بقلم / سلطان فهيد التمياط 

الصادره من صحيفة مكه

نشأت مهنة الطب مع نشأة الإنسان، يبذل الطبيب وقته وحياته ثمنا لراحة الآخرين، يبذل قصارى جهده لمعرفة المرض وعلاجه، في المقابل فإنه يحظى بتقدير من أطياف المجتمع كافة نظير ما يقدمه لهم من خدمات جليلة. ينبغي للطبيب التحلي بكثير من الصفات حتى يفي هذه المهنة السامية حقها. فبالإضافة إلى التأهيل العلمي العالي في مجال الطب، وما يليه من سنوات الاختصاص واكتساب المهارة والخبرة، فإن التطبيق الحي لآداب وأخلاقيات المهنة بكل نزاهة وأمانة من أهم سمات الطبيب الناجح.

على الطبيب أن يستمع جيدا لشكوى مرضاه وإن بدت بسيطة، وأن يجيب وبوضوح عن جميع الأسئلة مهما تنوعت أو تكررت، كما ينبغي له مناقشة أدق التفاصيل في الخطة العلاجية المزمع تنفيذها أو الإجراء الطبي الجراحي، عليه أن يفعل ذلك بكل حيادية متجردا من أي منفعة شخصية، وأن يراعي خصوصية كل مريض ويحفظ أسراره.

في عصر التطور التقني والرقمي وتنوع محركات البحث في الشبكة العنكبوتية، ثم ما تلاها من تطور هائل في وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المعلومة الطبية متاحة للمرضى من مصادر عدة، كما أن نتائج تلك الخدمات أو الانطباع عنها ترى النور بعد ساعات قليلة ويتم تداولها في حسابات كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. يأتي المريض إلى عيادة الطبيب وفي جعبته معلومات كثيرة ومتنوعة تطيل زمن الاستشارة وقد تولد جدلا بينه وبين الطبيب، هذا هو التحدي الكبير للطبيب الذي يجب عليه أن يبين له الرأي الطبي والحقيقة العلمية المبنية على التجربة والبرهان Evidence Based Medicine.

لو تأملنا ما يتردد من وقت لآخر عن تعرض بعض المواطنين لأخطاء طبية في القطاعين العام والخاص، لوجدنا أن كثيرا منها نتاج لخلل واضح حدث في لقاء الاستشارة الأول بين الطبيب والمريض، ويتحمل الطبيب في الغالب الجزء الأكبر من المسؤولية، حين لا يتم شرح التفاصيل الدقيقة للإجراء الطبي، على الطبيب أن يفعل ذلك وفي كل مرة مع ذكر المضاعفات المحتملة والمتعارف عليها في الأوساط الطبية، كما ينبغي له أن يذكر النسب المئوية لتلك المضاعفات وكتابتها بكل وضوح في الإقرار الطبي أمامه، ثم إعطاء المجال مرة أخرى للمريض لقراءتها وطرح الأسئلة حولها قبل الاطمئنان والتوقيع.

لو أن الزملاء الأطباء بذلوا بعض الوقت في هذا الإجراء، لتمكنوا من كسب ثقة مرضاهم وبددوا كل الشكوك في التقصير والإهمال في حالة حدوث بعض تلك المضاعفات لا سمح الله، أما حين توكل تلك المهمة لطبيب آخر أو للممرضة فإن المريض سيوقع كإجراء روتيني لإقرار غير مكتمل.

لقد عايشت كثيرا من التجارب في حياتي المهنية في تخصص الجراحة، وعاصرت كثيرا من أطباء جيل الرواد وهذا الجيل، وشهدت تباينا كبيرا بين الأطباء حول طريقة التعامل ومهارات التواصل مع المرضى، وتعلمت أن المريض الذي يجد الاهتمام الكافي والتواصل الجيد من طبيبه في شرح آلية الإجراء الطبي أو الجراحي مع شرح جميع المضاعفات المحتملة ونسبها المئوية، ثم كيفية حدوثها وطرق التعرف عليها دون تأخير أو تنصل من المسؤولية، سيتقبل تلك المضاعفات على أنها حدث محتمل، وأنها ليست أخطاء طبية، وسيمنح طبيبه الموافقة على الاستمرار بمعالجته للسيطرة عليها.

ثمة أسئلة تتكرر كثيرا في هذا السياق، ما هي الأخطاء الطبية؟ ومتى تصبح المضاعفات الجراحية خطأ طبيا؟ تكون المضاعفات الطبية خطأ طبيا حين يحدث قصور هائل في شرحها أو في توثيقها بشكل واضح ومفهوم للمريض، تعتبر خطأ طبيا في حالة عدم التعرف على تلك المضاعفات في الوقت المناسب أو عندما يتنصل الطبيب من المسؤولية، وذلك بطمأنة المريض أو التقاعس عن طلب إجراء تشخيصي مثل الأشعة أو العمليات الاستكشافية للتعرف على المضاعفات، كما أن تلكؤ الطبيب في تحويل المريض إلى طبيب مختص في علاج تلك المضاعفات قد يعرضه للتقصير في التعامل مع المضاعفات الناجمة عن الإجراء الذي قام به. كما أن قيام الطبيب بإجراء عملية جراحية بعيدة عن تخصصه وخبرته دون الخضوع للشروط المتعارف عليها طبيا سيعرضه للمساءلة القانونية في حالة حدوث أي من المضاعفات الطبية.

وإذا كنا نحن الأطباء مطالبين بأن نجسد سلوكا حسنا وأن نتحلى بأخلاق ديننا الحنيف، فإنه يجب علينا أن نحمي مرضانا من القيام بأي إجراء طبي مبتكر قبل التثبت من جدواه، علينا ألا ننسى أمرا بالغ الأهمية وهو أن نوثق علاقتنا بالمرضى، وأن نسعى للحصول على دعم الإدارات الطبية وتشجيعها لإقامة المحاضرات والندوات التي تتحدث عن حقوق المرضى وواجباتهم، كما يجب نشر التوعية للكوادر الطبية بضرورة الاهتمام بكامل التفاصيل المتعلقة بالإقرار الطبي لكل مريض، حينما نفعل ذلك فإننا نحد وبشكل واضح مما يتم تناقله مرارا عن الأخطاء الطبية في وسائل التواصل الاجتماعي.