بقلم/ محمد احمد بابا

الصادرة من صحيفة مكه

مجلة الجودة الصحية_ دينا المحضار 

 

 

 

قادرةٌ وزارة العدل أن تتبنى منهجية التخطيط لإنشاء محكمة طبية بالمعنى المهني العدلي السليم حين تستغل حيويتها الجديدة وتطلع زميلتها – وزارة الصحة – الكبير للتعاون وتخصص أكاديمية الأمير نايف بن عبدالعزيز في مجال الطب الشرعي ومعونة مجلس الخبراء.
نعم بإمكان المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه وزير العدل أن يلتفت بشكل عاجل للعمل على وضع برنامج لهذا الأمر يعكف فيه أهل الاختصاص في القضاء والطب والتخطيط لتأخذ هذه المحكمة مكانها في منظومة المحاكم التخصصية التي اكتمل بناء نظامها مؤخراً.
من خلال تجربة شخصية مع اللجان الشرعية الطبية التي تنظر قضايا الأخطاء الطبية خرجتُ بإحباط شديد ومللٍ قاتل أن يكون هذا هو المكان المناسب عدلاً وإنصافاً للمتخاصمين في مضمار تحميل المسؤولية أياً كان القرار النهائي.
فمجرد تسمية هذه الهيئات بأنها (لجنة) يوحي بكثير من نقص الاطمئنان بالمهنية العالية والتفرغ الضروري والمسؤولية المرجعية.
حيث طبيعة اللجان التدوير والتغيير والعمل الإضافي مما يخفف من وطأة الحساسية القضائية المفترض ارتفاع نمطها في هكذا أعمال.
استعانة اللجان هذه بأعضاء هيئة التدريس في كليات الطب بشكل لا إلزام فيه، وانتهاج بيروقراطية المخاطبات البريدية التي تأكل الزمن وتغيظ صاحب اللجوء، وإهمال المنشآت الطبية الخاصة والعامة لتلك المكاتبات ما لم تجد إلحاح ومراجعة ومتابعة أحد الخصوم، وتباعد الجلسات بشكل يجعل كل رأس سنة موعداً لجلسة في قضية واحدة أمر يدعو لإعادة النظر.
ليس بالأمر الصعب أبداً أن تنتقل عدوى التخصص الصحية في مراحل تطوير القضاء للجان الشرعية الطبية لتصبح محاكم طبية متخصصة، يقوم بها قضاة أضافوا لمرجعيتهم الشرعية الفقهية قانون ميثاق ممارسة الطب العالمي، ودراسات تحديد الخطأ الطبي بناء على معطيات من ذوي الاختصاص في تدريب وتطوير وابتعاث لا أظنه إلا من اهتمامات وخواطر وتطلعات وزير العدل ومنسوبي وزارته.
ولعلّ ضمّ إلزامية إعطاء التأهيل القضائي اهتماماً كافياً لمجال (التأمين) ومفهومه في المجال الطبي، وما استقر عليه الرأي الشرعي العام في الوطن بجواز المنضبط منه بشروط ما توصلت له مؤسسة الفتوى يكون في ذلكلا محالة تكاملُ بناءٍ للإحاطة بقضايا من هذا النوع المرتبط بصحة الإنسان.
ومما لا شك فيه بأن الدولة بمشروع تطوير القضاء سخيّة البذل المالي ليترقّب مواطن مثلي محكمة طبية في مدينته بها مرافق تخصصية تدعم الشق الطبي المختبري وتقلل من زمن التقاضي وإجراءاته، ويعمل فيها بجانب القضاة المؤهلين أهل اختصاص في الطب والطب الشرعي والإدارة الصحية والصيدلة ليكون القرار والحكم في القضايا أنضر صنعاً وأقرب عدلاً.
وليس بخيالٍ ولا مثالية طرح أن يترافق ذلك مع إدخال جانب القضاء الطبي – وفق المناسب – في مناهج كليات الطب وملحقاتها وكليات الشريعة والقانون والقضاء، وليس بممنوعٍ ولا محظورٍ أن تُراجع أنظمة التشغيل في المستشفيات ولوائحها ليأخذ الجانب الخاص بالخطأ الطبي طابع التوعية الحقوقية القانونية تسهيلاً وتدرّجاً لسلامة المعلومة حين حدوث الخلل الداعي للتقاضي.
حتى لا يصل الحال بكثير من المنتظرين في طابور القضايا الطبية لاستعداء الأطباء وفقدان الثقة شيئاً فشيئاً في نوعية قراراتهم العلاجية ويضحي التقاضي أمام هذه اللجان مجرد محاولات من مؤسسات – يعمل فيها الأطباء محل الخصومة – للدفاع عن كل مخطئ أو تبرير فعله مع خيبة أمل كبيرة تصيب المشتكي حين يسمع قيمة التعويض لا بدّ – في نظري – من تحفيز الدافعية عند وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء لوضع معالم واضحة لخارطة طريق توصلنا لمحكمة طبيّة دائمة متخصّصة شاملة لكل درجات التقاضي.