بقلم/ حماد القشانين

الصادره من صحيفة الوطن

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار 

 

 

بالفعل ستجد أن لدينا مرضى نحن مسئولين عن انتاجهم للمجتمع، أما ما يقصد هنا بوصف النامية: فهي الدول التي لديها المواد الأولية كالحديد الخام والخشب وغيرها من المواد الطبيعية ولكنها لا تستطيع تحويلها الى صناعات قابلة للاستخدام المباشر، لذا تقوم هذه الدول النامية بتصديرها للدول التي لديها القدرة على ذلك، ومن ثم تقوم بشراء المواد التي كانت لديها أصلاً بأضعاف مضاعفة بعد أن تم تحويلها إلى صناعات قابلة للاستخدام.

وإذا ما قمنا بتطبيق القاعدة أعلاه على المرضى لدينا، سنجد أننا ليس بعيدين عن الوصف أعلاه، ولكن بدون أن تغادر موادنا الأولية حدود بلادنا، فنحن من جذب تحالفات منتجي الأدوية إلى بلادنا حين وجدوا بيننا بيئة ذهبية لهم، وقمنا بتهيئة عقول الأصحاء قبل المرضى لبهرجتهم التسويقية، وبعد استنزاف مواردنا المالية، فقد وصل إلى مواردنا البشرية.

ففي المشهد البسيط: ولأن شركات الأدوية العالمية عبر أطبائها التسويقيون قد وصلوا بالفعل إلى الجنين قبل أن يصبح مولودا وتم تحويله إلى مخزن للمواد الكيميائية بإعطائه أدوية وصفيه وألا وصفيه، عن طريق والدته التي وجدت البدائل المريحة للرياضة والتغذية الجيدة أثناء فترة الحمل في الصيدلية التي بجوار منزلها والتي أصبحت صيدلية بدورين ولديها خدمة التوصيل أخيرا، وكأنها مطعم للوجبات السريعة، وبعد الولادة تستغرب الأم أن مولودها ترتفع حرارته بشكل متكرر وكأنه بتشبيه أحد الساخرين (كابريس قديم)، ونسيت انها قامت بتوريث المضادات التي كانت تتعاطاها أثناء فترة الحمل، إلى حقيبة مولودها طوال سنواته الأولى كي لا يزعجها بالبكاء، وكأن والدتها تعاملت معها بهذا الأسلوب، وغيرها العشرات من الطرق التي يمكن أن تستغل الأمهات بها من قبل شركات الأدوية.

أما في المشهد المعقد: فتجد أن لدينا مراكز طبية، تنافس أية مراكز أخرى على مستوى العالم فيما يخص المعدات والتجهيزات والعناية الطبية والأدوية ذات المبالغ الفلكية (ولكنها لا تنافس على الطب ذاته)، لذا وللأسف فقد تقابل مريضا يخبرك بأنه قد طاف بين المراكز الطبية التخصصية التي تتبع لوزارة الصحة أو لجيرانها من المراكز ذات الميزانيات المستقلة، أو من المستشفيات المرجعية في القطاع الخاص، وأنه قد كان مدمنا على المسكنات والمهدئات، التي عاثت فسادا في عقله الباطن، وتركت جسده أسيراً لأوهامها بأنها الحل الوحيد لحالته الصحية، وأنه مع دوامة الأدوية التي تجاوزت ملايين الريالات لحالته فقط، فقد أثر مرضه الأساسي على مناطق أخرى من جسده، كالأسنان والمفاصل والعيون وغيرها، بسبب عدم تعاون التخصصات فيما بينها في المستشفى الواحد، فما بالك لو انتقل إلى مستشفى آخر فعليه البدء من جديد بالتأكيد.

 وأنه بعد كل هذه المعاناة قرر الذهاب إلى دولة قد تكون حتى من دول آسيا النامية، بمبلغ مالي لا يتعدى عشرات الالاف بدلا من الملايين المهدرة، وتم إعطائه بدائل علاجية قد تكون بعضها لا تحتوي على أية أدوية أصلا وإنما إيجاد بدائل قد يكون أقلها أنه يتلقى علاجه في أجواء ذات طبيعة مريحة له، أما الحل السحري فإنه قد وجد مركزا واحدا متخصصا في مرضه، ويوجد به طواقم من جميع التخصصات التي لها صلة بحالته المرضية لا تتعامل الا مع أشباه حالته الصحية، وبتعاون وتفرغ له، حتى أصبحت (تنافس على الطب بذاته).

كلنا أمل بأن رؤية 2030م لم تغفل عن هذا الجانب، وأننا سنرى انفتاحا أكثر فيما يخص تمكين الأطباء لدينا من ممارسات الطرق البديلة للحالات التي تكرر علاجها لأكثر من عام بدون نتائج جذرية، وإيجاد الحلول التي تحسن من الحالة النفسية والاجتماعية والتثقيفية للمريض، ولكن إلى يومنا هذا وبفضل شركات الأدوية (لا زلنا دولة نامية في انتاج المرضى).