الجودة الصحية ( صحيفة الرياض-بقلم د. المعمري)

  يعتبر موضوع الأخطاء الطبية وما يتعلق به من سلامة المرضى وسلامة الممارسة الصحية أحد المواضيع الرئيسة التي لاحظنا تكرار الحديث عنها بجميع حوارات مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني المتعلقة بالخدمات الصحية، حيث كانت مداخلات ممثلي المجتمع تكرر الشكوى والتذمر من الأخطاء الطبية المطالبة بإيجاد حلول مناسبة للتغلب على هذه الظاهرة قبل حدوثها وسن قوانين رادعة لمعاقبة المتسبب فيها، كما جاءت ردود مسؤولي القطاعات الصحية معترفة بوجود الظاهرة واعدة، كما هو المعتاد، بتقليصها والتعامل مع مسببيها بحزم وقوة. الخطأ الطبي قد يحدث في الممارسة الصحية في مجال الإجراء التشخيصي والعلاجي، الدواء، السجلات والتوثيق الطبي، حوادث المرضى، الوصول للخدمات الصحية والتنويم والتحويل والخروج للمريض، حوادث العدوى، الحوادث الناتجة عن الأجهزة والأدوات الطبية، وغير ذلك من الحوادث، التي لها علاقة بسلامة المرضى. لذلك تبدأ نقطة المعالجة لهذه الظاهرة من تعليم الأطباء والممارسين الصحيين منذ بداية تعليمهم وتدريبهم على الوعي بمفهوم سلامة المرضى والتدرب على التعامل مع كافة الجوانب ذات العلاقة بسلامة المرضى…

في حوارنا هذا الأسبوع شاركنا الدكتور محمد بن سعد المعمري، العميد المشارك بكلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، ومستشار الاتحاد العالمي لسلامة المرضى الذي أشار إلى أن الارتقاء بنوعية الخدمات الصحية الموجهة للمرضى لم يعد في أعلى سلم اهتمامات القيادات الصحية فقط، بل أصبح الاهتمام بسلامة المريض هو الاساس الذي يبنى عليه أي نظام صحي، ومن أهم مخرجاته التي وضع لها معايير عديدة لتحدد مدى ملائمته وموائمته ومدى الرضى عنه، وقال ان النموذج الكندي لمعايير أداء الطبيب التي لا تقاس بمعرفته فقط بل تشمل ستة محاور رئيسة وهي أن يكون الطبيب مهنياً في التعامل، وباحثاً عارفاً بمهنته، وداعماً للصحة، ويجيد التواصل، ومتعاون، وقيادي. فهذه المحاور أصبحت أسس تهيئة واعداد الطبيب بدلاً من التركيز على حشوه بالمعلومات فقط ليتخرج في كليته مليئاً بالمحتوى العلمي لكن خاوياً من النواحي الانسانية والمهنية. هذا النموذج أثبت نجاحه ويتم اقتباسه في برامج مماثلة له في أمريكا وبريطانيا وإستراليا. وهناك توجه كبير على مستوى المملكة لتبني النموذج الكندي في برامج التدريب السعودية للاطباء لكي يكون التدريب مبنياً على أسس مهنية وعلمية ويهدف إلى تقديم رعاية صحية وآمنة.

واضاف إن نجاح هذه التجربة على مستوى برامج تدريب الاطباء أدى إلى المبادرة بتكوين برامج جديدة تهدف إلى تعزيز مبادئ سلامة المريض مبكراً خلال مراحل الدراسة الجامعية ليكون طبيب المستقبل على دراية واطلاع بما هو متوقع لتقديم رعاية صحية آمنة ويكون المريض محور وأساس اهتمامه، مع التركيز على أهمية التفاعل مع عائلة المريض كشريك فاعل في الخدمات الصحية المقدمة للمريض، وساعد على هذا التوجه طرق التعليم الحديثة التي تبتعد عن التلقين لتشهد تحولاً جذرياً بأن يكون الطالب عنصراً نشطاً وفعالاً في تلك العملية عبر خلق تفاعل بناء بينه وبين المريض باكراً في حياته العملية.

