بقلم/ فيصل المسعري 

الصادره من صحيفة الوطن

مجلة الجودة الصحية _ دينا المحضار 

 

 

 

منذ فترة طويلة وأنا لا آخذ ولا أتلقى العلاج للأمراض الطارئة والموسمية الخفيفة في مستشفيات وزارة الصحة أو مراكزها المنتشرة في الأحياء. وذلك يعود لأسباب ليست خافية عليك عزيزي القارئ، أولها عدم الاهتمام بالمريض، وعدم تشخيصه بشكل جيد، وأيضاً عدم إعطائه الأدوية الجيدة المتناسبة مع حالته المرضية التي يعاني منها. يزيد الموضوع سوءاً بالنسبة لي عندما يكون المريض طفلاً صغيراً بالسن، حيث تعج مستشفيات الصحة بأطباء لا يشعرونك بأهميتك وأهمية أطفالك لديهم.

في بداية هذا الشهر الكريم، تعرضت طفلتي الصغيرة لأعراض مرضية بسيطة وعادية، وكالعادة ذهبت بها لمستوصف خاص لأخذ العلاج اللازم، إلا أن حرارة جسمها لم تنخفض حتى مع متابعتي ومراجعتي لنفس المستوصف الخاص لمدة يومين متتاليين. ولأني (موظف حكومي) ولا يوجد لدي تأمين صحي فقد اضطررت للذهاب بها فجراً إلى مستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل بالرياض، والذي قد زرته في فترات سابقة وكانت انطباعاتي عنه غير جيدة أبداً. في بداية دخولي للمستشفى، تنشط وتحفّز بداخلي (الممارس الإداري) وأخذت أراقب كل شيء من منظوري الإداري. قلت لنفسي أن هذه تجربة إدارية يجب أن ألاحظ فيها حجم التغييرات الحاصلة فيها بين نظرتي السابقة والتي كانت قبل سنوات وما بين حضوري الحالي.

تنوعت الأساليب التي مررت بها في حالتي داخل المستشفى ما بين الأساليب الإدارية والطبية والفنية. أول ملاحظة قابلتها هي عدم وجود الموظف الاداري في مكتب الاستقبال، ولأن الدقائق ثقيلة على المريض فإني وجدت لوحة كبيرة خلف كرسيه موضوع فيها أرقام الاتصال للخدمة، وعند تأخر الموظف فقد اتصلت بالرقم إلا أنه لم يرد. بعد حوالي الربع ساعة حضر الموظف وأعطاني ابلكيشن الدخول على العيادة، وذهبت لها. هناك لم أجد الممرضة التي تأخذ القياسات الطبية لكل حالة قبل العرض على الطبيب، وهنا ثاني ملاحظة، والحقيقة أنني تضايقت من حالة عدم الاهتمام هذه. انتظرت لحدود الأكثر من ساعة ولم تحضر الممرضة، فذهبت أبحث عن المدير المناوب وأيضاً لم أجده متواجداً في مكتبه، وانتظرته لنصف ساعة ولم يحضر. مشاهد إدارية غير جيدة أبداً وكنت متوقع حدوثها في منشأة من منشآت وزارة الصحة، ولكن المؤلم أنها جاءت متتابعة في خط سير واحد لعملية إنتاجية واحدة.

بعد ضجة عملها بعض المراجعين ولا ألومهم، تم توفير ممرضة (جاء بها أحد موظفي الأمن!!) من أحد الأقسام المجاورة، وبعد أخذ العلامات الحيوية، دخلتُ على الطبيبة. وهنا تغير المشهد بالكامل.

كنت أتوقع أن تعطيني بعض المهدئات فقط، وأخرج من المستشفى في دقائق بسيطة. إلا أن الطبيبة طلبت إجراء تحاليل شاملة وأشعة للصدر بالكامل، وطلبت عمل حقن وريدية عبر التنويم السريع في غرفة الملاحظة المجاورة للعيادة لتخفيض حرارة الطفلة. هذه العملية استغرقت حوالي الساعتين، وبعد وصول نتائج الأشعة ونتائج التحليل رفضت الطبيبة أن تكتفي بهذه الإجراءات، بل انتظرت حتى حضر أحد الأخصائيين (وظيفته أخصائي طوارئ) وأخذ التشخيص مرة أخرى وأخبرني برأيه الطبي، وطلب مني الانتظار حتى تنزل طبيبة التنويم من أعلى لتطلع على الحالة. وعندها يكنني أخذ القرار حيال حالة ابنتي إما أدخلها التنويم لمدة يومين لمتابعة الحالة أول بأول، أو الخروج بها للمنزل والرجوع بها في حالة انتكاس الحالة الصحية.

لم أنتظر نزول طبيبة التنويم وأخذت القرار بالخروج، وهنا حدثت ما يمكنني وصفه بأنه انقلابه حقيقية في تعامل منسوبي وزارة الصحة. عندما رجعت لطبيبة الأطفال لأخذ العلاج، بدأت تضغط علي بعدم إخراج الطفلة وأنه يجب عليهم الاهتمام بها أكثر. وعندما رأت اصراري على الخروج أعطتني علاجات متعددة تتجاوز الخمسة أدوية، وأول مرة أشاهدها تصرف من مستشفيات الصحة.

الحقيقة أنني انصدمت من واقع العمل داخل المستشفى. وهنا يمكنني القول بأنني لو كنت مستشار إداري لوضعت لقسّمت هذه الحالة إلى قسمين: الأول: إداري، ويحتاج الكثير من الضبط والاهتمام وإعادة التغيير. والثاني: طبي، وهو وضع متقدم بمراحل عن المستوى الإداري في المستشفى.

بالمناسبة، وأنا أقرأ بطاقة أخصائي الطوارئ، قرأت أن وظيفته هي مدير إدارة التغيير في المستشفى. عندها تذكرت كتاب الدكتور أحمد السناني الذي يتحدث عن (تخطيط التغيير التنظيمي وإدارته) ورغم أن الكتاب لا يتجاوز السبعين صفحة إلا أنه يعتبر من أجمل الكتب في هذا الشأن، تحدث فيه عن ماهية التغيير التنظيمي، واستراتيجياته، وما هي آليات التخطيط للتغيير ونماذجها وعناصرها، وكيف تدار وتُصان عمليات التغيير من المقاومة التي تحدث (تذكر الجانب الإداري في الحالة أعلاه)، وكيف يتم التغلب على المقاومة للتغيير من حيث مراحل الاستجابة من حيث النواحي الإيجابية التي تأتي مع المقاومة.

@faisalmsdd