بقلم/ محمد العوفي

الصادره من صحيفة مكة

مجلة الجودة الصحية_ دينا المحضار 

 

 

يقول الدكتور غازي القصيبي «لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول أصحاب الشلة إلى زملاء عمل»، هذه العبارة لخصت واحدا من أخطر أمراض الإدارة في المنظمات، هذا المرض رغم خطورته لم نعترف به بعد، وإن اعترفنا به فهو اعتراف خجول لا يوازي حجم الضرر الذي يمكن أن تجلبه هذه الظاهرة إلى بيئة العمل والمنظمات، وما يصاحبها من ممارسات غير صحية كالواسطة والمحسوبية والمجاملة والنفعية بأقبح صورها.

فما نعانيه من مشاكل إدارية في كثير من الجهات الحكومية ما هو إلا نتاج لانتشار الشللية المبنية على عوامل متعددة وقواسم مشتركة كالمناطقية والقبلية وزملاء الدراسة أو الوظيفة وغيرها، ويخطئ من يظن أن الشللية الإدارية كمرض محصورة في القطاع الحكومي، بل حتى القطاع الخاص أصيب بالمرض نفسه.

عادة ما تنشأ الشللية في المنظمات والإدارات البيروقراطية، وتشكل هيكلا إداريا موازيا، أو إدارة ظل، وتؤسس ثقافية فرعية مضادة للثقافة الرسمية للمنظمة، وتمنح مصالحها أولوية قصوى على حساب مصالح المنظمة؛ لذا يرى خبراء وعلماء الثقافة التنظيمية أن الشللية تهدد ثقافة المنظمة، وتعمد إلى تعطيل العمل المؤسسي، وترفض كل ما يهدد مصالحها ومناصبها، سواء أكان هذا تغييرا في الإجراءات أو السياسات أو استخدام التقنيات الحديثة، وحجر عثرة أمام التغيير والتطوير، وتميل إلى مقاومة التغيير وخلق الصراعات، وهي بذلك تلتقي مع الفساد الإداري في مواضع كثيرة.

وعلى الرغم من عدم توفر دراسات حولها، إلا أنه يمكن القول إنها أصبحت ظاهرة مؤذية، وقادت إلى ظهور الصراعات بين الشلل الإدارية المتعددة داخل المنظمة الواحدة، ودمرت العمل الجماعي وقتلت الإبداع، وحولت الكفاءات إلى غير مبالين، لأن كل دائرة أو شلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها، وستعلن الحرب على كل المبدعين والمنجزين من خارجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وستمنعهم أو يمنعون من وصول أفكارهم الجيدة والجديدة إذا كانت تهدد مصالحها.

الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها أن الشللية الإدارية ظاهرة مرضية تفشت بشكل كبير مؤخرا، تحت ذرائع متعددة لا يتسع المجال لذكرها هنا، ولم يسلم منها إلا قليل من الأجهزة الحكومية، والحقيقة الأخرى أنه لا توجد حلول يمكن القول إنها ستقضي على الشللية الإدارية في ظل غياب معايير اختيار الكفاءات، وضعف إدارات الموارد البشرية في الجهات الحكومية، وغياب النزاهة وتغليب المصلحة الخاصة على المصالح العامة، وأن الحل وحده يكمن في مراجعة آليات وسياسات الاختيار والتعيين من قبل إدارات الموارد البشرية، والصرامة في وضع آليات واختبارات يمكن الحكم من خلالها على كفاءة الشخص من عدمها، فالمقابلات الشخصية ليست معيارا كافيا للحكم على كفاءة الشخص ومدى ملاءمته للوظيفة أو المنظمة، وإلا ستبقى الشللية الإدارية عائقا كما كانت سابقا.

mohdalofi@