بقلم/ عبلة مرشد 

الصادره من صحيفة الوطن

مجلة الجودة الصحية 

 

 

تداولت وسائل الإعلام منذ أيام معدودات، معلومات حول توصيات علمية اختتم بها مؤتمر «القوى العاملة الصحية السعودية خلال السنوات العشر المقبلة» المنعقد في الرياض، والتي تناولت محورين أساسيين: الأول، «التأهيل لمرحلة البكالوريوس والدراسات العليا»، وذلك بهدف تشجيع الشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص في مجال التدريب الإكلينيكي أثناء فترة الامتياز، وفق معايير محددة لضمان جودة التدريب، بالإضافة إلى تشكيل لجنة وطنية للتنسيق بين الجامعات والقطاعات الصحية المختلفة، الحكومية والخاصة في المملكة، لتحديد الاحتياج الفعلي للأعداد والتخصصات التي يتطلبها سوق العمل، والتنسيق بين جميع الأطراف لتحقيق المواءمة بين الاحتياج الفعلي وبرامج التعليم والتدريب.
أما المحور الثاني: فهو معني بـ«الفرص الوظيفية»، وأهمية ربط بيانات جميع الممارسين الصحيين الباحثين عن عمل في البوابة الوطنية للعمل وتحديثها دوريا، مع طرح حوافز عند العمل في المدن الطرفية والقرى في المملكة، وذلك بهدف مناقشة احتياجات سوق العمل، وقد أفرز ذلكما المحوران توصيات منها:
-1 إيقاف افتتاح كليات حكومية أو أهلية للطب البشري والأسنان والصيدلة، خلال الـ12 عاما القادمة حتى 2030.
-2 تخفيض القبول لشهادة بكالوريوس طب الأسنان والصيدلة بنسبة 50% خلال السنوات الأربع المقبلة حتى عام 2022.
-3 إيقاف الابتعاث لبكالوريوس طب الأسنان والطب البشري والصيدلة وقصره على الدراسات العليا، بسبب زيادة أعداد الخريجين في التخصصات المذكورة بأكثر مما يستوعبه سوق العمل، وأكثر من طاقة المستشفيات الحكومية والخاصة على استيعاب المتدربين، مما أضعف المخرجات التي فشلت في اجتياز اختبار الرخصة المهنية وكانت النتيجة زيادة أعداد العاطلين عن العمل.
-4 زيادة القبول في اختصاصي طب الأسرة والتمريض.
تلك التوصيات هي جزء من عشر توصيات علمية تبناها المؤتمر المعني بالقطاع الصحي تحديدا، ولموضوع القوى العاملة السعودية بشكل خاص، ولعله من أعجب العجائب أن يُعقد هكذا مؤتمر بهذه الصفة العلمية المهمة، وهذا الموضوع الحساس، وبرعاية وزراء لقطاعات مهمة في الدولة، بل وبرعاية القطاع الصحي ذاته، وتصدر مثل تلك التوصيات الخطيرة في مضمونها وفي استشرافها للمستقبل وفي قصور رؤيتها لواقع القوى العاملة المواطنة في القطاع الصحي رغم توفر بياناته الإحصائية لديهم.
وحيث إنه لا يتسع المقام لمناقشة تلك التوصيات جميعها، فإننا سنناقش فقط واقع القوى العاملة في القطاع الصحي من المواطنين، بما يعرفون بالممارسين الصحيين الذين يصنفون مهنيا إلى أربعة مستويات: أطباء، ممرضون، صيادلة، فئات طبية مساعدة، ويتوزع هؤلاء ما بين ثلاثة قطاعات في الدولة هي: القطاع الحكومي التابع لوزارة الصحة، الجهات الحكومية الأخرى (مستشفى الحرس الوطني والعسكري وغيرهم)، القطاع الخاص، وإن ما تسجله البيانات الإحصائية لوزارة الصحة والخاصة بالعاملين الصحيين في المملكة، لهو خير دليل موثق على مناقضة تلك التوصيات لرؤيتنا، وبعدها عن الواقع الحقيقي والفعلي لمستوى العجز في مواردنا البشرية من الكوادر الصحية المواطنة، وذلك مع الأخذ في الاعتبار ما يثار حول تلك القضية من جدل، وما ناقشه المؤتمر كذلك من ضعف المخرجات الصحية وضعف التدريب ومحدودية المستشفيات الممكنة للتدريب، والذي أدى إلى عدم وجود فرص عمل للممارسين الصحيين من المواطنين. تشير بيانات وزارة الصحة لعام 1437 إلى أن عدد الأطباء المواطنين في جميع قطاعات الدولة الصحية المشار إليها لا يشكلون سوى (26.7%) من كافة الأطباء الموجودين في مجمل القطاع الصحي بكافة ميادينه من العام والخاص، والبالغ عددهم (89.675 ألف طبيب) أي بمعدل (8.9 أطباء) لكل 10 آلاف من السكان، وذلك بناء على آلية قياس وتقييم مدى كفاية الكادر الطبي للسكان، والمعتمَدة في تقارير ودراسات التنمية البشرية الدولية، ومن الملاحظ أن ذلك العدد (8.9 أطباء) تم احتسابه لجميع الأطباء وليس للمواطنين فقط.
