بقلم / د. عبدالإله الهوساوي 

الصادره من صحيفة الرياض

مجلة الجوده الصحية _ دينا المحضار 

 

 

 

عبدالعزيز هو مدير أحد المدارس الثانوية بمدينة الرياض، يبلغ عبدالعزيز 56 عاماً من العمر وقد أمضى أكثر من 31 سنة من حياته في قطاع التعليم، منها 15 عاماً في منصبه كمدير لإحدى أهم المدارس الثانوية في العاصمة.

بدأ عبدالعزيز يومه بداية طبيعية الساعة السابعة صباحاً: استقبال الطلاب عند بوابة المدرسة، الطابور الصباحي، الإذاعة المدرسية، تمارين الصباح، النشيد الوطني.

استمر يوم عبدالعزيز عادياً إلى أن أصبحت الساعة الثانية ظهراً..

وفي فترة كانت أقرب إلى لحظات منها إلى ساعات، أفاق عبدالعزيز في غرفة الطوارئ على صوت أحد أفراد الفريق الطبي:

“رجاءً لا تتحرك حتى يستطيع الجهاز قياس ضغطك بشكل دقيق” صرخ طبيب الطوارئ في وجه عبدالعزيز..

بعدها بدقائق: “اخلع ملابسك والبس رداء المستشفى” قالت إحدى الممرضات له..

وخلال فترة ليست بالبعيدة: “لا تتحرك كثيراً” قالت فنية الأشعة له وهو على سرير الأشعة المقطعية في قسم الأشعة..

ما لم نذكره هنا أنه حوالي الساعة الثانية ظهراً، شعر عبدالعزيز بصداع شديد وآلام في الصدر.

… وخلال ساعات قليلة تم تشخيصه بذبحة صدرية (جلطة في الشرايين التاجية).

اضطر عبدالعزيز على إثرها التنويم في المستشفى للعلاج.

في اليوم الأول: “ليش ما أخذت هذه الأدوية” قالت الممرضة لعبدالعزيز وهي تشير إلى مجموعة من الحبوب الملوّنة “الأدوية”؟!

اليوم الثاني: “خذ نفسا عميقا ولا تتحرك” قال فني الأشعة له وهو يستعد لأخذ أشعة للصدر.

وهلمّ جرا…

بين ليلة وضحاها، تحوّلت حياة عبدالعزيز هذا المربّي الفاضل ذو الشخصية الفذّة والصوت الجهوري من قائد مؤثر ومهم في مدرسته إلى شخص أقرب إلى أن يُقال عنه أنه شخص “مسلوب الإرادة”.

ربما تكون القصة أعلاه عن عبدالعزيز (مدير المدرسة)، لكنها تعكس بلا شك لسان حال الكثير من المرضى مع القطاع الصحي، فقبل أن يكونوا مرضى، أو “حالات مثيرة للاهتمام” “Interesting Cases” كما يقول بَعضُنَا نحن الممارسين الصحيين، قبل أن يكونوا مرضى، كانوا أناساً مهمين، كاملي الإنسانية، معتمدين، بعد الله عز وجل، على أنفسهم. فالذي قد لا نعرفه عن المريضة ذات السبع سنوات والمصابة بالتهاب في اللوز هو أنها (ابنة، وأخت، وحفيدة، وطالبة متفوّقة في مدرستها) والذي يغيب عن بالنا ونحن نتعامل مع المريض “الموجود في غرفة 124” ذو الأربعين خريفاً، أنه (أب، وزوج وأخ، وابن، وسيصبح جداً بعد شهرين، بالإضافة إلى كونه “كابتن” في الخطوط الجوية السعودية)، والذي نسيناه أن المريض ذا السبعين عاماً الذي فحصناه قبل قليل في الطوارئ هو (أب، وأخ، وجد، وزوج، بالإضافة الى كونه شيخ قبيلته) وحتى المريض عامل النظافة “الصديق” الذي شخصّناه قبل قليل بالتهاب في الزائدة ووقّعناه على ورقة الموافقة على العملية من دون أن نشرح له العملية بلغة يفهمها، حتى هذا هو (أخ، وزوج، وسيُصبِح أبا بعد أشهر، بالإضافة إلى كونه إنساناً)!

هنا يأتي دور التمكين الصحي كجزء مهم جداً من العملية العلاجية. قد يسلب المرض الإنسان صحَّته، أو قدرته على المشي، أو الكلام، أو الأكل، أو العمل، أو الدراسة. قد يكون المرض مؤقتاً (يُرجى برؤه) أو مزمناً (لا يُرجى برؤه)، لكن ليس من المفترض أن يسلب المرض من الإنسان كرامته، وبالتأكيد ليس من المفترض أن يسلب المرض من الإنسان إمكانيته على أخذ القرار السليم أو أن يكون عنصراً فعالاً في الخطة العلاجية.

تتجه النظم الصحية في العالم للتحول من الطريقة التقليدية “الأبوية” في التعامل مع المرضى والتي يكون فيها المريض الحلقة الأضعف في الخطة العلاجية، إلى الطريقة الحديثة المعتمدة على “التمكين الصحي” للمرضى والتي يكون فيها المريض وأسرته شريكاً فعالاً ذا صوت مسموع ومهم في الخطة العلاجية.

أثبتت كثير من الدراسات مؤخراً أن التمكين الصحي له فوائد إيجابية عديدة لتحسين جودة الخدمات الصحية وسلامة المرضى، وزيادة فاعلية النظم الصحية بالإضافة إلى زيادة كبيرة في نسبة رضا المجتمع عن الخدمة الصحية المقدمة، كما بدأت منظمة الصحة العالمية على حث دول العالم لإضافة التمكين الصحي كجزء لا يتجزّأ من الإستراتيجية الصحية الوطنية.

لذا من المهم جداً ونحن مقبلون على تحوّل شامل في القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، أن نعمل على تجذير مبدأ التمكين الصحي في الخدمات الصحية المقدّمة للمرضى.

  • مدير عام المركز السعوديلسلامة المرضى