وعن مشاركة د. المعمري كمستشار مع فريق عمل الاتحاد العالمي لسلامة المرضى التابع لمنظمة الصحة العالمية الذي قام باعداد منهج سلامة المرضى لكليات الطب، أشار في حديثه بأن الاهتمام بسلامة المرضى في المناهج الطبية بدأ بمحاولات فردية وجهود متفرقة في شمال أمريكا وأستراليا مما دعا منظمة الصحة العالمية إلى تبني هذا البرنامج الطموح، وكان النموذج الاسترالي من جامعة سيدني أفضل النماذج المتاحة ليكون اساساً يتم الانطلاق منه لتطوير الفكرة ومراجعتها وعمل الاضافات اللازمة لها. وكان فريق العمل مكوناً من عدد من الجامعات من مختلف مناطق العالم ومنها جامعات عريقة مثل جامعة تورنتو في كندا، وجامعتي سيدني وموناش بأستراليا، وجامعة أبريدن ببريطانيا، وجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية ممثلة للمنطقة العربية بأكملها، وكنت ممثلها بتكليف من مدير الجامعة. وتم الاتفاق بين فريق العمل ان يتم صياغة منهج سلامة المريض لكليات الطب بأسلوب سلس مع قابليته للتطبيق في مختلف البيئات، وعدم المساس بأي قيم اجتماعية أو دينية، واتيحت في هذا البرنامج وسائل عديدة لدمجه مع المناهج سواء كانت تقليدية أو حديثة. وكان هذا المنهج المتطور والإبداعي موجهاً لكافة كليات الطب في جميع أنحاء العالم لكي يتم تعزيز الأجواء والأوضاع المرتبطة بسلامة المريض على المستوى العالمي بهدف إعداد جيل من أطباء المستقبل ذوي أداء مهني مميز أثناء الممارسة العملية. وبادرت ثلاث جامعات بأن تكون أول من يطبق هذا البرنامج.

وعن محتوى البرنامج، أستعرض د. المعمري المواضيع الأحد عشرة التي أختيرت بعناية مع وضع أهدافها ومخرجاتها التعليمية، وطرق تدريسها، وتقديمها وهي مدخل عن سلامة المريض: يكرس هذا الموضوع أهمية الحاجة إلى مهنيين في المجال الصحي قادرين على تجسيد وتأكيد مبادئ ومفاهيم سلامة المرضى خلال الممارسة اليومية، لأنه من المهم ضمان وجود رعاية صحية آمنة عبر تصميم وإعداد أنظمة تسهل تقديم معلومات متكاملة ودقيقة يستوعبها جميع المهنيين العاملين في المجال الصحي.

والعوامل البشرية وأهميتها لسلامة المريض: وهذا يساعد الطلاب على فهم كيفية أساليب تعامل الناس مع بعضهم في ظل ظروف مختلفة ومتباينة، ومن ثم يمكن بناء الأنظمة وترقية مستوى الإنتاج ما يؤدي إلى تعزيز الأداء وتجنب الأخطاء الطبية.

أيضاً فهم النظم وأثرها على رعاية المريض: ويتعلم منه الطلاب أن الرعاية الصحية لا تقتصر على جهاز واحد، بل تتعداه إلى مجموعة من الأجهزة والنظم الخاصة بالمؤسسات والإدارات والوحدات، وهي تتعلق كذلك بالممارسة والخدمات المقدمة، فضلاً عن العلاقات بين مختلف الجهات التي تقدم الرعاية الصحية وما سواها.

وفاعلية فريق العمل ويركز على فهم طلاب الطب للعمل الجماعي، وما ينتج عن ذلك من فوائد وإيجابيات لأداء الفرق متعددة التخصصات، ولكيفية تأثيرها على تحسين وتطوير برامج رعاية المرضى والحد من الأخطاء.

والاستفادة والتعلم من الأخطاء: وهو يلزم طلاب الطب الاطلاع على أسباب وكيفية تدني عمل الأجهزة وأيضاً معرفة أسباب الأخطاء، وبالتالي يمكنهم الاجتهاد في تجنبها والتعلم منها، ويتعلم الطلاب أيضاً أن وسيلة التعرف على الأخطاء، والسعي إلى فهم أسبابها أفضل من أساليب إلقاء اللوم على الآخرين بسبب أخطائهم الشخصية.

