إدارة الخدمات الصحية والمستشفيات : حالة طارئة (2 _2)

 

 

بقلم مانع اليامي

الصادره من صحيفة الشرق

الجودة الصحية-اعداد : دينا المحضار

 

عودا على ما بدأته في المقال السابق ، يتضح أن هناك رؤى واتجاهات متراكمة حول واقع الإدارة الصحية وأن الصراع بين الأطباء والإداريين الصحيين على إدارة المنشأة الصحية قديم.
على أي حال ، اذا كان الحدث المهم في ملتقى «المستقبل المهني للإدارة الصحية » ما ذكره وكيل جامعة الأميرة نورة ، حين قال إنه لم يتم تقدير التخصص وإنه لا ينصح بدخوله لوجود جهل واضح فيه من قبل الجهات ذات العلاقة وخاصة وزارة الخدمة المدنية ، فإن الحدث الأهم في هذا الملتقى هو اقتراح البروفيسور الأمين العام المساعد للهيئة السعودية للتخصصات الصحية سابقا بإنشاء برنامج زمالة لتخصص الإدارة الصحية ، وفي هذا الاقتراح تحدٍ لواقع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية التي تضم أكثر من خمسين برنامج زمالة ولا يوجد فيها برنامج واحد للإدارة الصحية رغم أهلية القائمين عليها وإدراكهم لأهمية الأمر على الأقل من واقع نجاح تجارب الدول المتقدمة في هذا الشأن ، وفي الاقتراح أيضا معالجة منطقية للوضع ورؤية تقدمية يجب العمل على تحقيقها لسد الفجوة القائمة واحتواء الخلل ، وهنا يمكن القول إن ثمة توافقا بين سلطة الوظيفة )ديوان المراقبة العامة) كجهة حكومية رسمية تسعى لتحقيق المصلحة العامة ، وسلطة المعرفة – الجمعية السعودية للإدارة الصحية التي يدعم وجودها وتوجهها رئيسها الفخري صاحب السمو الملكي وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز بفكره النير وحضوره المعرفي الشامل علاوة على ما يشكل قوام أعضاء مجلس إدارتها من ثقل في ميزان علوم الإدارة الصحية محليا ودوليا.
أقول هناك توافق بين السلطتين حول الاعتراف بوجود خلل يسود إدارة القطاع الصحي يعود بشكل أو بآخر إلى تولي الأطباء لهذه المهمة مع أنه فات على ديوان المراقبة من حيث الظاهر ، رصد مخالفة كبيرة تتعلق بالبدلات المالية المخصصة للطبيب لقاء وجوب ممارسته الفعلية لتخصصه الفني وكان يجب ألا يتقاضاها وقد فضل المنصب الإداري. وهذا من العوامل التي قد تسد شهوة الأطباء من البحث عن المراكز الإدارية وتطبيقه واقعيا يعد من الحلول الناجعة. مع أن الاستمرار في صرف البدلات المالية المخصصة للأطباء أو الفنيين بحكم طبيعة المهنة وشرط الممارسة وهم مكلفون بأعمال إدارية يعد مخالفة صريحة للنظام وإثراء على حساب الخزينة العامة ، الصرامة والحزم في إعادة الأمور إلى نصابها كفيلة بتسوية الأوضاع ،إلا إذا رأت الجهات الرقابية وهيئة مكافحة الفساد غير ذلك!
أيضا فات على الجمعية الرصد الصريح والتحليل الشامل لأسباب العجز القائم في الأطباء واستمراره من جراء صرفهم عن مهامهم المهنية كأطباء وتكليفهم بأعمال إدارية وهذا سوء تدبير نتج عنه قوائم انتظار طويلة في مواعيد المرضى وألحق بالمواطنين ضرراً ومشقة. إلاّ أنه من الواضح أن بين رصد ديوان المراقبة وتوصيات الجمعية الصحية وما يسود الواقع احتكاكات فيها من الخطورة ما فيها.
كافة أبعاد المسألة توضح أنه يجثم على مفهوم إدارة المنشآت الصحية وواقعها لدينا خلل قادم من فكر متهالك متراكم في ممرات ضيقة تسدها روح النقابة والرجعية الإدارية لا يمكن العبور من خلالها لأي اتجاه حديث في عالم الإدارة الصحية ، إلا بضغط المناقشة المستمرة والمواجهة الصريحة ، وورش العمل الدائمة وتقديم البحوث العلمية المحكمة لبيان أهمية الفكر الإداري والاقتصادي كمنهج ممارسة للنهوض بمستوى الخدمات الصحية. علاوة على ضرورة خروج برنامج زمالة الإدارة الصحية إلى وجه الحياة الإدارية ، والتوسع في القبول لنيل درجة الدكتوراه في كافة الجامعات وبشكل عاجل.
غياب الإدارة المتخصصة وترحيل مفهوم اقتصاديات الصحة والتخطيط الصحي سمح بالتوسع في إنشاء المستشفيات إلى جانب نمو قطاع التأمين الصحي وزيادة مشروعات الإقراض لإنشاء المستشفيات ، وهذه ظاهرة يجب التوقف عندها وتفكيكها ، فالتأمين الصحي أتى لتخفيف العبء على الجهات الصحية ، وتنمية القطاع الخاص ودعمه من الدولة أتى للغرض نفسه إلى جانب تيسير الأمر على المواطنين. وزارة الصحة لا تتحمل وزر المسألة بالكامل ، هناك قطاعات صحية أخرى –  القوات المسلحة ، قوى الأمن ، الحرس الوطني ، التعليم ، وأيضا القطاع الخاص.
السؤال : هل نبقى في حالة انتظار لنتائج الصراعات الوظيفية على إدارة شؤون صحتنا ؟ وهل ننتظر لنرى نظامنا الصحي الذي يستقطع نسبة عالية من موازنة الدولة سنويا وقد تخلف عن بقية الأنظمة الصحية وانهار في وحل الفكر المحدود.