بقلم/ د. عبدالله الفرج 

الصادرة من صحيفة الرياض

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار 

 

كنت فيما مضى أتهكم على علم الاقتصاد، وأعتبره ليس دقيقا مثل الطب، وهذا جاء بعد متابعة مستمرة لعدة أعوام للبرامج التي يضعها كبار الاقتصاديين في العالم لحكوماتهم، ولكن دونما تحقيقها للنتائج المرجوة دائماً. وأشهرها برنامج الرئيس الأمريكي السابق ريغان الذي توخى من ورائه إنعاش الاقتصاد بالاعتماد على: خفض الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب على الأفراد والشركات والاستثمارات، ولكن بدلاً أن يشجع خفض الضرائب الاقتصاد الأمريكي على النمو، وبالتالي يحقق الاقتصاديون ما كانوا يطمحون فيه، فتكون محصلة الضريبة أعلى حتى وإن كان مستوى الضريبة أقل، فإن هذا البرامج، الذي انتقده قبل إقراره الكثيرون، قد فشل. وبدلاً من أن ينمو الاقتصاد حل محله الركود التضخمي، وهذا البرنامج صار يعرف على نطاق واسع باسم: ريغانوميكس (Reaganomics)‏، أي الاقتصاد الريغني.   أقول كنت أتهكم على علم الاقتصاد عند مقارنته بالطب الذي يشخص الأعراض المرضية بدقة ويعطي العلاج الناجح للمرضى. ولكن ذلك قبل أن تداهمنا كورونا التي خلطت كافة الأوراق، فأصبح الطب عاجزا حتى عن تشخيص حالة الرئيس الأمريكي وإعطائه العلاج المناسب، فقد جرب الأطباء عليه مباشرة العديد من الوصفات قبل استيفائها التجارب المختبرية والسريرية، والحمد لله أن النتيجة جاءت سليمة.

ولذلك علينا ألا نستغرب أمام هذا الفشل الطبي، أن تصبح التجارب على البشر أمرا طبيعيا، والأمر هنا لا يقتصر على مجال الأدوية، وإنما يتعداه إلى التطعيمات التي هي الأخرى صارت تعطى مباشرة للناس قبل استيفاء التجارب على الفئران في المختبرات. وبكلمة مختصرة أن الطب، وفي أرقى البلدان، أثبت أنه غير جاهز للتصدي للأمراض الخطيرة والمستعصية، ولذلك علينا ألا نستغرب أن يرتفع عدد المصابين بهذا الفيروس عتبة الـ30 مليون، والوفيات أكثر من مليون شخص.

أما الاقتصاد العالمي فيبدو كما لو أنه يحتضر، فبدلاً من النمو تراجعت وتائر أكبر 10 اقتصادات في العالم. إذ باستثناء الصين التي تقلص اقتصادها في الربع الأول فقط، فإن الاقتصادات الكبرى الأخرى مازالت تعاني بعد تراجع معدلات نموها بشكل مخيف، لم يرَ أحد مثله منذ الحرب العالمية الثانية.

إن تأزم الصحة والاقتصاد في العالم مؤشران سوف تكون لهما أبعادهما الخطيرة. فحسب إحصاءات البنك الدولي الأخيرة، فإن ما يتراوح بين 88 مليونا إلى 115 مليون شخص سوف يعانون من الفقر المدقع هذا العام، مع احتمال ارتفاع هذا الرقم إلى 150 مليونا في العام القادم. بالفعل، فلو أن جزءاً يسير مما ينفق على الحروب قد تم إنفاقه على الصحة والاقتصاد لكن بالإمكان تلافي العديد من الكوارث.