أما نسبة مساهمة المواطنين في قطاع التمريض فتبلغ (36.5%) فقط من جملة العاملين في قطاع التمريض في المملكة والبالغ عددهم (180.821 ممرضا وممرضة)، أما الصيادلة المواطنون فلا تتعدى نسبتهم (22.0%) صيدلي وصيدلية، وذلك من (25.119 صيدليا) في المملكة يعملون في القطاع الصحي، أما الفئات الطبية المساعدة فيشكل المواطنون منهم نسبة (74.4%)، وذلك من (107.323) من العاملين في ذلك القطاع.
وحتى ندرك حجم العجز في قطاعنا الصحي من مواردنا البشرية المواطنة، علينا أن نستعرض حجم مساهمة كوادرنا الصحية في القطاع الخاص فقط، والذي يعتبر الجهة المستهدفة لاحتواء وتوظيف مواردنا البشرية وفق رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، وذلك مع التوجه كذلك نحو خصخصة القطاع الصحي والتعليمي، إذ يشكل الأطباء المواطنون نسبة (3.3%) فقط من مجمل الأطباء العاملين في القطاع الخاص، بينما يمثل الممرضون نسبة (5.3%) من جملة العاملين فيه، أما الصيادلة الذين تضخهم كلياتنا وجامعاتنا الوطنية من الحكومية والخاصة في سوق العمل، ولا يزالون يبحثون عن عمل، فلا يشكلون سوى (4.2%) من العاملين في القطاع الخاص، بينما ترتفع نسبيا مشاركة الفئات الطبية المساعدة لتشكل (29.9%) من مجمل العاملين في القطاع الخاص من تلك الفئة المهنية.
يؤكد القائمون والمشاركون في المؤتمر المشار إليه أن هناك اكتفاء في حاجة سوق العمل من مخرجات الطب البشري والأسنان والصيدلة، ولذلك سيقتصر الابتعاث على الدراسات العليا التخصصية، وسيتوقف افتتاح كليات صحية، وسيخفض القبول إلى 50% في طب الأسنان والصيدلة، هذا مع الأخذ في الاعتبار إشارتهم تارة إلى ضعف التدريب وضعف المخرجات التي تحول دون التوظيف، واكتفاء سوق العمل من تلك المخرجات تارة أخرى، وعليه السؤال المطروح على جميع المسؤولين عن تمويل القطاع الصحي بشريا من جامعات ووزارة صحة، هل اطلعتم على تلك الإحصاءات قبل إصداركم تلك التوصيات المحبطة للآمال؟! بل وهل يعالج إخفاق مخرجات بعض جامعاتنا الحكومية والخاصة في المستوى المطلوب علمياً وتدريباً بهكذا توصيات؟! أم أن المسؤولية الوطنية تقتضي أن تسهم تلك الجهات في تدارك الإخلال بمسؤولياتها في مراقبة ومتابعة وضبط المضمون العلمي والتدريبي لتلك المخرجات بداية، ثم العمل على دراسة واقعية لسوق العمل في قطاعه الصحي، وحصر حجم العجز فيه لتداركه وتغطيته بأسرع وأفضل ما يمكن؟!
إذا لم تعمل قطاعاتنا المختلفة المعنية بالتنمية كمنظومة متكاملة يجمعها التنسيق والهدف المشترك، في السياسات والبرامج والمبادرات الملائمة للإشكالات والتحديات التي تواجهنا، فإننا نسهم في زيادة نسبة البطالة ، ونسهم في محدودية فرص العمل، في ظل غياب وتغييب المواطن من القطاع الخاص، سواء في التوظيف أو في التدريب، وعليه فلنتأمل ما يترتب على ذلك الخلل في بعض القرارات غير المدروسة، من تداعيات سلبية على كافة المستويات ، بل وربما يتناقض مع رؤيتنا الإستراتيجية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، فهل من تراجع؟!