بقلم/ د. عبدالله الحريري

الصادره من صحيفة الرياض

مجلة الجودة الصحية_ دينا المحضار 

 

 

لفت انتباهي التسويق للغة جديدة لم نعهدها من قبل لبعض المحسوبين على الصحة، وهي أن هناك إنفاقا مبالغا فيه على الخدمات الصحية، ما يتطلب مزيدا من الترشيد والخصخصة وسلسلة من الأفكار، منها ما هو غير منطقي، ويتعارض مع السياسة العامة الداخلية والنظام الأساسي للحكم “دستور المملكة المدني”، ومنها ما أكل عليه الدهر وشرب، وتخلت عنه كثير من الدول والمنظرين الصحيين؛ لأنه لا يخدم النظام الصحي والخدمات الإنسانية للصحة، وأخرى لها علاقة بالخلط بين مفهوم اقتصاديات الصحة وبين الهدر أو النظام الاقتصادي العام.. فلا يمكن أن ينظر للصحة من منظور اقتصادي أو استشاري مثلها مثل الشركات والمصانع ووكلاء السيارات.

الصحة عالمياً لها أبعاد إنسانية لا يمكن إخضاعها لأي منظور اقتصادي حتى إن صرف عليها إلى ما لا نهاية، فصحة الإنسان لا مجال للتفاوض عليها، وهذا ما أكدته قيادتنا الحكيمة، وما نصت عليه الحقوق والواجبات في النظام الأساسي للحكم، ومن لا يفهم في الصحة ينصدم لأول وهلة عندما يشاهد الإنفاق. وقد يذهب به الاندفاع لاتهام الناس بالهدر والفساد، وهو بذلك يخلط بين الهدر والإنفاق، فاليوم الدول تقاس في إنفاقها على الخدمات والصحة من خلال الناتج المحلي (GDP)، وهذه القيمة تعد مؤشرا لمستوى المعيشة في الدولة، ولا يعد إجمالي الناتج المحلي للفرد مقياساً لدخول الفرد، ولا يجب الخلط بين إجمالي الناتج المحلي (GDP) والناتج القومي (GNP). والمهم أن المملكة أنفقت العام الماضي على الصحة 5.4 في المئة من الناتج المحلي، وهذا الإنفاق مقارنة بإنفاق الدول المتقدمة الذي يصل إلى أكثر من 17 في المئة يعد إنفاقاً متواضعاً، يذهب أغلبه على الرواتب والبدلات والمكافآت والابتعاث والتدريب واستقطاب الكفاءات ثم الصيانة والنظافة والتشغيل والتغذية وشراء الأجهزة والمستلزمات الطبية وكذلك الأدوية، وإذا تبقى شيء فيكون للدراسات والأبحاث وورش العمل والندوات والمنتديات وخلوات صناعة القرار في المنتجعات وإيجار المراكز الصحية والمديريات وبناء المستشفيات والمدن الطبية والتأثيث، وقد استجد إنفاق إضافي يتم الصرف منه على برامج التحول والشركات الاستشارية الأجنبية، وفوق البيعة برامج سعادة الموظفين وتحسين بيئة العمل… إلخ.

اليوم عبء المرض في تفاقم نتيجة للسياسات الصحية الحالية، وهو ما يعد إضافة وعبئا على الإنفاق الصحي، وما أنفقناه وسننفقه في المستقبل سيكون مؤلماً، فإلى جانب أننا سنفقد البشر سنفقد المال على علاجهم، والفجوة بين الصحة والمرض تتسع بانتشار الأمراض القاتلة والمزمنة؛ لذا لا بد من التدخل العاجل لدراسة العبء المرضي واقتصاديات المرض والصحة والبعد عن الترويج للسياسات والأفكار التي لا تفرق بين الصناعة والتجارة والصحة.. نريد أن نسعد المرضى وألا نجعلهم يتألمون لمرضهم وأيضاً لصعوبة الوصول إلى الخدمة.