه وموافقته ويصل بالبعض الحال إلى مرحلة التصفيق الحار وإن كان غير مقتنع، وكل هذه الأعراض لمن هم حول المسؤول ممكن أن يتسبب بها متلازمة حب الكراسي وإن وصفها البعض بأنها ( كراسي حلاقين ) ولكن لا زال البعض متمسك بها بكل ما يستطيع، والبعض الآخر يرون قداسة لمن عرفوا عنه ماض رائع فلا يحتملوا أبدا أن تنتقد هذا المسؤول وكأنه محصن من الخطأ !! والسياسة الأخرى التي ظهرت أيضا هي ( أنت معي فأنت قديس، وإذا كنت ضدي فأنت ابليس ) فترى إقصاء لكل من يعارض المسؤول أو يختلف معه اختلافا إداريا أو تنظيميا أو فنيا.

كل هذه الأمور من الممكن أن تتجلى في إقصاء وزارة الصحة للكثير من المختصين مؤخرا، فنجد استبعاد للكوادر الفنية من بعض الأماكن نظرا للحاجة الماسة لهم وهذا توجه الوزارة مسبقا ونحترمه، ولكن نتعجب للانتقائية في الاقصاء فقد نجد استبعاد للأطباء من المناصب الإدارية من أبناء الوزارة ذاتها لتلك الحجة، وبالمقابل استقطاب لعدد كبير من الأطباء ووضعهم في مناصب إدارية !! نرى بعض الكوادر الفنية في منصب مدير مكتب لصاحب معالي أو مدير ما !! نرى وضع لغير المختصين من أي تخصص غير طبي في أي مكان !! وكأن استبعاد الكوادر الفنية لغير الاختصاص كان لوضع أي شخص غير فني بغض النظر عن تخصصه، سواء كان مهندس (حاسب – كهرباء – بترول) أو إدارة عامة !! ومؤخرا أيضا انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي خطاب لوكيل الوزارة للموارد البشرية بطلب اعتماد مبالغ مالية للتعاقد مع معهد الإدارة العامة لتدريب مدراء المراكز الصحية!! متناسيا وجود تخصص اسمه الإدارة الصحية، أو وجود الكوادر المؤهلة في الوزارة من تخصص الإدارة الصحية.

الإقصاء الذي يعانيه تخصص الإدارة الصحية في طرح الأرقام الوظيفية، وتحسين مستويات الحاصلين على المؤهل أمر غير مقبول بتاتا، وفي ذات السياق فغير مستغرب هذا الأمر من استبعادهم فهذا المنهج الذي تكلمنا عنه بداية المقال، استبعاد أهل التخصص الفعلي ومحاولة تأهيل المزيد في الإدارة العامة، هذه هي النتائج المتوقعة عندما يوكل الأمر إلى غير أهله، و من الممكن أن يكون الأمر بنفس الطريقة التي يتعامل به الأجانب مع أبناء البلد عن توظيفهم، من محاربة للكفاءات التي من الممكن أن تشغل مناصبهم يوما ما، نعم فمختصي الإدارة الصحية هم من يستحقوا أن يشغلوا أغلب المناصب الإدارية بوزارة الصحة، وذلك بعد اكتسابهم للخبرات المطلوبة إلى جانب الكوادر الفنية في المناصب التي تحتاج إلى خلفية فنية أو طبية، ولا مكان للبقية إلا في تخصصاتهم الفعلية، فالموارد البشرية والشؤون الإدارية والمالية والتخطيط والتطوير وكل ما لا يحتاج إلى كوادر فنية فمن باب أولى أن يشغله مختصوا الإدارة الصحية، ومن سخرية القدر أن يكون قرار تمكينهم في يد من سيتم استبعادهم عند وجود المختص فعليا!!

اعتقد أن الوزارة لابد أن تنتهي من التناقضات المستمرة بين ما تقوله وبين ما تطبقه، فمثلا استبعاد بعض الكوادر الفنية من مناصب لا يتوافق وترك غيرهم في مكاتب أصحاب المعالي في غير تخصصاتهم مثلا!! والتحدث عن التخصصية المزعومة لا يتناسب واستقطاباتكم الأخيرة لمتخصصي وزارة التجارة ووضعهم في مناصب قيادية، وكل هذه التناقضات محصلة طبيعية لـ (عندما يوكل الأمر إلى غير أهله).

محمد السنان
كاتب في الشأن الصحي