بقلم/عبدالعزيز ابو هبشة 

الصادره من صحيفة الرياض

مجلة الجودة الصحية _ دينا المحضار 

 

 

خلصت دراسة نشرتها دورية “الطب البريطانية” (BMJ) في عام 2016 إلى أن الأخطاء الطبية تحتل المرتبة الثالثة بين الأسباب العشرة الأولى المسببة للوفاة في الولايات المتحدة الأميركية وتختلف أسباب هذه الأخطاء فمنها ما يتعلق بالعامل البشري ومنها ماهو غير ذلك. ونظرًا لأهمية الموضوع وحساسيته سواءً من حيث الأثر النفسي المباشر وغير المباشر لما ينتج عن وقوع خطأ طبي قد يؤدي أحياناً إلى اعتلال مستديم أو الوفاة، فإن الطريقة التي تتناول بها الصحافة هذا الموضوع تطغى عليها العاطفة أكثر من الموضوعية، الأمر الذي فتح شهية الباحثين لدراسة تأثير الطريقة التي تتفاعل بها الصحافة مع أخبار الأخطاء الطبية على الرأي العام، ولما كانت غالب هذه الدراسات على المجتمعات الغربية فإننا نلاحظ في المقابل ندرة في الدراسات المحلية التي تتناول موضوع الأخطاء الطبية بشكل شمولي إذ تغيب الدراسات الموسعة التي تتناول هذا الموضوع الحساس من جميع الجوانب.

مؤخراً بدأت وتيرة السجال بين العاملين في المجال الصحي وبين الصحافة تتصاعد عبر منصات التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي يرى فيه العاملون أن الصحافة تتناول موضوع الأخطاء الطبية بقليل من الموضوعية وكثير من التهويل والتشنيع لضمان تحقيق الإثارة اللازمة لجذب القراء، تجد الصحافة نفسها في موقع المدافع عن حرية الرأي وأن السلطة الرابعة تملك الحق في مناقشة أي موضوع يناقش الصالح العام. إن المتابع لهذا السجال يجد أن الإشكال ليس في موقف العاملين في المجال الصحي وليس في الصحافة وتناولها لهذا الموضوع، ولكن التحدي الحقيقي هو في تمازج الخبرات بين الفريقين ليكون هناك صحافة متخصصة يستعين فيها الصحفي برأي المتخصص في تحرير هذه الأخبار لتحقيق التوازن والعدالة في طرح الخبر هذا التمازج لن يكون إلا ببناء البنية التحتية للصحافة المتخصصة والتي مثلما تستلزم من الصحافة السعودية أن تتحلى بقدر من المرونة فإن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عليها نفس العبء لتقوم بتحديث سياساتها لتشمل تخصصات مثل الإعلام الصحي والصحافة الصحية، ولعلنا لا ننسى دور المركز الوطني لسلامة المرضى للقيام بالدور الرئيس في التنسيق لمثل هذه الخطوات، في ذات الوقت يجب أن نلتمس للصحافة العذر في طريقتها لتناول الموضوع، فالباحثون غائبون إلا فيما ندر ولا تكاد دراسة سعودية واحدة تتناول تأثير الصحافة على الرأي العام السعودي فيما يخص الأخطاء الطبية وبغياب الأبحاث العلمية لا يمكننا أن نصل إلى حكم بسلبية وإيجابية الطريقة ولا يمكننا كذلك اقتراح الحلول وعلى ذات الصعيد نجد أن المتخصصين في القانون الطبي قلة قليلة وهؤلاء بدلاً من أن يجدوا الدعم تجدهم يكابدون المشقة في تصنيف هذا التخصص لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. إن موضوع الأخطاء الطبية شائك وله جوانب كثيرة وتناوله بشكل خاطئ يهز ثقة المجتمع في المنظومة الصحية ويجعل العلاقة بين المريض ومُقدم الخدمة قائمة على التشكيك مما يخلق جوًا غير صحي للطرفين، وللوصول إلى حل يضمن تناول الموضوع بطريقة سليمة، وكذلك وضع السياسات اللازمة لضمان أعلى مستويات السلامة لكافة الأطراف المعنية فلابد من تضافر الجهود وقبل ذلك تقديم الدعم الكافي للأبحاث متعددة التخصصات لدراسة المشكلة بطريقة شمولية تضمن اقتراح حلول ممكنة التنفيذ.