بقلم/ د.عبدالله الخازم 

الصادرة من صحيفة الجزيرة

مجلة الجودة الصحية – دينا المحضار 

 

يوجد في القطاع الصحي ظاهرة تداخل المصالح بين بعض إدارات المستشفيات والشركات المتعهدة ببعض أعمالها كشركات التغذية والصيانة والنظافة والمغاسل والتقنية وغيرها، حيث تقدّم تلك الشركات خدمات خاصة وإضافية مثل توفير بعض الوظائف الإضافية للمستشفى أو توفير التأشيرات لبعض الضيوف أو توفير تكاليف بعض الحفلات. بعض الإعلانات وحفلات الافتتاح والتكريم والتعليم والتدريب التي تُقام ببعض المستشفيات تدعم عن طريق الشركات المتعهدة العاملة بالمستشفيات أو المتعاملة معها، خارج العقد الرسمي!

تلك ممارسات مؤسسية تحمل سمة التعارض في المصالح، وهناك ممارسات الأطباء والممارسين وبعضهم يراها أمراً طبيعياً ومبرراً تتمثَّل في تعامل بعضهم مع شركات الأدوية والشركات الموردة للأجهزة والمستهلكات الطبية. هي ظاهرة علنية أن تقدّم تلك الشركات تذاكر سفر للأطباء وتكاليف حضور مؤتمرات وغير ذلك من الخدمات الشخصية، وتعلم إدارة المستشفى بأن الطبيب يسافر على حساب شركة دواء أو أجهزة ولا تتدخل، بل تمنحه إجازة. بعض الأطباء يحضر مؤتمرات على حساب تلك الشركات دون حتى الحصول على إجازة علمية رسمية وبعض إدارة المستشفيات تحث أطباءها على مثل هذا الفعل حين تطلب منهم الضغط على الشركات الموردة لأجل الحصول على ميزات وتسهيلات خاصة إضافية بما فيها تكاليف بعض السفرات أو رعاية بعض اللقاءات والحفلات الخاصة بالأقسام الطبية.

الأمر لا يتعلَّق بالاستفادة من تلك الشركات وهي التي تحصل على مبالغ طائلة نتيجة عقودها ومبيعاتها الصحية، وليست في استفادة المستشفيات ومنسوبيها من دعم القطاع الخاص، وإنما في الطريقة والآلية التي يحدث بها هذا الأمر، حيث يوجد تعارض مصالح وتجاوز لمبادئ وأخلاقيات الممارسة الإدارية والطبية. فالشركة حين تمنح الطبيب تذاكر سفر أو مكافأة خاصة فإنها تفعل ذلك بقصد الحصول على دعمه في بيع الدواء أو الجهاز أو الحصول على العقد أو غض النظر عن تجاوزاتها … إلخ. لا أدري لماذا تغض إدارات المستشفيات الطرف عن مثل تلك التصرفات وهي تعلم بوجودها؟ هل لأنها هي الأخرى مستفيدة من ذلك أم أنها المجاملات الشخصية بين الإدارة والأطباء؟ أم هو الضعف لدى تلك الإدارات، حيث لم تعد تميز بين ما هو مقبول وما هو غير مقبول، بين ما يتعارض مع أصول المهنة وما لا يتعارض؟ أم هو ضعف الموارد الرسمية لمثل هذه النشاطات؟

مهما يكون السبب فالحفاظ على أخلاقيات الممارسة المهنية أهم، وعلى هيئة التخصصات الصحية وهيئة الغذاء والدواء دور في التثقيف والتشريع في هذا الشأن. هناك صوت سيحتج بأن في ذلك اعتراضاً على التبرعات والدعم االعلمي والبحثي المقدَّم للعمل الصحي. الدعم جميل، لكن يجب أن يكون له أوجه وطرق رسمية تخرجه من دائرة تعارض المصالح وتحوله إلى امتيازات شخصية أو خاصة.

هنا سأعود لفكرة سبق أن اقترحتها قبل خمسة عشر عاماً، تتمثَّل في تأسيس صندوق مخصص للتطوير المهني في كل مؤسسة صحية ليتم الصرف منه لاحقاً وفق طرق وأولويات نظامية لا تتعارض مع رسالة ومبادئ العمل الطبي وتساعد في البعد عن الشبهات المهنية..

هي فكرة قابلة للنقاش، نطرحها في المقال القادم.