إضافة إلى إدارة المخاطر السريرية: حيث يتعرف عليها طالب الطب والحفاظ على نظم الرعاية الآمنة وإدارة الجوانب السلبية والتغلب عليها، وتركز هذه الإدارة علي تطوير الجودة والخدمات المتعلقة بالرعاية الصحية الآمنة من خلال الوقوف على الملابسات والظروف التي تجعل المرضى يتعرضون للمخاطر والأضرار، ومن ثم بذل محاولات جادة للسيطرة عليها.

ومقدمة حول وسائل تطوير الجودة: حيث يتعلم طالب الطب برامج الرعاية الصحية التي تحتوي على مجموعة من وسائل تطوير الجودة، وكيفية امتلاك الأطباء للأدوات اللازمة لتحديد المشكلة وقياسها، واقتراح السبل إلى معالجة المشكلة.

والتعامل مع المرضى ومقدمي الخدمة ويتم تعريف الطالب على مفهوم الرعاية الصحية الذي يؤكد على إدماج المريض والمختص بالعناية ضمن فريق الرعاية الصحية، وكذلك على أن المرضى والمختصين بالعناية يؤدون دوراً رئيسياً يكفل تقديم رعاية صحية آمنة، وذلك من خلال المساعدة في التشخيص، واتخاذ القرار فيما يتعلق بالعلاج الملائم.

ومنع العدوى بتطوير وسائل مكافحتها فأضيفت مشكلة السيطرة على العدوى في برامج الرعاية الصحية باعتبارها تشكل نسبة عالية من أسباب الوفيات والإعاقات في العالم، وهناك العديد من الخطوات والإجراءات التي تساعد الأطباء والممرضين على التقليل من احتمالات انتقال وتفشي العدوى.

أيضاً سلامة المرضى عند إجراء العمليات الجراحية فيتعلم طالب الطب السبل التي تؤدي إلى تجنب الأخطاء المتعلقة بالعمليات الجراحية مع تعزيز معرفة أهمية التواصل الفعال مع المرضى، واكتمال الإجراءات التي تسبق العمليات. وتحسين سلامة الدواء بهدف تعريف الطالب بإجراءات تحسين سلامة الدواء نظراً لتعرض بعض المرضى للأخطاء التي تحدث بسبب طرق كتابة الوصفات الدوائية، وبإدارة الأدوية وصرفها.

وأشار د. المعمري بأن هناك توجهات من قبل الاتحاد العالمي لسلامة المرضى لتطويع هذا المنهج ليناسب التخصصات الصحية الأخرى مثل التمريض والصيدلة والأسنان والعلوم الطبية التطبيقة مدعوما برغبة أكيدة من المختصين في هذا المجال بأن يتم دمج كل ما يخص سلامة المريض في هذه المناهج، وأن يتم اتخاذ خطوات عملية من قبل كليات الطب بتسريع تطبيق الكثير من المواضيع السابقة عن سلامة المريض في مناهجها لكي يترجم الاهتمام الكبير الذي لقيه المؤتمر على أرض الواقع، وهذا المأمول والمتوقع خلال الفترة القادمة إن شاء الله.

وحول كيفية استفادة الكليات الطبية السعودية من هذا المفهوم في التعليم الطبي، أشار إلى أن جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية قامت بتنظيم مؤتمر برعاية وزير التعليم العالي، الأسبوع الماضي حضره عدد من عمداء كليات الطب السعودية وطرح من خلاله نموذج سلامة المريض في المناهج الطبية كما تبنته منظمة الصحة العالمية، كما عرضت بعض التجارب العالمية والمحلية في هذا الشأن، وهذا سيكون محفزاً لأن تسعى الكليات المحلية إلى إدراج مفاهيم سلامة المرضى ضمن مناهجها الطبية، بغرض الحصول على جيل جديد من الأطباء مدرك وواع ومتدرب على كيفية التعامل مع مفاهيم سلامة المرضى.

أخيراً يرى الدكتور المعمري بأن الخطأ الطبي موضوع شائك ولتقليص الأخطاء الطبية هناك حاجة إلى تعريفها أولاً وتحليلها واتخاذ الحلول الآنية والمستقبلية لتقليصها، وما إدخال مفاهيم سلامة المرضى ضمن المناهج وطرق التدريب سوى بعض الحلول طويلة المدى التي ستقود بحول الله إلى تلقيص حجم وآثار هذه الظاهرة المزعجة للمجتمع بصفة عامة وللمجتمع الصحي بصفة خاصة.

 

 

إعداد: دينا المحضار