بقلم / سعود بن هاشم جليدان 
مجلة الجودة الصحية _ دينا المحضار 
تدل مؤشرات الإنفاق الصحي للفرد على مستويات وجودة الرعاية الصحية، وقدرات الدول والأفراد على تطوير الخدمات الصحية والاهتمام بها. فالدول الغنية والمتقدمة وسكانها ينفقون أكثر على الخدمات الصحية للفرد الواحد مما يوفر رعاية صحية متقدمة ويخفض الوفيات ويزيد من معدلات عمر سكانها، بينما تعاني الدول الأقل دخلا والفقيرة وسكانها من انخفاض معدلات الإنفاق للفرد، ما ينعكس سلبا على مستوى الخدمات الصحية ونوعيتها ومعيشة سكانها. وإدراكا لأهمية الرعاية الصحية والزيادات السكانية العالمية ارتفعت معدلات الإنفاق الصحي للفرد على المستوى العالمي خلال العقود الماضية. أما في المملكة فتشير بيانات وزارة الصحة إلى نمو ملحوظ في الإنفاق الصحي الحكومي خلال السنوات الماضية، حيث ارتفعت ميزانية وزارة الصحة من نحو 22.8 مليار ريال في عام 2007 إلى نحو 58.9 مليار ريال في عام 2016، وهو ما يمثل نسبة نمو تزيد على 150 في المائة خلال فترة السنوات التسع المنصرمة، وبمعدلات نمو سنوي تفوق ضعف نمو الإنفاق العالمي الإجمالي على الرعاية الصحية. وقد شهدت الفترة نموا مستمرا في إنفاق وزارة الصحة ماعدا عام 2016 الذي تراجع فيه الإنفاق بنسبة 5.5 في المائة عن العام السابق. وبذلك وصل معدل الإنفاق الصحي لوزارة الصحة بالنسبة للفرد الواحد من سكان المملكة إلى نحو 1855 ريالا ـ أو نحو 495 دولارا أمريكيا ــ في عام 2016. يمثل إنفاق وزارة الصحة معظم الإنفاق الصحي الحكومي، ولا يعرف بالضبط الإنفاق الصحي للوزارات الأخرى كوزارات الدفاع والداخلية والحرس والتعليم، ولكن إضافة إنفاق الوزارة الأخرى سترفع معدلات الإنفاق الحكومي للفرد بما لا يقل عن 100 دولار للفرد من سكان المملكة. وهذا يعني أن معدل الإنفاق الحكومي الصحي للفرد لا يقل عن 600 دولار في العام الماضي. تنفق المؤسسات الخاصة والأسر في المملكة مبالغ إضافية كبيرة على الرعاية الصحية. وتشير بيانات البنك الدولي إلى وصول معدل الإنفاق الصحي للفرد في المملكة إلى 1147 دولارا في عام 2014، بينما وصل معدل إنفاق وزارة الصحة على الفرد إلى نحو 521 دولارا في ذلك العام حسب بيانات الوزارة، ما يعني تحمل القطاع الخاص من أسر ومؤسسات نسبة كبيرة من الإنفاق الصحي الكلي. وهذا يؤكد أن هناك شراكة حقيقية بين القطاعين الخاص والعام في تحمل تكاليف الرعاية الصحية، وذلك على الرغم من النمو القوي في إنفاق الدولة على الرعاية الصحية. يقترب معدل الإنفاق الصحي للفرد في المملكة في عام 2014 مع المعدل العالمي البالغ 1059 دولارا. وينخفض معدل الإنفاق الصحي للفرد في معظم الدول النامية التي يكثر فيها السكان مقارنة بالعالم المتقدم ما يخفض من معدلات الإنفاق العالمية على الصحة. أما في الدول المتقدمة فيزيد معدل الإنفاق الصحي للفرد على 3500 دولار للفرد بالأسعار الجارية، ويصل في أمريكا الشمالية إلى نحو تسعة آلاف دولار للفرد. وتتصدر سويسرا والنرويج والولايات المتحدة دول العالم في الإنفاق الصحي للفرد حيث وصل معدل الإنفاق الصحي للفرد في هذه الدول عام 2014 إلى 9674 دولارا، 9522 دولارا، 9403 دولارات على التوالي. على الرغم من النمو القوي في الإنفاق الصحي الحكومي خلال السنوات الأخيرة، تنخفض معدلات الإنفاق الصحي للفرد في المملكة مقارنة بالدول المتقدمة، ولكن هذه المعدلات تتحسن بعض الشيء عند تعديل البيانات إلى القوة الشرائية المعادلة. ويعود هذا الانخفاض جزئيا إلى ارتفاع نسب كبار السن في الدول المتقدمة وارتفاع معدلات الناتج المحلي للفرد فيها مقارنة بالمملكة، ولكنه يعود أيضا إلى السياسات والممارسات الصحية الخاصة والعامة. وتولي السياسات العامة اهتماما خاصا لصحة كبار السن في الدول المتقدمة، حيث توفر تغطية صحية لهم ضمن برامج التقاعد أو برامج التأمينات الاجتماعية الأخرى، بينما لا توفر برامج التقاعد أو برامج التأمينات الاجتماعية الأخرى في المملكة هذه التغطية. إضافة إلى ذلك تخصص الدول المتقدمة نسبا أكبر من ميزانياتها للرعاية الصحية، ففي الولايات المتحدة ـ الأب الروحي للرأسمالية التي لا توفر تغطية صحية شاملة للسكان ــ تم تخصيص 28 في المائة من الميزانية الفدرالية للعام الجاري “أكثر من تريليون دولار” لتوفير غطاء صحي لكبار السن والفقراء فقط، بينما يخصص نحو 7 في المائة من ميزانية المملكة لوزارة الصحة. ولا تقتصر الفروقات بين الدول النامية والمتقدمة في الإنفاق الصحي على الإنفاق العام، حيث يرتفع اهتمام الأسر في الدول المتقدمة بالإنفاق على الصحة، ما يزيد حصص الإنفاق الصحي من ميزانية الأسر. إضافة إلى ذلك تجبر القوانين واتفاقيات العمل في الدول المتقدمة أصحاب العمل على توفير تغطية صحية أكثر جودة مما يوفره نظراؤهم في المملكة.