بقلم/أ. أحمد الهلالي 

الصادرة من صحيفة عكاظ

مجلة الجودة الصحية- دينا المحضار 

 

 

 

تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة مقالات التقاعد، وتتجه إلى الرعاية الصحية للمتقاعدين، فبعض الجهات الوظيفية (حكومية وخاصة) تتخلى عن موظفيها بعد التقاعد، وشركات التأمين تشهر سن الستين حدا شابيا في وجوه المسنين، وإن صممت برامج تأمينية للمسنين فإنها تضع أرقاما تأمينية تصعب جدا على شريحة واسعة من المتقاعدين بمرتبات متدنية لا تغطي أساسيات الحياة.

من المؤسف أن يجد الموظف نفسه في العراء يواجه مصيره بعد التقاعد، وجهته الوظيفية تقتطع 9% من مرتبه منذ أول راتب فرح باستلامه، فيركن إلى ذلك الاقتطاع مستسلما لمقولة (القرش الأبيض لليوم الأسود)، فيأتي اليوم الأغبر والأحمر والأسود وبياض ذلك القرش بالكاد يؤمن له أساسيات العيش، ولافتات المؤسسات تفتت كبده بالتخلي عنه، وإشعاره أنه عبء على الحياة لا جدوى من وجوده، فجهته الوظيفية لم توفر له الخدمات الصحية، وشركات التأمين تصرخ في وجهه بعدم قبوله، ومراكز الرعاية الاجتماعية تضع الـ 60 حدا لخدماتها، ومؤسسة المعاشات والتقاعد تتباهى بالخامسة والسبعين حدا لقروضها، وتتخذها المؤسسات الصحية منصة إعلانية لخصوماتها الشكلية، وكأنهم جميعا يقولون له: ماذا تريد من الحياة (تراك أبطيت)؟!

ماذا يفعل المتقاعد إذا كان الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بهذه الكيفية (ضعف وقوة وعودة إلى الضعف)، هل نترك كبار السن يقاسون ويلات الآلام الجسدية دون إنسانية تمد يد الرعاية إليهم، وتخفف عنهم أوجاع ضعفهم؟ هل نتركهم بحكم أن أجسادهم باتت ضعيفة ينخرها الهرم والمرض؟ّ!

شركات التأمين ترفع شعاراتها وعروضها للأصحاء لأنها تتوخى الربح الوفير جدا كما تؤكد مؤشراتها الربحية العالية، وفوق ذلك تفرض عليهم (رسوم تحمل)، ثم ـ لا إنسانيا ـ تتهرب من العمر الذي يحتاج فيه الإنسان إلى الرعاية الطبية، وهذا لا أخلاقي، سواء لها أم للجهات المسؤولة عن المتقاعدين وكبار السن، ومن المؤسف أن تُجاري القطاعات الحكومية الشركات في هذا، فلا عذر لها مطلقا عن مواطنيها، بل يجب أن تقوم بدورها، وتفرضه على شركات التأمين.

نرجو من المجلس الاقتصادي الأعلى، ومن وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، أن تنظر في شؤون التأمين الصحي للمسنين، وأن تعيد صياغة شروط الاستفادة منه، بأن تكون الوفاة حدا منطقيا لنهاية الإنسان، وألا يكون السن القانوني للتقاعد حدا يشعر فيه الإنسان بتخلي كل الجهات عنه، وأن تلزم الجهات (الحكومية والخاصة) بخدمة موظفيها بعد تقاعدهم، وهذا واجبها، ناهيك عن أنه جزء (أصيل) من مسؤوليتها الاجتماعية، فهؤلاء الكبار هم آباؤنا الذين ضخوا صحتهم وقوتهم في أوردة الوطن، والتخلي عنهم جحود!

ahmad_ helali@